لا بد من المحاسبة
إلى أمد قريب كانت السياسة المائية التي ينهجها المغرب تجعل منه مثالا يقتدى به في تدبير الموارد المائية، والمحافظة عليها، لضمان تنمية مستدامة تؤمن مستقبل الأجيال وحقها في الماء الشروب وأمنها الغذائي. لكن اليوم يوجد أمننا المائي على حافة الانهيار، ليس فقط بسبب التقلبات المناخية، بل بسبب الفشل الذريع في إبداع حلول مستجدة تحمي الطلب المرتفع على الذهب الأزرق.
فالأرقام التي أعلن عنها نزار بركة بالبرلمان، أول أمس، ليست فقط مقلقة وتدق ناقوس الخطر حول العجز الحاصل في الاحتياط المائي، بل صرخة مدوية تجاه الأداء السيئ للمسؤولين الحكوميين والعموميين عن هذا الملف، الذي تداول على تدبيره خلال العقد الأخير حوالي ثمانية وزراء ومسؤولين، دون أن ترقى إنجازاتهم لانتظارات الملك محمد السادس، ولا لحاجيات المواطنين في هذه المادة الحيوية .
فما معنى أن يعترف الوزير المكلف بالماء بأنه من أصل 57 سدا مبرمجا، وفق الاستراتيجية الوطنية للماء التي وضعت سنة 2009، تم إنجاز 9 سدود كبيرة، في حين يوجد 15 سدا في طور الإنجاز، بالإضافة إلى التأخر الحاصل في إنجاز مشاريع محطة تحلية مياه الدار البيضاء الكبرى بالماء الصالح للشرب، التي من المتوقع أن تعرف عجزا من الماء خلال السنتين المقبلتين، وكذا التلكؤ في الانتهاء من مشروع تحلية مياه البحر بمدينة السعيدية، لسد حاجيات مياه كل من السعيدية والدريوش والناظور وبركان.
مثل هاته الاعترافات بسوء التدبير تستدعي في الدول الديمقراطية تحريك مسطرة المحاسبة في حق الوزراء والمسؤولين العموميين، الذين كانت لهم الوصاية على تدبير الماء، طيلة العقد الأخير. وهنا نخص بالذكر الوزيرة شرفات أفيلال، التي أقيلت من منصبها بسبب نزوات الوزير الوصي عليها، وعبد القادر اعمارة وعبد العزيز رباح وفؤاد الدويري وحمو أوحلي وعبد العظيم الحافي، الذي ظل على رأس مندوبية المياه زهاء العقدين، والرئيس المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وخلفه عبد الرحيم الحافظي وغيرهم من المسؤولين.
لا يعقل أن ملك البلاد يشرف شخصيا في يناير 2020 على وضع خطة واعدة للسياسة المائية، بكلفة 11 ألف مليار سنتيم، بغرض تنمية العرض المائي، سيما من خلال بناء السدود، وتدبير الطلب وتثمين الماء، خاصة في القطاع الفلاحي، وتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء، وبعد مرور أكثر من سنتين لم يتحقق إلا الشيء القليل من الطموح الملكي، لا بد أن الأمر يتطلب ربط المسؤولية بالمحاسبة، فالأمن المائي للمغاربة ليس لعبة أطفال في يد مسؤولين مستهترين.
وللأسف فليس ملك البلاد وحده من نبه إلى خطر ندرة المياه، فالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد وجه في أكثر من مناسبة وتقرير تنبيهات إلى الحكومات المغربية، بسبب الوضعية الكارثية للموارد المائية في المغرب، داعيا إياها إلى اتخاذ تدابير استعجالية لضمان الحق في الماء والأمن المائي، لكن كما يقال لا حياة لمن تنادي.
لقد آن الأوان لكي تقف مؤسسات الدولة وقفة جدية مع معضلة المياه، ليس بتخصيص دعم الماء لفائدة الأسر المغربية من أجل تخفيف الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين، خصوصا في ظل هذه الظرفية الحرجة، بل بالحسم مع الاستهتار العمومي والخصوصي في تدبير أهم مادة في حياة الإنسان، قبل أن يتحول الأخضر إلى يابس.