شوف تشوف

شوف تشوف

لا رأي لمن لا نقابة له (2/2)

الجميع يتذكر الحروب التي خاضها محمد الوفا مع أرباب التعليم الخصوصي، علما أن «ضرصات» صحيحة داخل «الباطرونا» لديهم مدارس خصوصية ضخمة في مدن كبرى تدر عليهم المليارات، فضلا عن شخصيات حزبية لها أيضا حقها في هذه الكعكة، لكون هذا القطاع هو الأسهل على الإطلاق في الاستثمار كما أشرنا سابقا، إذ أن أغلب الأساتذة الذين تعتمد عليهم هذه المدارس ينتمون في أغلبهم إلى التعليم العمومي، والذين يشتغلون في المدارس الخاصة ب»نيتهم» ويتجهون للمؤسسات التعليم العمومي للاستراحة، وهناك فيديو شهير يصور أستاذا للعلوم الطبيعية يغط في نوم عميق على مكتبه في قسمه دون خجل بسبب الإنهاك الذي يتعرض له في المؤسسات الخاصة، وهو أمر مربح للجميع.
فالأستاذ هناك يشتغل في وظيفة ثانية دون ضريبة على الدخل، والذي يصل في بعض الحالات إلى 30 ألف درهم شهريا، وكل سكان المدن الكبرى يعرفون جيدا كيف أصبح بعض هؤلاء من سكان الفيلات وأصحاب «الكاطكاطات»، لكونهم يتشغلون ما يفوق 20 ساعة أسبوعيا في المدارس الخاصة، مع أن القانون يحدد 8 ساعات فقط كسقف، بل إن هناك أساتذة يشتغلون سبعة على سبعة بما في ذلك يوم الأحد، إذ يشتغلون في المقاهي مع التلاميذ والطلبة.
والأسر، بالرغم من التكلفة المادية، فهم يربحون أيضا «نشوة» اختيار الأستاذ المناسب، ويكفي أن نذكر هنا بالشعار الغريب الذي تضعه إحدى مدارس مدينة سلا كعنوان لخدماتها «يمكننا تغيير الأستاذ، هدفنا إرضاؤكم»، وطبعا الأسر تختار الأستاذ «السخي» في النقط، سيما في الباكلوريا حيث تلعب المراقبة المستمرة دورا كبيرا في تأهيل التلاميذ الناجحين لدخول المدارس والمعاهد الكبرى، وأيضا أستاذ التعليم العمومي لخبرته في التدريس، ولا يفضل الآباء مجازا يريد أن يتعلم «الحسانة» في رؤوس أبنائهم.
أما أرباب المدارس فهم الرابح الأكبر في هذه «الصفقة»، ففي قاعة هي في الأصل عبارة عن «صالون» أو غرفة، يمكن وضع طاولات خشبية وتعليق سبورة صينية الصنع، وإحضار مدرسين من التعليم العمومي لتنطلق الدراسة.
وعندما يحين «موسم» الجبايات الضريبية، فإن المؤسسات الاستثمارية الوحيدة التي لا يراها «مول الضريبة» هي المدارس الخصوصية، إذ كل ما يتم استخلاصه شهريا من التلاميذ هو ربح يذهب لجيوب أصحابها، فيستخدمون سائقين يشحنون فلذات أكباد «عباد الله» في عربات بعضها متهالك جدا، وأغلب هؤلاء متقاعدون مدنيون وعسكريون، كما يستخدمون معطلين يودون فقط محاربة الفقر والفراغ بأي ثمن، حيث يوقعونهم على أوراق تحمل رواتب لا يتقاضونها، وذلك أحيانا بعلم مؤسسة عمومية بحجم «الأنابيك»، وطبعا بدون تغطية اجتماعية أو صحية أو تقاعد، يشتغلون وهم دائما تحت طائلة الطرد دون الحصول على أدنى حق، وغالبا لا يتعدى أجرهم 1500 درهم شهريا.
طبعا، هذا الوضع غير الطبيعي، والذي يضرب في العمق كل المبادئ التي تأسست عليها المدرسة العمومية، حاولت وزارة التعليم منذ 2007 تقنينه، بأن وضعت إطارا تقوم بموجبه الدولة بتقديم إعفاءات ضريبية لأرباب هذه المدارس في مقابل تكوينهم لمجازين معطلين وتشغيلهم وفق قانون التشغيل الجاري به العمل، ونظرا لقوة اللوبي الذي يقف وراء هذه المدارس فقد مرت سنوات طويلة بعد انتهاء المدة التي كان من المفترض أن يتم فيها التفعيل الكامل لهذا الاتفاق، لكن النتيجة كما هو معلوم هي «زيادة الشحمة فظهر المعلوف»، إذ استمر الاعفاء الضريبي في حين استمر أيضا تملص هؤلاء من واجباتهم تجاه الدولة، ونظرا لاستمرار نزيف المدرسة العمومية فقد ارتفعت أرباحهم مع ارتفاع عدد التلاميذ الذين غادروا المؤسسات العمومية وتسجلوا بها.
وبالعودة إلى الوزير السابق محمد الوفا، فقد استطاع أن يفرض عليهم من جديد هذا الاتفاق، بالرغم من احتجاجاتهم الكثيرة على قراره إلغاء رخص عمل أساتذة التعليم العمومي في المؤسسات الخاصة، وفعلا بدؤوا في تكوين مجازين على أساس إدماجهم بشكل رسمي كأساتذة رسميين في هذه المدارس، لكن بمجرد إعفاء الوفا من مهامه، فإن «حليمة عادت لعادتها القديمة»، وقد كانت فرحة أرباب هذه المدارس كبيرة بشكل لا يوصف، إذ أن تكلفة تكوين وتشغيل أساتذة ستذهب لحساباتهم البنكية السمينة.
وما يؤسف له، هو أنه نظرا لذهنية «الناسخ والمنسوخ» التي تسيطر على إداراتنا العمومية، لكون كل وزير يعمد بمجرد استوزاره إلى طمس معالم سابقه، فإنه عوض أن يحرص بلمختار على استمرارية الاتفاق الذي وقعه سلفه مع هؤلاء، فإنه سارع إلى إصدار مذكرة ترجع الوضع إلى ما كان عليه، وقد عاد فعلا لما كان عليه.
ولعل أخطر الملفات التي عرفت تلاعبا واضحا بمصير عشرات المجازين المعطلين، في قضية لا تختلف كثيرا عن قضية «النجاة» الشهيرة، ملف عرفت تفاصيله وكالة «الأنابيك» بمدينة القنيطرة، فتجاوبا مع الضغط الذي مارسه محمد الوفا على أرباب هذه المدارس، كما تمت الإشارة، فقد وقع هؤلاء مع «الأنابيك» شراكة ثلاثية، بموجبها تقوم «الأنابيك» باستقبال طلبات المجازين العاطلين الراغبين في العمل كمدرسين في التعليم الخاص، ثم قامت بعد ذلك بالانتقاء من بينهم من تراه مناسبا، حيث توصلت الوكالة بمئات الطلبات، لتقوم بالاحتفاظ ب100 مجاز، في تخصصات مختلفة، ثم قام مركز تكوين الأساتذة بالقنيطرة بتكوينهم لمدة سنة كاملة، حيث استفادوا من التكوين ذاته الذي يستفيد منه أساتذة التعليم العمومي، على أن تقوم المؤسسات التعليمية الخاصة بتشغيلهم بعد تخرجهم، وفق عقود واضحة تضمن لهم كل حقوقهم التي يضمنها لهم قانون الشغل.
لكن بمجرد إعفاء الوفا، فقد تملص أرباب التعليم الخصوصي من كل التزاماتهم، وعندما احتج هؤلاء أمام مقر ولاية «زينب العدوي» وكذا أمام «الأنابيك»، فإن أرباب المؤسسات الخاصة وجدوا في تحررهم من الضغط الحكومي مناسبة للتهرب، بذريعة كون هؤلاء الأساتذة المتخرجين ناقصي التكوين، وطبعا ليسوا مضطرين لقول المزيد، لأنهم يلعبون وحدهم في الملعب، فلا «الأنابيك» قادرة على فرض الالتزام الموقع، ولا الوزارة قادرة هي أيضا على ذلك، وهاهم أرباب التعليم الخصوصي يصولون ويجولون، ووصلت بهم الجرأة حد «اقتحام» مؤسسات التعليم العمومي والقيام بإشهار مباشر وعلني لمؤسساتهم الخصوصية في قلبها.
وفي انتظار أن توقف الحكومة هذه المهزلة، التي تتم بعلم من الجميع، بمن في ذلك نواب العدالة والتنمية الغاضبون جدا من الباكلوريا الفرنسية والإسبانية التي ينوي بلمختار اعتمادها، ها هم نواب العدالة والتنمية يحاربون رسميا لفرض التعريب، حتى أن هناك لجنة مصغرة في ديوان بنكيران تضع هذا الملف على رأسه مهامها.
وطبعا، لنقابة العدالة والتنمية حسابات أخرى، فعندما كان ملف الأساتذة حاملي الشهادات في أوجهه، أي عندما كان الأساتذة يتعرضون للتنكيل اليومي، كانت تعليمات القيادة الحزبية واضحة لكل نشطاء نقابتهم التعليمية على المستوى الوطني بأن يبتعدوا عن الملف. وطبعا فقد وجدوا في الكاتب العام لهذه النقابة الأداة اللينة والطيعة التي لا تخالف أمرا مهما كان، فقد أثبت مرارا أن «راسو صغير» ويسمع الكلام، لذلك فهو المرشح الأول لقيادة النقابة الأم مكان محمد يتيم، على أن يتم وضع شخص آخر مكانه، له بدوره قصص أخرى في نيابة سيدي قاسم سيأتي أوان ذكرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى