في سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، صوت أعضاء مجلس النواب الأمريكي لعزل رئيس المجلس، الجمهوري كيفن مكارثي، من منصبه، ما كشف وجود انقاسامات قوية داخل الحزب الجمهوري الذي يسيطر على أغلبية أعضاء مجلس النواب الأمريكي.
صوت مجلس النواب الأمريكي لصالح إقالة رئيسه كيفن مكارثي، للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، وسط صراع داخلي بين الجمهوريين. وللمرة الأولى في تاريخه، الممتد منذ 234 سنة، صوت مجلس النواب بأغلبية 216 صوتا مقابل 210 أصوات لصالح مذكرة طرحها الجناح المتشدّد في الحزب الجمهوري تنص على اعتبار «منصب رئيس مجلس النواب شاغرا»، في خطوة تشرع الباب أمام منافسة غير مسبوقة لخلافة مكارثي قبل عام من الانتخابات الرئاسية.
وسيعمل مكارثي قائما بأعمال رئيس مجلس النواب إلى حين انتخاب رئيس جديد. ولا يوجد حتى الآن أي مؤشر على من سيخلف مكارثي.
موقف صعب
قال النائب الديمقراطي، جيري كونولي، إن الجمهوريين في موقف صعب ويحاولون العثور على شخص يمكنه أن يحصل على الأغلبية. وأوضح كونولي أن النائب حكيم جيفريز هو مرشح الديمقراطيين لرئاسة مجلس النواب «والجمهوريون لم يتضح موقفهم بعد».
وتوقع كونولي عقد اجتماع بين أعضاء الحزبين، كل على حدة، لاختيار مرشح لرئاسة مجلس النواب. أما النائب الجمهوري، مات غيتس، فقال إن أفضل طريقة لدفع الأجندة المحافظة «هي المضي قدما باختيار رئيس جديد للمجلس».
واتهم غيتس مكارثي بالتسبب في شلل مجلس النواب، قائلا إنه لم ينظر في مشاريع قوانين المخصصات المالية،
وأضاف أن «مكارثي انتهك الاتفاقات التي عقدها معنا في يناير الماضي».
وقالت النائبة الديمقراطية، براميلا جايابول، إن الحزب الجمهوري أظهر أنه غير قادر على الحكم لفترة طويلة.
وأضافت «نحن بحاجة لكونغرس كفؤ ولسنا مسؤولين عن حزب حاكم لا يستطيع أن يحكم».
واعتبرت النائبة الجمهورية نانسي مايس أن مكارثي لم يكن صادقا مع أي طرف «وكان سيتسبب بالفوضى في حال استمراره في المنصب».
أما مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي السابق، فقال «أشعر بخيبة أمل عميقة بعد إقالة كيفن مكارثي من منصبه».
سبب العزل
جاء سحب الثقة من مكارثي على خلفية تمكنه من تجنب إغلاق جزئي للحكومة بفارق ضئيل، عبر إقرار مشروع قانون يحظى بدعم عدد أكبر من الديمقراطيين مقارنة بالجمهوريين.
وأثار مكارثي حفيظة الجناح اليميني المتشدد في حزبه، نهاية الأسبوع، عندما تعاون مع الديمقراطيين لتمرير اتفاق مؤقت بشأن الموازنة لتجنب إغلاق حكومي.
خلافة مكارثي «لا تقبل الانتظار»
أصدر البيت الأبيض بيانا قال فيه إن الرئيس جو بايدن يأمل في أن ينتخب مجلس النواب رئيسا له بسرعة، وذلك بالنظر إلى «التحديات العاجلة» التي تواجه الولايات المتحدة، والتي «لا تقبل الانتظار».
وأشار البيان إلى أن بايدن «أثبت دائما حرصه على العمل مع كلا الحزبين في الكونجرس»، الديمقراطي والجمهوري، وبـ«حسن نية»، وأنه «يتطلع للعمل معهم في مجلس النواب» بعدما يتم انتخاب رئيس جديد.
وقبل جلسة التصويت على عزل مكارثي، صوت أعضاء المجلس لصالح المضي قدماً في إجراءات التصويت على العزل، رافضين طلب تأجيل التصويت أو إلغائه.
مرشحون كثر
بعد الإطاحة بمكارثي، قال النائب الجمهوري، مات جايتز، إن هناك العديد من المرشحين الذين يمكن اختيارهم لمنصب رئيس مجلس النواب، بمن فيهم ستيف سكاليز (جمهوري)، المقرب من مكارثي.
ويوجد على القائمة، أيضاً، النواب الجمهوريون توم إيمير (ولاية مينيسوتا)، جودي أرينجتون (ولاية تكساس) وكيفن هيرن (أوكلاهوما)، وفق «نيويورك تايمز».
ودافع النائب الجمهوري، مات جايتز، عن مذكرة العزل التي تقدم بها، قائلاً إن فترة رئاسة مكارثي لمجلس النواب كانت «فوضوية».
وخلال كلمة أمام المجلس، سبقت التصويت بدقائق، قال جايتز إن «مكارثي يمثل هذه الفوضى، وهو شخص لا يمكننا أن نثق به»، مشيراً إلى أن «الشيء المشترك بين البيت الأبيض والديمقراطيين في مجلس النواب، والنواب المحافظين في الحزب الجمهوري، هو أنهم لا يستطيعون الاعتماد على مكارثي».
وبينما كان النواب يناقشون إجراءات عزله، كان مكارثي يجلس بصمت في الصف الثاني للمجلس، وينظر إلى هاتفه بين فترة وأخرى.
وأدان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ما وصفه بـ«الصراع الداخلي» بين الجمهوريين، قائلاً إن عليهم مواجهة الديمقراطيين بدل «محاربة بعضهم البعض».
وكتب ترامب على منصته Truth Social: «لماذا الجمهوريون دائماً يحاربون أنفسهم، لماذا لا يحاربون الديمقراطيين اليساريين المتطرفين، الذين يقومون بتدمير بلادنا؟».
الجناح الموالي لترامب
جرى التصويت، بناء على مذكّرة قدّمها، الاثنين الماضي، النائب عن فلوريدا مات غايتس، الذي ينتمي إلى الجناح اليميني المتشدّد الموالي للرئيس السابق دونالد ترامب، لعزل رئيس مجلس النواب.
وأثار مكارثي حفيظة الجناح اليميني المتشدد في حزبه، نهاية الأسبوع الماضي، عندما تعاون مع الديموقراطيين لتمرير اتفاق مؤقت بشأن الموازنة لتجنّب إغلاق حكومي. وسبب الغضب العارم الذي أثاره هذا التعاون أنّ المحافظين المتشدّدين اعتبروا أنّ مكارثي حرمهم من فرصة فرض تخفيضات هائلة في الميزانية. ويشرّع عزل مكارثي الباب أمام منافسة غير مسبوقة لخلافته قبل عام من الانتخابات الرئاسية.
وفور صدور نتيجة التصويت، سارع عدد من النواب الجمهوريين للإحاطة بمكارثي (58 عاماً) الذي لم يصدر عنه أيّ تعليق بل اكتفى برسم ابتسامة على وجهه وتبادل وإياهم العناق والمصافحة. وما لبث مكارثي أن عقد مؤتمراً صحافياً، مساء الثلاثاء، أعلن فيه أنّه لن يترشّح للمنصب الذي عزل لتوّه منه حتى وإن كان النظام الداخلي لمجلس النواب يسمح له بذلك.
متفائل
قال مكارثي «لقد كنت الرئيس الخامس والخمسين لمجلس النواب، وهذا شرف من بين الأعظم. لقد أحببت كل لحظة قضيتها» في هذا المنصب، مشدّداً في الوقت نفسه على أنّه «متفائل» رغم كل ما حصل له.
ولم يتمّ مكارثي عامه الأول في رئاسة مجلس النواب، إذ انتخب في هذا المنصب في يناير بعد مفاوضات شاقة ومضنية تعيّن عليه خلالها أن يقدّم تنازلات كبيرة لحوالي عشرين نائباً من أنصار ترامب، بما في ذلك أن يتمكّن أيّ نائب ساعة يريد من أن يدعو لإجراء تصويت لتنحيته، وهو ما فعله غايتس في النهاية.
وكانت قيادة الحزب الجمهوري حذّرت نواب الجناح المتشدّد من إغراق الحزب «في الفوضى»، لكنّ غايتس، الذي اشتكى مراراً من عدم احترام مكارثي الاتفاقات المبرمة مع المحافظين، ردّ قائلاً إنّ «الفوضى هي رئيس مجلس النواب مكارثي». وأضاف، بعد التصويت، أنّ «سبب سقوط كيفن مكارثي اليوم هو أنّه لا أحد يثق به، وتابع «لقد قدّم كيفن مكارثي وعوداً متناقضة متعددة، وعندما استحقّت جميعها، خسر».
من جانبه، دعا الرئيس جو بايدن إلى المسارعة لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب. وجاء، في بيان للمتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان- بيار، «نظراً لأنّ التحدّيات الملحّة التي تواجه بلدنا لا تنتظر، يأمل (الرئيس) بأن ينتخب مجلس النواب رئيساً له سريعا».
لكنّ المهمة تبدو معقدة بالنسبة إلى الجمهوريين الذين سيجتمعون، الثلاثاء المقبل، للاتفاق على مرشّح جديد، على أن يتمّ التصويت لانتخابه في اليوم التالي. ورفض الديموقراطيون إنقاذ رئيس مجلس النواب الذي يتّهمونه بالتراجع عن اتفاقات أبرمها مع إدارة بايدن، سيّما بشأن مستوى الإنفاق في الميزانية الفدرالية.
غير جدير بالثقة
وصف «الائتلاف الديموقراطي الجديد»، وهو كتلة من المشرعين الديموقراطيين المؤيدين لقطاع الأعمال، مكارثي بأنّه «ببساطة غير جدير بالثقة». وبدا عزل مكارثي شبه حتمي بعدما شجّع زعيم الأقليّة الديموقراطية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، نواب الحزب على الإطاحة برئيس المجلس.
وجرى تصويت أوّلي على مقترح لـ«تأجيل النظر» بمذكرة غايتس، ما كان يعني عملياً وأد محاولة الإطاحة برئيس المجلس، لكنّ جيفريز طلب من النواب الديموقراطيين التصويت ضدّ هذه المبادرة.
والتزم كل النواب الديموقراطيين بتوصية جيفريز وكذلك فعل 11 نائباً جمهورياً متمرداً، فسقط مقترح وأد مذكرة العزل. واستدعى خروج هذه الصراعات الداخلية، التي تمزّق الحزب الجمهوري، إلى العلن ردّاً من ترامب. وقال الرئيس السابق، على منصّته «تروث سوشل» للتواصل الاجتماعي، «لماذا يقضي الجمهوريون وقتهم في الجدال في ما بينهم؟ لماذا لا يقاتلون الديموقراطيين اليساريين المتطرّفين الذين يدمرون بلادنا؟».
ابتسامة وعناق ومصافحة
يعود آخر تصويت أجراه مجلس النواب الأمريكي لعزل رئيسه إلى أكثر من قرن من الزمن، في حين أنّها المرة الأولى على الإطلاق التي يطيح فيها المجلس برئيسه. وفور صدور نتيجة التصويت، سارع عدد من النواب الجمهوريين للإحاطة بمكارثي الذي رسم ابتسامة على وجهه وتبادل وإياهم العناق والمصافحة.
وكانت قيادة الحزب الجمهوري حذّرت نواب الجناح المتشدّد من إغراق الحزب «في الفوضى»، لكنّ غايتس، الذي اشتكى مراراً من عدم احترام مكارثي الاتفاقات المبرمة مع المحافظين، ردّ قائلاً إنّ «الفوضى هي رئيس مجلس النواب مكارثي».
وقال غايتس بعد التصويت: «سبب سقوط كيفن مكارثي اليوم هو أنّه لا أحد يثق بكيفن مكارثي…لقد قدّم كيفن مكارثي وعوداً متناقضة متعددة، وعندما استحقّت جميعها، خسر».