لا مفر من الإجبارية
استنفر عزيز أخنوش كل وزراء حكومته المعنيين بتنزيل ورش تعميم التغطية الصحية، من أجل إعطاء دفعة كبيرة حتى يتسنى احترام موعد التعميم الذي حدده ملك البلاد في أحد الخطابات الملكية. اللقاء الذي حضره عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، وخالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، ومحمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وفاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وفوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، إضافة إلى المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ورئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، ورؤساء غرف الفلاحة، ورؤساء غرف الصناعة التقليدية، هيمنت عليه نقطة فريدة وهي المتعلقة بالمساهمة الإجبارية في التغطية الصحية ممن يتوفرون على مدخول شهري دون احتساب 11 مليون مغربي منخرطين في نظام «راميد».
البعض ممن اعتاد الاصطياد في الماء العكر وتحويل أوراش وطنية كبرى إلى ملعب الشعبوية المقيتة، يحاول ضرب هذا المشروع الملكي بتسويق ادعاءات كاذبة بكون الحكومة تتجه إلى ضرب مجانية التطبيب أو تتجه نحو تخلي الدولة عن أدوارها الاجتماعية، والحال أن الأمر لا علاقة له بالمجانية أو تخلي الدولة عن دورها الدستوري في العناية الصحية، بل بنظام اجتماعي جديد يفرض على الجميع ممن لهم القدرة والاستطاعة أن يتحملوا بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تتطلبها حماية نظام تعميم الحماية الاجتماعية، فلا يمكن للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية أن تضمن استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية، والتأمين وضمان جودة الخدمة العمومية في المجال الصحي دون تضامن جماعي.
لذلك، فإن فرض إلزامية وإجبارية دفع أقساط شهرية ليس عقوبة في حق المواطن الذي يتوفر على مدخول سواء كان طبيبا أو مهندسا أو محاميا أو صيدليا أو صانعا تقليديا أو فلاحا أو سائق سيارة أو غيرهم، بل هو خطوة إلى الأمام من أجل ترسيخ مرتكزات الدولة الاجتماعية. وبالتالي فإن إرساء إجبارية المساهمة أمر ضروري لخلق تغطية صحية شاملة ومنصفة وعادلة وذات جودة لدافعي المساهمة ولصالح الفئات التي لا تتوفر على دخل.
فلا يمكن أن نضمن استدامة نظام التغطية الصحية دون تنويع مصادر تمويله، وهو إجراء ينسجم مع أهدافه كما رسمها جلالة الملك محمد السادس. فمن واجب الدولة تحمل جزء كبير من الموارد المالية لكن هذا الأمر غير كاف، لأن التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية في العالم وليس في المغرب وحده تستلزم مساهمات تضامنية.
من حق المغاربة أن يشهروا ورقة غياب الثقة أمام هذا المشروع، فيتوجسوا من نظام الحماية الاجتماعية بناء على سوابق الأنظمة الاجتماعية السابقة التي بدأت تتساقط كأوراق الشجر في غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة. لكن المشروع اليوم يجري بضمانات ملكية شخصية، وهو تحت مجهر الملك محمد السادس الذي لن يسمح بأن يزيح مشروع دولة عن أهدافه المرسومة والتي تتجاوز زمن الحكومات والانتخابات والرهانات السياسية الظرفية.
مسألة أخرى، بدون مساهمات فئات لها مدخول لا يمكن ملامسة المواطن للأثر المباشر للتغطية، فتسجيل 22 مليون مغربي في نظام تعميم التغطية الصحية ليس هدفا في حد ذاته، بل الهدف هو ضمان موارد إضافية لتحقيق الارتباط المباشر والتناسب الضروري بين تأهيل البنية التحتية الاستشفائية والعلاجية، ونجاح الورش الملكي لتعميم التغطية الصحية، لأنه من غير المقبول أن يكون لنا نظام تغطية صحية بـ22 مليونا فيما الطاقة الاستيعابية للمستشفيات والأجهزة الطبية والموارد البشرية لا تتجاوز تأمين طلبات مليون مستفيد.
ولذلك سيتعين على الحكومة أيضا اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتأمين الانخراط الدائم والمنتظم. وهذا الأمر يفترض وضع شرعية قانونية أو تنظيمية لإجبارية الانخراط لضمان إلزاميته، بالإضافة إلى وضع استراتيجية تواصلية واضحة لدفع المعنيين إلى الانخراط، ناهيك عن تحريك الغرف المهنية والنقابات والجماعات الترابية والسلطات العمومية من أجل التحسيس بأهمية المساهمة الإجبارية.