شوف تشوف

الافتتاحية

لا صدف في الدبلوماسية

في الدبلوماسية لا شيء يحدث بالصدفة، وإن حدث ذلك يمكنك المراهنة على أنه خطط له لكي يحدث على ذلك النحو. هذا يعني أن قرارات دبلوماسية متزامنة يمكن أن تظهر أو تطرح وكأنها من جراء صدفة، رغم التخطيط المسبق لها. سياق هذا الكلام مرده إلى تزامن موقفين إيجابيين صدرا عن الخارجية الأمريكية، خلال اليومين الأخيرين، الأول يتعلق بنشر الاتفاق المغربي الأمريكي الإسرائيلي الذي يتضمن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، على الصفحة الرسمية للخارجية الأمريكية، لأول مرة في ظل إدارة جو بايدن، أما القرار الثاني فيهم تغريدة دبلوماسية لأنتوني بلينكن كشف من خلالها مضمون اتصال هاتفي مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، حيث وصف المغرب بالشريك الاستراتيجي، داعيا إياه إلى التدخل في تهدئة الأوضاع بفلسطين.
ماذا يعني أن تحتفي الإدارة الأمريكية ببلدنا، وتخصص له رسالتين دبلوماسيتين في غاية الأهمية في هذا الوقت بالضبط، وفي هذا السياق المتوتر الذي يعيشه العالم بسبب النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟
قراءة رسائل الدبلوماسية الأمريكية لا يمكن أن تتم خارج الإشارات التالية:
الإشارة الأولى أن نشر هذا الإعلان الثلاثي على موقع وزارة الخارجية في عهد الإدارة الجديدة وإخراجه من أرشيف الإدارة السابقة، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن من يركض وراء أوهام سحب الاعتراف الأمريكي سيتعب كثيرا، وسيظل في قاعة انتظار دون أن يتحقق مراده.
الإشارة الثانية أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات، مهما اختلفت الإدارات، وتفي بالتزاماتها، سيما أنها صادرة عن أعلى سلطة دستورية في الدولة الأمريكية، وأن الإدارة الحالية رغم اختلاف توجهاتها في تدبير شؤون البلد عما كان يفعله الجمهوريون، فهي تلتزم بالتعهدات التي لها علاقة وطيدة بالعقيدة الدبلوماسية الأمريكية، وتسعى إلى تنفيذ بنودها كاملة دون تعديل بالحذف أو الزيادة.
الإشارة الثالثة تؤكد دعم وضع المملكة كمحاور ثابت وصديق وحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، فليس عبثا أن يصف وزير الخارجية الأمريكي المغرب بالشريك الاستراتيجي، بما يحمله هذا المفهوم من وزن ثقيل في الخطاب الدبلوماسي، فحين تضع الولايات المتحدة الأمريكية المغرب في خانة الشريك الاستراتيجي فهي لا تقوم بذلك مجاملة، بل لأنها تدرك جيدا أن بلدنا طيلة قرنين من العلاقات الدبلوماسية ظل وفيا لالتزاماته وتعهداته.
الإشارة الرابعة تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن المملكة المغربية وسيط دولي موثوق، يحظى باحترام المنتظم الدولي، ويمكن التعويل عليه في تقديم المساعدة لحل قضايا حساسة ومعقدة، خصوصا تلك المتعلقة بالنزاع في الشرق الأوسط، لذلك لم يشعر المسؤول عن دبلوماسية أقوى دولة في العالم بأي حرج من طلب مساعدة المغرب في تهدئة الأوضاع في أزمة غزة. فوزير الخارجية الأمريكي يعي جيدا أن الوضع الاعتباري والديني والتاريخي لملك المغرب لدى الأطراف المتنازعة، يمكنه من لعب دور حاسم في استقرار المنطقة وإبعادها عن نار الحروب.
الإشارة الخامسة هي اقتناع الإدارة الأمريكية بالموقف المغربي المبدئي، الذي يجعل من القضية الفلسطينية والوحدة الترابية في وضع متطابق، فحينما تنشر الدبلوماسية الأمريكية وثيقة الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وفي الآن ذاته تطلب مساعدة المغرب في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فهذه الرسالة المشفرة تعني شيئا واحدا، أن المغرب لا يمكن أن يساوم وحدته الترابية بالقضية الفلسطينية أو العكس.
وبدون شك أن هاته الرسائل الودية التي يتلقاها المغرب من الولايات المتحدة بمنطق الشراكة، ستثير حفيظة الكثير من الدول، وعلى رأسها إسبانيا التي تريد من بلدنا أن يبقى خاضعا لخدمة مصالحها، دون إيلاء أي اهتمام لمصالحنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى