دخلت حرب روسيا على أوكرانيا عامها الثاني، وسط حالة استعصاء سياسي وعسكري، تترافق مع تعبئة واسعة يقوم بها طرفاها من أجل تحقيق تفوق، يُجبر الخصم على قبول وقف إطلاق النار. ومن ناحية موسكو، يتم الحشد وشن هجمات كبيرة في الشرق والجنوب، لتحقيق تقدم على القوات الأوكرانية التي تستعد بدورها لهجوم واسع، هدفه إلحاق هزيمة بالقوات الروسية المهاجمة، وتعديل موازين القوى لصالحها. وعلى رغم أهمية ما يقوم بها الطرفان، فإن إلحاق الهزيمة الساحقة بطرف لا يبدو واردا في هذه الحرب، وليس في وسع أي منهما حسم الموقف كليا لصالحه، وكانا قد سخرا لهذا الهدف طاقات جبارة على مدى العام الأول، ولم يفلحا. والنتيجة أن موسكو لم تتمكن من بلوغ الأهداف التي وضعتها للحرب، وكانت، في البداية، السيطرة على كييف، وبعدها تراجعت وقلصت طموحاتها في احتلال جميع أقاليم دونيتسك ولوغانسك، ولم تتمكن من ذلك بالكامل بعد، بل أصبحت أهدافها أكثر تواضعا أمام الخسائر الكبيرة. أما كييف فقد نجحت في إفشال أهداف الحرب الروسية، ولكنها لم تحقق نصرا عسكريا كبيرا على روسيا، ومهما حاولت، فإنها لن تتمكن من تجاوز السقف الذي بلغته.
بات واضحا أن روسيا لا تستطيع تحقيق اختراق كبير على الجبهات التي تقاتل عليها حاليا بالشرق والجنوب. وتفيد تقديرات خبراء غربيين بأن كلفة أي تقدم ستكون عالية جدا، وسط تصميم غربي على دعم أوكرانيا عسكريا، ونقص كبير في الأعداد والذخائر وضعف الأداء القتالي لدى الجيش والكفاءة لدى الجنرالات الروس، وربما تخسر القوات الروسية الأراضي التي تقف عليها حاليا بإقليم دونباس، في حال نفذت القوات الأوكرانية هجوما واسعا على غرار الهجمات السابقة، التي سمحت لها بتحرير مساحات واسعة وطرد القوات الروسية وراء الحدود. ورغم الدعم غير المحدود، يبدو أن حلفاء أوكرانيا غير ميالين لأن تلحق هزيمة كبيرة بالقوات الروسية، وينعكس ذلك في مستوى التجاوب الغربي مع طلبات أوكرانيا للأسلحة التي لا يزال الغربيون يحددونها بشرطين، أن لا تؤدي إلى تصعيد الحرب، ولكنها تضمن لأوكرانيا الدفاع عن نفسها.
يمكن لروسيا أن تستعين بالصين وإيران من أجل دعم عسكري لمواصلة الحرب إلى أمد طويل، خصوصا ما يتعلق بتعويض نقص الذخيرة الذي تعاني منه بصورة واضحة، وهذا ما شكا منه صراحة يفغيني بريغوجين، رئيس ميليشيات «فاغنر»، التي تشكل رأس حربة للجيش الروسي بجبهة الشرق. ولكن من شأن هذه المسألة أن تثير أزمة بين بكين وواشنطن، وكثرت في الأسبوعين الأخيرين تسريبات في الصحافة الأمريكية عن هذا الأمر، وترافقت مع تصريحات أمريكية وأطلسية تحذر بكين من تزويد روسيا بالسلاح، وهو ما تنفيه الصين التي تقدمت بمبادرة سلام قبلتها موسكو، وشككت بها الأطراف الغربية.
من بين السيناريوهات المطروحة أن تعتبر موسكو أنها حققت أهدافها، وتكتفي بالأراضي التي احتلتها من إقليم دونباس، وتعلن عن استعدادها لوقف الحرب، والدخول في مفاوضات مع كييف لتثبيت هذا الأمر. والمرجح، في هذه الحالة، أن ترحب واشنطن والحلفاء الغربيون بهذه الخطوة، ولن يكون في وسع القيادة الأوكرانية إلا الرضوخ أمام الأمر الواقع، وسواء قبلت الجلوس على طاولة المفاوضات أم رفضت، فذلك لن يغير من الأمر شيئا، طالما أن أقصى ما يمكن التوصل إليه في هذه الفترة هدنة طويلة.
بشير البكر