لائحة الشباب.. «ريع» حزبي داخل البرلمان
عودة الجدل الدستوري والسياسي حول إلغاء اللائحة الوطنية
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
على بعد أشهر قليلة على موعد إجراء الانتخابات التشريعية، عاد الجدل مجددا حول إلغاء اللائحة الوطنية للشباب في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وبالموازاة مع ذلك يخوض الكتاب العامون للشبيبات الحزبية حملة ضغط على رئيس الحكومة ووزير الداخلية وزعماء أحزابهم من أجل الإبقاء على اللائحة التي ستمكنهم من ولوج المؤسسة البرلمانية، رغم أن هذه اللائحة تثير جدلا دستوريا ونقاشا سياسيا، بين من يعتبرها مكسبا لتشجيع المشاركة السياسية للشباب وبين من يعتبرها مجرد «ريع» حزبي يوزع بمنطق الزبونية والعلاقات العائلية.
بدأ النقاش حول إلغاء اللائحة الوطنية للشباب أثناء المشاورات التي باشرها وزير الداخلية مع زعماء الأحزاب السياسية حول القوانين الانتخابية، حيث اقترحت بعض الأحزاب السياسية إحداث لائحة ثالثة تسمى «لائحة الأُطر والكفاءات» مع تخصيص «كوطا» تضمن ولوج «شيوخ» الأحزاب إلى قبة البرلمان، بعد فشلهم في الحصول على مقاعد برلمانية بالدوائر المحلية التي تعرف منافسة قوية، لكن وزارة الداخلية تحفظت على هذا المقترح، الذي تم تقديمه قبل الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2016، ورفضته الوزارة كذلك، عندما تقدمت أحزاب سياسية بنفس المطلب، واعتبرت الداخلية أن هذا المطلب لا يستند على أي أساس دستوري، لأن المجلس الدستوري اعتبر، في قرار سابق، أن اللائحة الوطنية للشباب والنساء هي مجرد تدبير مؤقت لتشجيع فئات معينة على ولوج العمل السياسي والبرلماني.
اللائحة الوطنية للنساء والشباب
تم اعتماد نظام اللائحة الوطنية للنساء، لأول مرة في تاريخ المغرب، سنة 2002، بموجب المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 31.97 المتعلق بمجلس النواب والذي حدد تأليف مجلس النواب من 325 عضوا ينتخبون بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة، منهم 295 عضوا ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحدثة، و30 عضوا ينتخبون على الصعيد الوطني. وقبيل الانتخابات التشريعية لسنة 2002، حدث توافق بين مختلف الفرقاء والفاعلين الحزبيين على تخصيص اللائحة الوطنية لفائدة النساء، وظل العمل بنظام اللائحة الوطنية للنساء إلى حدود الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر 2011، حيث وتزامنا مع موجة ما يسمى «الربيع العربي» التي قادها الشباب، انطلق النقاش داخل الأحزاب السياسية حول تعميم «ريع» اللائحة الوطنية على الشباب، عن طريق اعتماد لائحة وطنية أخرى لتمثيل الشباب داخل البرلمان، وبرز خلاف بين المكونات الحزبية حول طبيعة هذه اللائحة، بين طرح يدافع عن لائحة وطنية مشتركة بين النساء والشباب، وبين طرح يدافع عن تخصيص لائحة مستقلة للشباب، ليحسم الأمر ضمن القانون التنظيمي لمجلس النواب، والذي تم بموجبه رفع عدد أعضاء المجلس من 325 إلى 395 عضوا، مع تخصيص لائحة وطنية للنساء تضم 60 مقعدا، ولائحة وطنية للشباب تضم 30 مقعدا.
لكن اللائحة الوطنية للشباب أثارت جدلا دستوريا وقانونيا، بين من اعتبرها ريعا سياسيا، وبين من اعتبرها ضرورة فتح المجال أمام الشباب للعمل السياسي، فيما يرى آخرون أن اللائحة الوطنية تعد خارج الثوابت الديمقراطية، لأنها لا تعكس الاختيارات الحقيقية للناخبين عبر صناديق الاقتراع باعتبارها التعبير الأسمى عن إرادتهم. وحملت لائحة الشباب الكثير من الانتقادات، خلافا للائحة النساء التي اعتبرها المتتبعون مقبولة من الناحية السياسية والاجتماعية، لأنها تقوم على التمييز الإيجابي لتمكين النساء من ولوج المؤسسة التشريعية، وتسهيل ولوجهن للعمل السياسي، لكن مع إقرار اللائحة الوطنية طرحت انتقادات لكونها تقوم على التمييز الفئوي، وستفتح المجال أمام تشجيع الريع السياسي، وهو ما تجسد فعلا في الانتخابات التشريعية السابقة، حيث غابت المعايير السياسية في اختيار المرشحين، وتم مقابل ذلك تغليب منطق العلاقات العائلية والولاء الحزبي في اختيار النساء والشباب المرشحين.
قرار المجلس الدستوري
أصدر المجلس الدستوري قرارا يحمل رقم 2011/817 بخصوص القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب، ويتضمن المواد المتعلقة باللائحة الوطنية للشباب والنساء، حيث إنّ المادة الأولى تنص على إحداث دائرة انتخابية وطنية على صعيد تراب المملكة ينتخب في نطاقها 90 عضوا من الأعضاء الـ395 الذين يتألف منهم مجلس النواب، وهو ما تَولّت المادة 23 بعده وكذا المادتان 5 و85 بيان شروطه وكيفياته، واعتبر المجلس أنه فضلا عن الإشارة في فصله 17 إلى «اللوائح والدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية» فإنّ الدستور، إلى جانب المبادئ الأساسية التي تضمنها في مجال ممارسة المواطنين والمواطنات لحقوقهم السياسية، جعل المشاركة والتعددية من مرتكزات الدولة الحديثة التي يسعى إلى توطيد وتقوية مؤسساتها (التصدير)، كما أقر عددا من الأهداف الدستورية التي يدعو إلى بلوغها، والمتمثلة بصفة خاصة في تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية (الفصل 6)، والسعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء (الفصل 19)، وتشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية (الفصل 30) وتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد (الفصل 33).
وأكد المجلس أن الدستور متكامل في مبادئه وأهدافه، حيث إن توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي للأهداف المذكورة أعلاه ينطوي على تخويل المشرع إمكانية اتخاذ تدابير قانونية من شأنها تيسير المشاركة الفعلية في الحياة السياسية لفئات واسعة من المجتمع يتعذر عليها، في الوضع الراهن، بلوغ تمثيلية ملائمة في مجلس النواب دون دعم من المشرع، وأشار القرار إلى أن المجلس الدستوري ليس من صلاحياته التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع في اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها سبيلا لبلوغ أهداف مقررة في الدستور، طالما أن ذلك لا يخالف أحكام هذا الأخير، معتبرا إحداث دائرة انتخابية وطنية يروم تحقيق أهداف خاصة مكملة لتلك التي ترمي إليها الدوائر المحلية تتمثل في النهوض بتمثيلية متوازنة للمواطنات والمواطنين، مما يقتضي سنّ تدابير تكون، في طبيعتها وشروطها والأثر المتوخى منها، كفيلة بتحقيق الأهداف الدستورية التي منها تستمد أصلا مبرر وجودها، وأن لا تتجاوز في ذلك حدود الضرورة، عملا بمبدأ تطابق القواعد القانونية المتخذة مع الهدف المتوخى منها.
ومراعاة لذلك، أشار المجلس إلى أن المادة 23 من هذا القانون التنظيمي، تشترط في لائحة الترشيح المقدمة في نطاق الدائرة الانتخابية الوطنية أن تتضمن «أسماء مترشحات أو مترشحين ينتسبون إلى كافة جهات المملكة»، وتنص مادته الخامسة في فقرتها الثانية على أنه «لا يؤهل للترشح للعضوية في مجلس النواب برسم الدائرة الانتخابية الوطنية كل شخص سبق انتخابه عضوا في المجلس المذكور برسم نفس الدائرة الانتخابية»، وهو ما يعد استثناء من مبدأ حرية الترشح، كما أن مادته 85 تنص على تحديد نسبة الأصوات المطلوبة في اللوائح المرشحة للمشاركة في عملية توزيع المقاعد في 3% من الأصوات المعبر عنها على المستوى الوطني، خلافا لنسبة 6% المطلوبة في لوائح الترشيح المقدمة على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية، وخلص المجلس الدستوري إلى أن المشرع بحرصه على تمثيل كافة جهات المملكة في الدائرة الانتخابية الوطنية وعلى إقرار مبدأ التداول على المقاعد المخصصة لها وعلى توسيع التمثيلية السياسية فيها، وكل ذلك في حدود ما تقتضيه الضرورة، يكون قد وفر، وبالقدر المطلوب، الشروط التي تجعل إحداث هذه الدائرة الوطنية مستجيبا للأهداف الدستورية التي تبرر وجودها.
وأوضح المجلس في قراره أن عضوية النساء في مجلس النواب المنبثق عن انتخابات 2002 و2007 لم تكن لتبلغ النسبة المحققة لولا ما تم التوافق عليه من حصر الترشيح، ضمن الدائرة الانتخابية الوطنية، في النساء، وحيث إن المشرع خصص للنساء ضمن الدائرة الوطنية 60 مقعدا دون إخضاعهن لحد السن، ويكون بذلك قد سن مقتضيات قانونية ترمي، بغض النظر عن مداها، إلى تمتيع المترشحات الإناث بأحكام خاصة من شأنها تحقيق غاية دستورية تتمثل في إتاحة فرص حقيقية للنساء لتَولي الوظائف الانتخابية، تطبيقا لأحكام الفصل 19 من الدستور الذي ينص على أن «تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء»، والفصل 30 الذي يقر بصراحة أنه «ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية»، واعتبر تخويل النساء وضعا خاصا بواسطة هذه الدائرة الانتخابية الوطنية لا يحول دستوريا دون استعمال نفس الوسيلة لتحفيز فئة أخرى طالما أن ذلك يتم من أجل إدراك هدف آخر مقرر بدوره في الدستور.
وكشف المجلس، في قراره، أنه يتبين من الاطلاع على نتائج الانتخابات التشريعية لسنوات 1997 و2002 و2007، من زاوية الهرم العمري للمرشحين الفائزين، أن عدد النواب الذكور الذين لم يكن عمرهم يتجاوز الأربعين في السنة التي جرى فيها الاقتراع في المجالس المنبثقة عن الانتخابات المذكورة اتسم بالتناقص، إذ انتقل من 71 عضوا سنة 1997 إلى 41 عضوا سنة 2002 إلى 36عضوا سنة 2007، مما يجعل هذه الفئة العمرية، في ميدان تمثيلية المواطنين في مجلس النواب، في وضعية متدنية لا تتناسب مع حجمها ودورها داخل المجتمع وتحول، واقعيا، دون إفساح المجال لها للانخراط والمشاركة في التنمية السياسية للبلاد، كما يدعو إلى ذلك الفصل 33 من الدستور، مشيرا إلى أن المشرع عندما خصص للمترشحين الذكور الذين لا يزيد سنهم عن أربعين سنة ضمن الدائرة الانتخابية الوطنية، 30 مقعدا، يكون قد سن تدابير ملائمة لتحقيق توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية السياسية للبلاد.
وأكد المجلس، في قراره، على أن تحفيز المشرع إراديا للمترشحات الإناث بغض النظر عن سنهن ولمترشحين ذكور من فئة عمرية معينة يسعى إلى تحقيق غاية مقررة دستوريا ويعد تكريسا لإحدى القيم الكبرى التي ينبني عليها الدستور التي بمراعاتها تتحقق مصلحة عامة، وحيث إن عدم إخضاع المترشحات الإناث لقيد السن، خلافا للمترشحين الذكور، يرمي إلى إفساح أوسع مجال ممكن للمترشحات للولوج إلى الوظائف الانتخابية رعيا لوضعهن الراهن في المجتمع المغربي، وحيث إن عدد المقاعد المقرر التنافس عليها في نطاق الدائرة الانتخابية الوطنية، من قبل المترشحات الإناث والمترشحين الذكور الذين لا يتجاوز سنهم أربعين سنة، يظل في حدود 22% من مجموع المقاعد التي يتألف منها مجلس النواب، مما يجعل هذه الوسيلة متناسبة مع الغاية الدستورية المراد بلوغها، ولا يترتب عنها، في هذه الحدود، انتقاص من حقوق الترشيح والانتخاب المخولة لسائر المواطنين.
وأوضح المجلس أنه إذا كانت مقتضيات المادة 23 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، جاءت لإعمال أهداف مقررة في الدستور، فإنه يتعين في ذلك أيضا استحضار المبادئ الأساسية الثابتة التي يرتكز عليها الدستور في مجال ممارسة الحقوق السياسية، والمتمثلة بالخصوص في المواطنة وحرية الانتخاب والترشيح من خلال اقتراع عام قائم على أساس نفس القواعد والشروط، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، وهي مبادئ لا تسمح بإضفاء صبغة الديمومة على تدابير قانونية استثنائية تمليها دواع مرحلية ومؤقتة ترمي بالأساس إلى الارتقاء بتمثيلية فئات معينة، وتمكينها من التمرس بالحياة البرلمانية قصد إنماء قدراتها على الانخراط بنجاح في النظام الانتخابي العام، وتأسيسا على ما سبق، اعتبر المجلس، تدابير التشجيع والتحفيز، لا سيما تلك المتعلقة بفئة عمرية معينة، بما تنطوي عليه من معاملة خاصة، ينبغي، في مجال ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية، أن تكون تدابير استثنائية محدودة في الزمن يتوقف العمل بها بمجرد تحقق الأهداف التي بررت اللجوء إليها، وهو أمر يعود تقديره للمشرع الذي يسوغ له أيضا اعتماد تدابير قانونية أخرى، غير أسلوب الدائرة الانتخابية الوطنية، لمواصلة السعي إلى بلوغ تلك الأهداف.