شوف تشوف

الرأي

كيف تُجمع الأشلاء؟

إنني ممن لا يفهم كيف تحدث المعجزات.. تلزمني الكثير من التفاصيل كي أنتقل بخفة من وعي المنطق.. إلى وعي المعجزة المبهم.. لذلك لم أفهم كيف انفلق الغياب وجاء بك بعد هذا الشقاء الطويل؟!
أعجز عن استيعاب هذا التغير الحاد في الوقائع.. عن أي واقع أتحدث؟! واقع اللاشيء الذي خلفته..؟! أم واقع الأشياء كلها الذي جئت مباهيا بها..؟!
تركتك شاعرا أعزل.. يهز ثوب القصيدة بعصا منهكة.. ويشعل فيها شرارة لا تنطفئ بنظرة.. النظرة نفسها التي استخدمتها لاحقا كي تشق صدر الليل.. فتنهال على قلبي كومة من الشوق.. لم تكن قد بلغت من الشعر مبلغ الحالمين آنذاك.. بابي كان دفترك.. نافذتي مسودتك.. والحبر سيل من العطر سرقته من دمي..!
كنت أضحك عليك فيما تٌسِرّ لنهر ببيت مكسور.. تختصر فيه الكلام لتجاور المعنى..
المعنى الذي نعرفه كلانا بات في قلب ضفة.. الضفة اليوم صارت عشبا.. صارت وردا تميل به النسائم.. فيسقط وجهك منها مبتلا برحيق القصائد الكاملة.. لم تتوان لحظة عن تفويض الأشياء المفعمة بالحياة.. كي تقول عنك ما تريد.. بعد ولادة أول قصيدة من نسل سنبلة.. فهمت لماذا كنت تسرف في ري كل حقل هامد قتلته فزاعاتي.. كنت تمهد إذن لجلال هذا المجيء! وعرفتَ قبلي بأن كلانا سينزوي في طرف من العالم وحيدا مثقلا بفجائعه.. هاربا من هزائم محتملة!
لقد لاحظت يا صقري عدد الذين ضاعوا عندما اهتز خصر الحظ مباعدا بينهم! أما أنا فلم أنتبه.. كنت حينها أقتص لوقارك من كل الكلام الذي جانبك ولم يسقط في يدك أو يقع عاثرا عند خطوتك.. كنتُ أعيد تركيب اسمك بدلال مبالغ داخل عقدة العين في اسمي.. وأطرق هيبتك بحبات من الفل.. علّ تلك الهالة تتسع.. تلين.. وتتراخى على بردي مثل معطف من الفرو.. جئت الآن من أقصى واد في الحلم تنضح بالكلام.. مُرحّبا بسخريتي المقيتة.. منطويا على الماضي.. كأن شيئا من ذلك الموت اللذيذ لم يكن..!
جئتَ وقد نسيتُ كيف يُحسَن التدبير في أمر الخوارق.. أو كيف تُجمع الأشلاء.. فقد مر زمن طويل على آخر قطعة ضاعت من القلب وأهملتها.. جئت من حيث امتد خيط الغبار الذي تواريت خلفه.. مورثا للفتاة في المنامة الصفراء فزعا ممتدا في اللانهاية.. جئت وقد اعتدتُ الفراغ.. وتقبلت المساحات الخالية من القلب مثل مسلمات.. تلك الرقعة المنسية التي لم يركن لها أحد من بعدك.. لم يحركها شيء أكثر من الصدى.. وطقطقة صناديق الذكريات القديمة.. و.. واسمك..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى