لا مبرر للتشاؤم بعد الآن
المصطفى مورادي
وصل عدد المناصب المركزية التي شملتها منهجية التعيين بالتباري ثلاث مديريات وازنة. هذا الرقم سيرتفع إلى خمس الأسبوع الجاري، حيث سيتم تعيين مسؤولين جديدين على رأس مديريتين هامتين، هما مديرية «التخطيط والاستراتيجية والإحصاء»، ومديرية «الشؤون العامة والميزانية والممتلكات». وهو ما يعني أن نصف المناصب المركزية سيتم تجديدها عبر آلية التباري، في أقل من أسبوعين. طبعا هذه خطوة جبارة جدا، إنها تعني أولا إعطاء الفرصة للشباب الذين تدرجوا في مناصب المسؤولية في القطاع من الصفر، وواكبوا مختلف المحطات التدبيرية والسياسات التعليمية التي عرفها القطاع. كما أنها تعني أيضا أن الأولوية التي يعطيها الملك لقطاع التربية والتكوين لا تتناقض إطلاقا مع تكافؤ الفرص، وخطاب العرش الماضي كان واضحا تماما في الحاجة إلى مرحلة تدبيرية جديدة عنوانها هو: الكفاءة والاستحقاق. لذلك ليس هناك أدنى شك أن البقاء الآن في القطاع سيكون للأكثر كفاءة ونزاهة وصدقا، خصوصا في ظل الثقة التي يحظى بها وزير القطاع الحالي من طرف رموز الدولة. هذه الثقة لعبت دورا كبيرا في المعارك التي خاضها أمزازي لإخراج القانون الإطار، وستلعب أدوارا أكثر تأثيرا في تسهيل مأمورية تجديد الإدارة في الوزارة دون عراقيل مالية أو إدارية من قبيل ما عانى منه وزراء سابقون، والذين كانوا «رهائن» لحسابات وزارة المالية من جهة، وحسابات التوازنات الحزبية من جهة أخرى.
نستطيع القول الآن إن مبررات التفاؤل أضحت متوفرة أكثر من أي وقت مضى. فالمغرب بات يتوفر على سياسة تعليمية واضحة منذ سنة 2012 تتمثل في الرؤية الاستراتيجية، والتي شكلت في حد ذاتها تجسيدا لمنهجية جديدة عمادها التشاور والعمل الجماعي متعدد الأطراف. كما أن لديه أيضا، ولأول مرة في تاريخه قانون إطار يحمي الرؤية من التأويلات السياسوية والقرارات المزاجية. فكل ما كتب تلميحا في نص الرؤية تم توضيحه تصريحا في نص هذا القانون. ولأول مرة أيضا سنشهد تحول التربية والتكوين إلى هم مجتمعي ورسمي متعدد الأطراف، بعد أن كان وزراء القطاع وحيدين يدافعون عن رهان إصلاح التعليم، في وقت كان باقي الوزراء يدافعون عن رهانات أخرى. فالآن بات أكثر من 18 قطاعا حكوميا مجبرا على أن يساهم كل من جهته في إصلاح القطاع. الآن أيضا أضحى المغرب يتوفر على أرضية قانونية صلبة تجبر المجالس المنتخبة على تحمل عبء تحقيق الجودة وتكافؤ الفرص والإنصاف في الحصول على الخدمات التربوية والتكوينية. وذلك بفضل الشروع منذ ثلاث سنوات في تطبيق الجهوية، وظهور ميثاق هو الأول من نوعه، يجبر كافة القطاعات على التخلي عن أسلوب التدبير الممركز لصالح الجهات. وهذا ما تم البدء في تنفيذه وفق رزنامة زمنية مضبوطة. الآن أيضا بات الشركاء الدوليين أكثر ثقة في المغرب، وباتت مساهمتهم في تمويل إصلاح القطاع أمرا مضمونا.
لذلك نقول، ليس هناك من مبرر لعدم التفاؤل الآن. فنحن الآن أمام قطاع واحد اسمه التربية والتكوين، وليس أمام ثلاثة قطاعات كما كان سابقا. وما سيعرفه قطاع التربية الوطنية سيجد صداه في قطاع التكوين المهني، وفي التعليم العالي أيضا، عموديا وأفقيا. وقبل نهاية سنة 2019 ستظهر نتائج تحقيقات قضائية شملت ملفات البرنامج الاستعجالي، وأسماء كثيرة ستشملها المحاسبة. كما أن المحاسبة ستشمل أيضا مسؤولين حاليين في مناصب متوسطة، إما بسبب ضعف الأداء أو بسبب تورطهم في شبهات. وقبل نهاية هذه السنة أيضا ستظهر ملامح هندسة إدارية جديدة ومكتملة الأركان على المستوى المركزي. صحيح أن وتيرة إخراجها ثقيلة، لكنها تسير بخطوات ذات مصداقية وثقة.