شوف تشوف

الرأي

كيف تُوقف شهيدا؟

بعيدا عن الأجواء المقززة للمباحثات الماراثونية التي يجريها الأمناء العامون هذه الأيام لخوض غمار الانتخابات المقبلة.. دعونا نتأمل وضعنا قليلا في سلّم الكرة الأرضية التي تدور بنا مع ملايير آخرين من البشر.
بالأمس فقط، نشرت «الفورين بوليسي» مقالا عنونته بـ«كيف تُوقف شهيدا». ولعل العنوان وحده هنا يحتوي على مفارقة عجيبة، إذ إن المليار مسلم الذين يعيشون فوق هذا الكوكب، يدعو أغلبهم، بالوراثة، أن يتوفاهم الله «مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا». ويأتي محلل في مكتب بطابق شاهق من مقر منبر دولي يُعنى بمتابعة أوضاع العالم وقضاياه، وينشر تحليلا يعنونه بطرح سؤال عن كيفية إيقاف صناعة «الشهداء» في فرنسا. ويقول المقال، في بعض فقراته التي تصيب أحيانا بالملل، إن السلطات الفرنسية لا تستطيع أبدا معرفة متى يختار المتطرف المسلم حمل السلاح لتنفيذ عملية إرهابية. وما غاب عن صاحب «التحليل» أن الذي يقال دائما إنهم مسلمون أو عرب، لا أحد يصنفهم شهداء، لأن أول من يتضرر من العمليات الإرهابية التي تضرب العالم هم المسلمون أنفسهم.
المستفز في صورة المقال هو أن به خلفية شفافة تعرض العلم الفرنسي قاتما وخلفه منظر لمسلمين يسجدون في الصلاة بأحد شوارع فرنسا، فيما السؤال بقي مكتوبا بالخط العريض وكأنه يطرح فعلا إشكالا جديا ومصيريا.
صناعة الشهداء تتم في المناطق التي يموت فيها «الإنسان» مسلما كان أو غير مسلم، تحت القصف أو بالرصاص ولا ذنب له إلا أنه وُلد في بلد قُدر له أن تمزقه الحروب. لماذا لم تفكروا في فرنسا أو أمريكا أيضا، بما أنكم مسالمون أو متمدنون، في طريقة لإيقاف صناعة شهداء يموتون يوميا، برصاصكم وبعُدتكم وعَتادكم في دول لا يملك سكانها ما يسدون به رمقهم.
العالم يجري في مسار مجنون. يصعب فعلا أن تبتلع بعض التحليلات ووجهات النظر التي يعرضها أصحابها بكل صلافة ليلقوا بها في وجه العالم. يصورون مشكلة فرنسا اليوم على أنها مشكلة مهاجرين، وهي ليست كذلك. فرنسا لم يكن لها أبدا مشكل مع المهاجرين. مشكل فرنسا اليوم مع الأزمة. الأجدر بدولة تحترم نفسها أن تحترم اختيار الإنسان عندما يقرر أن يقيم فيها، لأنها في الأخير توجد فوق قشرة الكرة الأرضية وليس فوق القمر، ولذلك يحق لأي شخص اختارت له السماء أن يُولد فوق أرض هذا الكوكب المجنون، أن يختارها للإقامة وأن يكون شخصا منتجا داخلها. في الأخير تجد أن ظاهرة التطرف ليست إلا صناعة فرنسية لأنها أقصت الكثيرين عندما لم تعد هناك أي حاجة لهم.
اليوم في المغرب، هناك قرى ومدن صغرى، يعيش سكانها جميعا.. أقول جميعا، وليس بعضهم، على عائدات تقاعد آبائهم من المعامل والشركات الفرنسية. ملايين الأورو تُحول سنويا إلى حسابات بنكية في الجنوب، ضواحي ورزازات.. إلخ، وهذه حقيقة لا تنكرها فرنسا ولا تملك أن تتخلى عن التعاقد الذي جمعها بأولئك الناس، لأنها بنت مجد شركات سياراتها الشهيرة على أكتاف أولئك القرويين الأمازيغ البسطاء.
هذه الأسر لا تحتاج إلى رئيس الحكومة ولا تعول أبدا على برنامج حكومي للقلق بشأن مستقبلها. حتى أن بعض القرى أنشأ أبناؤها مستوصفات وجمعيات من مالهم الخاص، القادم من فرنسا بطبيعة الحال.
أو ليس هؤلاء الذين تصرف لهم فرنسا تقاعدهم المريح الآن مسلمين؟ لماذا لا يُطرح تحليل جديد يتساءل فيه رئيس التحرير في الطابق 27 من البناية التي تضم مقر الجريدة العتيدة بالقول: «ما الذي وقع حتى أصبح بعض أبناء هؤلاء الذين بنوا فرنسا عدوانيين بهذا الشكل»؟
هذا رغم أن مصطلح «العدوانية» فيه نظر أيضا. فحتى أكثر المتابعين تخلفا، يعلم أن العمليات الإرهابية التي تنفذ كل يوم في العالم، تبقى غير منطقية وتخدم مصالح الحكومات أكثر مما تخدم مصلحة الإرهاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى