شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةشوف تشوف

كيف تصنع غبيا بذكاء

في نفس الأسبوع الذي نودع اشتكى وزيران من الفوضى الإلكترونية التي نعيشها في المغرب. فقد قال بنسعيد وزير الثقافة إن الإعلام الإلكتروني يعيش فوضى، فيما حذر وزير الأوقاف من منافسة المؤثرين الجاهلين والمغرضين لعلماء الدين.
كان الناس إلى وقت قريب يعلقون الشواهد الجامعية على جدران غرفهم وصور الجوائز التقديرية التي سلمت إليهم فأحيانا الله حتى صرنا نرى اليوم مشاهير الانستغرام واليوتيوب والتيكتوك يزينون جدران غرفهم بالأذرع التي ترسلها لهم هذه المنصات بعد حصولهم على المائة ألف الأولى من المعجبين الذين يتابعون تفاهاتهم المصورة.
كان لكي يكون لك رأي مؤثر يجب أولا أن تصنع لك سمعة واسما على مدى سنوات وأن تدفع ثمن ذلك من حريتك وصحتك ومالك، أما اليوم فقد أصبحت وظيفة التأثير مقتصرة على من يصرخ أكثر وأصبح إبداء الرأي في كل شيء أسهل من تحية الصباح، وأصبح طريق الشهرة مفروشا بعائدات الأدسنس.
كانت الشهرة قمة شاهقة يتطلب الوصول إليها سنوات من الجد والمثابرة والموهبة وكل من وصل إليها يمكث فيها بقية العمر ويدخل التاريخ، اليوم صارت الشهرة توجد في المنحدر ويكفي لبلوغها الهبوط إلى القاع بسرعة البرق وكل من اشتهر يلمع نجمه لأسبوع أو شهر قبل أن يطفئ بريقه ركام النازلين الجدد نحو القاع الذي يفيض كل يوم بالنفايات.
لقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في تبخيس العمل الصحافي فأصبح كل من هب ودب يفتح كاميرا هاتفه ويشرع في إلقاء الكلام على عواهنه، اتهامات بدون دليل تحاليل مبنية على وقائع وهمية أخبار مسروقة من الجرائد القليلة التي استطاعت أن تصمد وسط الطحالب التي ملأت الرحب. والخطير في هذه الفورة الرقمية أنها تعطي الناس وهما لذيذا بكونهم مهمين وأصحاب سلطة ومؤثرين تخاف منهم الدولة، وبعضهم أصبح يتوهم أن السلطات العليا تتابع بثهم المباشر اليومي الذي يتجشؤون فيه كل الصفاقة التي يحب الجمهور سماعها.
وهكذا أصبح لدينا مئات الآلاف من اليوتوبوز والتيكتوكورز والانستغرامورز الذين يفتون في كل شيء ويعطون رأيهم في كل القضايا ويعتقدون أن البلاد بدون طلعتهم البهية كل يوم لا يمكن أن تسير، مع العلم أن وجودهم كعدمه، وكل الذين يتصورون وجودهم ضرورة حيوية عليهم أن يعودوا قليلا بذاكرتهم القصيرة إلى الوراء نحو فترة الحجر الصحي لكي يتذكروا كيف قسمت الدول المواطنين إلى أشخاص ضروريين وآخرين غير ضروريين، وكيف أن المسموح لهم بالخروج هم الذين يشتغلون في قطاع الصحة والأمن والنظافة وإنتاج المواد الغذائية والصناعات والنقل، كل ما تبقى كان يدخل ضمن صنف “غير ضروري”.
وبسبب إدمان ملايين المغاربة على هذه المواقع أصبحوا يشكلون وعيهم بأنفسهم وبمحيطهم وبالآخر بناء على ما يشاهدونه ويسمعونه طوال اليوم والليلة من أفواه هؤلاء الفهايمية.
وفي بلد أغلب مواطنيه أميون لا تستغرب أن تجد صناع التفاهات هم أكثر من يتابعهم الناس فجمهور التفاهة وقلة الذوق أصبح يعد بالملايين فيما جمهور المعرفة أصبح يعد على رؤوس الأصابع.
المصيبة مع وسائل التواصل الاجتماعي هي أنها تتعرف بفضل الذكاء الاصطناعي إلى عادات بحثك عبر لوغاريتمات مضبوطة، أي أن هاتفك يصبح لديه تقرير مفصل عنك وعن عاداتك يرسله لشركات التطبيقات التي بدورها تبيعه لشركات الإعلان، هكذا تصبح سلعة دون علمك، فيشرع هاتفك الذكي في إمطارك بالمحتويات المشابهة لما أصبحت مدمنا على مشاهدته. فعندما تدمن مشاهدة فيديوهات النساء السمينات فهاتفك يتوصل تلقائيا بهذا النوع من المحتويات، وإذا فتحت فيديوهات قصار القامة والأحداث المضحكة التي تقع لهم تأكد أنك ستتوصل يوميا بفيديوهات مشابهة، وكذلك بالنسبة لفيديوهات أحابيل القردة وسرقاتهم وسلوكيات حيتان اللوركا وحيوانات الباندا.
عندما تدمن مشاهدة محتويات مبنية على الإشاعة والكذب فإن اللوغاريتمات تبدأ في البحث لك عن محتويات مشابهة من كل أصقاع العالم، فتعتقد أن ما تشاهده هو الحقيقة طالما أن الجميع يعتقد مثلك الشيء نفسه، وهذا مجرد وهم، فما تعتقده أنت حقيقة ليس هو الحقيقة بل أكاذيب أصبحت بنظرك حقيقة لكثرة ما استهلكتها. هكذا تتم صناعة الغباء الاصطناعي بواسطة الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى