بعد الانقسام الذي عرفه الرأي العام المغربي في موضوع إدماج الطلبة المغاربة الفارين من نيران الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية في مؤسسات التعليم العالي العمومية، انتقل الانقسام إلى صفوف الطلبة وذويهم. فبعد أسابيع من الاجتماعات التي نظمتها اللجان العلمية التي كونتها وزارة التعليم العالي للبت في طلبات الاندماج، اقتصرت قرارات الاستجابة لهذه الطلبات في عدد محدود جدا لا يتعدى العشرات، فيما تم رفض المئات التي تم البت فيها حتى الآن، إما بسبب اختلاف لغات التدريس أو التوصيفات البيداغوجية بين مؤسسات الاستقبال المغربية ومؤسسات الأصل الأوكرانية.
لا مفر من بدائل أخرى
فيما تتواصل أشغال اللجان العلمية للبت في ما يتجاوز 6000 طلب تم مَسكُه في الأسبوع الماضي، وجد مئات الطلبة الذين تم رفض طلباتهم أنفسهم أمام خيارات صعبة، أسوأها انتظار تطورات الحرب الروسية الأوكرانية على أمل نهايتها وبالتالي العودة للجامعات والمعاهد العليا الأوكرانية، مع ما يعنيه هذا الاختيار الصعب من ضياع للسنة التكوينية، أو البحث عن بدائل أخرى، سواء في أوروبا الغربية أو الشرقية.
ففي الوقت الذي تمكن فيه عشرات الطلبة من إيجاد مقاعد لهم في بعض الجامعات والمعاهد بأوروبا الغربية، وتحديدا ألمانيا، بحكم اعتمادها نظاما بيداغوجيا مشابها للنظام البيداغوجي الأوكراني، وجد آلاف الطلبة الآخرين أنفسهم مضطرين للبحث عن حلول فردية، بعد فشل الأسر في إقناع الحكومة وكذا طلبة المؤسسات العمومية المغربية وتمثيليات الأساتذة بحل الإدماج الجماعي.
وأكدت مصادر مسؤولة من داخل وزارة التعليم العالي أن عدد الطلبة الذين تم استقبال طلباتهم عبر المنصة الرقمية المخصصة لهم لا يعكس حجم المشكلات في الواقع، ذلك لأن الطلبة المعنيين يواجهون مشكلات مختلفة بحسب نوعية التخصصات وقرارات إدارات المؤسسات الأوكرانية التي ينتمون إليها.
فحسب المصادر ذاتها، فإن العديد من الطلبة يواصلون دراستهم «عن بُعد» بشكل عادي ومنتظم، ويخضعون لتقويمات مناسبة لهذا النوع من التكوين الرقمي، كما يواصلون أداء التزاماتهم المالية تجاه مؤسساتهم بشكل منتظم. غير أن هذه الإمكانية غير متاحة لبعض الطلبة الآخرين، والذين إما تم فصلهم بشكل نهائي من مؤسساتهم أو تجميد انتمائهم لها لاشتراطها التكوين الحضوري. هذه الإمكانية أضحت شبه مستحيلة في ظل تصاعد مستوى الخطر على الأراضي الأوكرانية مع قرب القوات الروسية للعاصمة كييف، والتي تحتضن النسبة الأكبر من المؤسسات التي ينتمي إليها هؤلاء الطلبة.
موسم الهجرة إلى الشرق
توقف الدراسة بشكل نهائي في العديد من المؤسسات الجامعية بأوكرانيا، وتحول البقاء هناك إلى مغامرة خطيرة، خصوصا مع تأكد مقتل طالب مغربي بالنيران الروسية، ومع عجز وزارة التعليم العالي عن إيجاد بدائل تضمن مستقبل كل الطلبة المعنيين داخل وطنهم، حول الكرة من ملعب التربية والتشريع القانوني الخاص بمعادلة التكوينات والشهادات إلى ملعب الديبلوماسية، حيث تجري الحكومة اتصالات مكثفة مع التمثيليات الديبلوماسية للعديد من دول ما يعرف سابقا بالمعسكر الشرقي، وتحديدا رومانيا وهنغاريا وبلغاريا، لتسجيل الطلبة المغاربة في التخصصات التي «يستحيل» استكمال تكوينهم فيها هنا في المغرب، وتحديدا في التخصصات المنتمية للعلوم الصحية.
من جهة أخرى يواجه طلبة مغاربة بألمانيا تحديات تتعلق برفض طلبات اللجوء، على اعتبار أن بلدانهم الأصلية آمنة، وهو ما سيضطرهم للعودة إما إلى المغرب أو أوكرانيا، خاصة إذا وقع عليهم الضغط من الجامعات، وبعد إصدار ألمانيا قرارا يمنع على الأجانب غير الأوكرانيين البقاء في البلاد نهاية شهر غشت المقبل.
إلى جانب كل الحالات سابقة الذكر، تعج وسائل التواصل الاجتماعي بفيديوهات لعشرات الطلبة المغاربة الموجودين كلاجئين في دول أوروبية مجاورة لأوكرانيا، وكلهم أمل أن تتوصل الحكومة المغربية لحلول تنقذ مستقبلهم التعليمي أو أن تحدث تغييرات على الأرض الأوكرانية، وخاصة في المدن التي يقطنون بها، قصد عبور الحدود مرة أخرى واستئناف دراستهم.