شوف تشوف

الرأي

لاري كينغ وسامي حداد

معن البياري
اشتركا في مهنة المحاور والمذيع (التلفزيوني والإذاعي)، سنوات طويلة، قبل أن يجمعهما الأسبوع قبل الماضي في مغادرتهما الحياة، سامي حداد عن 82 عاما، لاري كينغ عن 87 عاما. الأول معروف عربيا، والثاني مشهور عالميا. سامي حداد عربي أردني، وإن أمضى نحو ثلاثين عاما بهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، الإذاعة ثم التلفزيون، قبل أن يتعرف عليه النظارة والمستمعون العرب أكثر من على شاشة قناة «الجزيرة»، التي كان من مؤسسيها وإعلامييها الرفيعين. أما لاري كينغ فإنه بالكاد كان معروفا في محيطه قبل التحاقه بـ«سي إن إن» في 1985، ويقدم على شاشتها برنامجه الحواري المثير والناجح، وهي المحطة الأشهر في العالم، حتى إذا غادرها في العام 2010، إلى محطة تلفزيونية أخرى، لم يحظ بالمشاهدة والاهتمام اللذين كان يحوزهما إبان نجوميته في «سي إن إن». والمعنى هنا أن متانة المؤسسة الإعلامية ومهنيتها وجماهيريتها من أهم الأمور التي تسعف الإعلامي، المحاور التلفزيوني، صاحب الكفاءة والاقتدار، على تظهير تميزه وجدارته، ما يحقق له أعرض شهرة ومسموعية ومتابعة.
أخذ خبر وفاة سامي حداد، الثلاثاء قبل الماضي، مكانه في وسائل إعلام عربية، وبعض الأجنبية بالعربية، وجاءت عبارات نعيه، سيما ممن زاملوه، على إطراء طيب بخبرته وأدائه، وذكر أنه معلم، وربما وحدها خديجة بن قنة أشارت إلى «خناقاته الأنيقة مع الرؤساء على الهواء». أما لاري كينغ فمساحات خبر وفاته توزعت في أربع رياح الأرض، وتم التذكير به «أسطورة» و«ملك الميكروفون»، و«ملك الحوارات الأمريكية»، وقد يستحق الرجل هذا كله، إلا أنه يحسن أن لا يغفل واحدنا عن بديهية أن هذا الصحافي اللامع ما كان له أن يصير هكذا لولا مساحات المهنية العالية المتاحة في «سي إن إن»، والإدارة الرفيعة التي تسير هذه المؤسسة، فقد سوندت كفاءته وموهبته وقدراته بهذين المعطيين الجوهريين، معطوفا عليهما الإيقاع الأمريكي العام، حيث لا تتعين لحرية الإعلام سقوف، ولا تحيط بمذيع يحاور رئيس الولايات المتحدة (مثلا) أي قيود، ما يجعله يجري المحاورة بالكيفية التي يريد، كما يفعل في مقابلته مغنيا أو ممثلة إباحية أو مجرما سابقا أو متهما بالتهرب من الضرائب، وكما يحاور رئيس روسيا (ورئيس الاتحاد السوفياتي قبله غورباتشوف) وغيره من مشاهير غير أمريكيين، كان منهم أسوأ من قابلهم وأصعبهم، بحسب قوله (من بين 30 ألف مقابلة أجراها)، معمر القذافي، فقد كان هذا سخيفا وكاريكاتيريا، وهو يطل على «سي إن إن»، ويخبر لاري كينغ عن تركه السلطة وتسليمها إلى الشعب منذ 1977. تماما كما ركاكته في مقابلة سامي حداد معه (سابقة لتلك) على شاشة «الجزيرة»، وافترض أن يكون الصحافي العربي قدامه مداهنا، فلما لم يجده كذلك، اعتبر الأسئلة التي سمعها أسئلة شوارع!
ليس من أحد من الزعماء العرب ممن قابلهم لاري كينغ لم يقابله سامي حداد، ولا أظنه تفوق على زميلنا في جرأة السؤال (القصير غالبا)، وفي الحصول (أحيانا) على سبق إخباري، وفي ما قد يعتبر «استفزازا» للضيف، فيما هو ليس كذلك. ولأن الحاكم العربي لم يعتد ما أحدثته قناة «الجزيرة» من مزاج مختلف، لم يكن مستغربا أن يغضب ياسر عرفات من سامي حداد (لازم تعرف إنت بتكلم مين)، وأن يهدد علي عبد الله صالح بالانسحاب من المقابلة على الهواء. بل ثمة أيضا تعليقات في صحيفة بريطانية، جاءت على ما اعتبرتها «وقاحة» منه في محاورته توني بلير. وقبل ذلك كله (وكثير غيره) أن ينجح في إحراز تصريح مثير في وقته، أيام «بي بي سي» من الحسن الثاني بشأن الصحراء.
لم يكن سامي حداد في «سي إن إن»، حيث أمريكا، وما أدراك ما أمريكا في الإعلام. ولم يكن لاري كينغ في محطة عربية، حيث للعرب تفاصيل وتفاصيل، وإن أوقعت «الجزيرة» فيهم ما أوقعت. هذه هي المسافة بين تجربتي الرجلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى