لا تعليم جيد بدون تدريس جيد
المصطفى مورادي
يؤكد كل فلاسفة وعلماء التربية على أن التعليم الجيد مشروط بتدريس جيد. فقديما حرص النبلاء والأمراء على الانتقاء الدقيق والصارم للمدرسين، الذين يشرفون على تعليم أبنائهم. وكان التحكم في المادة العلمية شرطا أساسيا لتوظيف هؤلاء. إذ كانوا في معظمهم علماء أو فلاسفة بلغوا مراتب علمية مشهود لهم بها. لكن في العصر الحديث، ومع ظهور المدرسة العمومية التي حولت التعليم إلى خدمة عمومية مجانية لجميع المواطنين. شهدت مهنة التدريس تحولات جوهرية، حيث لم تصبح المعرفة التخصصية الشرط الوحيد للحصول على مدرس جيد، بل أضحى لزوما أن يضيف المدرسون لتكوينهم العلمي، معارف تتعلق بالعلوم الاجتماعية وعلم النفس وعلوم التدبير وغيرها. ليصبح هاجس تكوين المدرسين الجيدين بنفس مستوى هواجس تربية وتعليم التلاميذ. لذلك لا عجب أن يرافق ظهور المدرسة العمومية ظهور المدارس العليا للأساتذة ويظهر سلك التبريز. من منطلق أن طريق المدرسة الجيدة يعبر عبر التكوين الجيد.
في المغرب، كان واضحا هذا الحرص على تأسيس منظومة تكوين الأطر على أسس حديثة بعيدة عن المنظومة التقليدية، كتلك التي كان يحتضنها جامع القرويين. ليبدأ تاريخ من التحولات عرفتها مؤسسات التكوين، ما زال مفتوحا على المزيد منها إلى اليوم. فقد حملت السنوات الأخيرة العديد من المستجدات رافقت المخططات الإصلاحية المختلفة، التي تم تجريبها في القطاع. وآخرها البرنامج الاستعجالي، والذي حمل معه مستجد توحيد مراكز تكوين أطر التدريس في مؤسسة جهوية واحدة، تحمل اسم «المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين». هذه المؤسسات تم تجريب العمل بها على مدى سبع سنوات الأخيرة، حيث قامت بتكوين عشرات الآلاف من المدرسين الجدد. الذين يعول عليهم لتعويض زملاء لهم متقاعدين وفي الوقت نفسه حمل مشعل الجودة. غير أن هذه المراكز، هي نفسها لم تسلم من التجريبية، مما يحول دون تحقيق التراكم المطلوب.
ففي السنوات الأخيرة تم اتخاذ قرار تبني منظومة تكوين دولية تتمثل في تكوين المدرسين على مدى خمس سنوات، وفق هندسة تتقاسمها ثلاث مؤسسات، هي الجامعات والمراكز الجهوية والمؤسسات التعليمية، غير أن العلاقة بين هذه المؤسسات ما زالت مشوبة بعدم التنسيق. فالتكوينات التربوية للمدرسين في الجامعات تخضع لمنطق «تدبير الأزمة»، بسبب العوز الذي تعرفه الجامعات من أطر متخصصة في التربية والديداكتيك. وبشأن التكوين في المراكز الجهوية، لا تزال الوزارة مترددة في إخراج النصوص القانونية التي تحتاجها هذه المؤسسات. والتداريب في المؤسسات التعليمية دوما ما تعرف تعثرات، بسبب ضعف التنسيق بين الأكاديميات والمراكز الجهوية.
لذلك إن كانت هناك من نية حقيقية لتجويد تكوين المدرسين، ينبغي التحلي بالشجاعة الكافية لخلق مناخ الاستقرار على مستوى التكوين. فالسنة التكوينية ينبغي أن تبدأ مع بداية السنة الدراسية. ووحدة قطاعات التربية والتكوين في وزارة واحدة ينبغي أن تظهر في السياسة التكوينية، بدل وضع الجزر المعزولة التي تعرفها المراكز الجهوية والجامعات. وتمتيع هذه المراكز بالاستقلالية التدبيرية والتربوية لا يمكنه إلى أن يخدم المنظومة التربوية عموما، خصوصا وأن تحدي تجديد دماء مختلف هيئات التربية والتكوين، يتطلب مؤسسات قوية محصنة من تلاعب الإرادات الخاصة والشخصية لهذا المسؤول المركزي أو ذاك.