شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

لا شمس لا طبيب

 

يونس جنوحي

 

رغم أن حركة الاحتجاج بقرب البرلمان في قلب العاصمة الرباط صارت جزءا لا ينفصل عن المشهد العام للعاصمة، ولم يعد يكترث لها أغلب الناس، إلا أن المارة أول أمس الخميس، استوقفهم فعلا احتجاج «أطباء المستقبل» لساعات خلال الفترة الصباحية، رافعين شعارات لا تكاد تُسمع جيدا وسط الضجيج والأصوات الغاضبة.

ماذا يُريد أطباء المستقبل بالضبط؟ كيل لهم ما يكفي من الاتهامات في السابق، بحكم أن «حُلم كندا» يسيطر على أفكار أغلب الشباب المغربي اليوم وليس الأطباء الشباب فقط. هؤلاء بالضبط، ينتظرهم مضمار طويل وعريض، مليء بالمصاعب والتحديات لكي يصلوا إلى مرحلة «الراحة المهنية» التي يُتهم أطباء المغرب بأنهم غارقون فيها حتى الأذنين. في حين أن التحديات التي تنتظر الطبيب في المغرب لا حصر لها، ويصعب فعلا تحملها إلا على من اختار فعلا أن يمارس واحدة من أنبل المهن في التاريخ.

وعلى ذكر الأبيض والأسود، فإن أوائل المغاربة الذين مارسوا الطب كانت عياداتهم محطات خيرية أكثر مما هي مكان لممارسة مهنة ينال عنها صاحبها أتعابا في آخر الحصة. والأمثلة على هذا الأمر كثيرة، حتى أن أوائل الذين مارسوا الطب في المغرب، بشكله العصري، أي أنهم خريجو كليات الطب خارج المغرب -فرنسا تحديدا- لم يراكموا ثروة مثل الجيل الذي لحقهم مع فجر الاستقلال.

الطبيب المغربي بنزاكور، الذي كان أيضا وزيرا للصحة، أزيح من منصبه إثر التعديل الحكومي الأول سنة 1956، وهنا بالضبط بدأت مشاكل وزارة الصحة عندما أزيلت حقيبة تدبيرها من يد طبيب ومُنحت لآخرين لا يربطهم بالطب إلا عيادة المصحات والالتزام بنصائح الأطباء قدر المستطاع.

وقبل حتى أن يوجد أطباء مغاربة، سبقهم الفرنسيون إلى فتح العيادات واستقبال المرضى، وهؤلاء بدورهم لم يراكموا ثروة كبيرة من وراء ممارسة الطب في العيادات الخاصة، بحكم أن المجتمع المغربي وقتها كان غارقا في الهشاشة.

أما في زمن الأقدمين الأوائل، أيام الموحدين والمرابطين، فقد كانت المستشفيات شاسعة، ويرتادها المرضى الذين تعبوا من وصفات الفقهاء والرقية الشرعية، وكانت تخصص لبناء هذه المستشفيات أراض شاسعة وتُشيد فوق مرتفعات لضمان التهوية وولوج ضوء الشمس. ودار الزمن دورته، وهُجرت المستشفيات لتعمر محلها الأضرحة، إلى أن وصلنا زمن «بويا عمر».

يفكر أغلب الطلبة المغاربة في الهجرة، سواء في شعبة الطب أو أي شعبة أخرى، وحتى تلاميذ التمريض هذه الأيام يسخرون من واقعهم قائلين إن نصفهم يدرس الألمانية سرّا للهجرة إلى ألمانيا في إطار نظام إدماج المهن، ونصفهم الآخر يبحث عن فرص في مكان آخر، المهم أن يكون خارج المغرب.

كل المشاكل التي يعاني منها الطلبة الأطباء، تنعكس أيضا على المواطن. وسبق لجمعيات أن أثارت مشكل غياب الأطباء وما سُمي وقتها «رفضهم الالتحاق بمراكز تعيينهم في العالم القروي». هؤلاء الأطباء يقولون إنهم رفضوا الالتحاق بمراكز تعيينهم في القرى والمداشر، خصوصا في جبال الأطلس، معللين هذا الرفض بأن المستشفيات التي يُنتظر أن يمارسوا فيها مهامهم لا يوجد فيها سوى «الدوا الحْمر» والعناكب. وصح عليها فعلا أن يقال عنها إنها مستشفيات لا يدخلها طبيب ولا تدخلها شمس أيضا.

الهالة التي كانت تُحيط بمباراة الالتحاق بكليات الطب، لم تفقد وهجها رغم كل ما يتناثر خارج القلعة «الحصينة». والذين يحتجون اليوم وغدا، لاحقوا حلم ارتداء الوزرة البيضاء وإنقاذ الأرواح، وسيأتي آخرون يلاحقونه بدورهم في زمن تتكسر فيه الشعارات تحت سماء الرباط ما دامت دائما مُلبدة بالغيوم..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى