شوف تشوف

الرئيسية

كيف تخرج النطفة إلى حيز الوجود

بقلم: خالص جلبي
ما هي العوامل التي تهيئ لإخراج النطفة إلى حيز الوجود؟ إن (الغدة النخاميةPituitary Gland ) العجيبة التي هي ملكة الغدد في الجسم ترسل من فصها الأمامي (وزن نصف غرام بثلاثة فصوص وعشرة هورمونات) هرمونا يقوم بدور الرسول المحرض؛ فهو يستثير حمية النطف أن تنمو وتتقدم، وهكذا تتنشط النطف حتى تمر بمراحل وأدوار متعاقبة، حتى تصل إلى دور النطفة الجاهزة للقاح.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية ترسل ملكة الغدد رسولا آخر يحث بعض المراكز الخلوية المندسة بين النطف، وهي ما تعرف بخلايا (ليديغ) و(سرتولي)، حيث تقوم هي بدورها بإفراز هرمون جنسي، يقوم بإعطاء الخواص الجنسية للذكر؛ من غلظ الصوت، وبروز الحنجرة، وصلابة العضلات، وعنف المزاج (كذا)، وضيق الحوض، وكبر الأكتاف، وتوزع الشعر، خاصة في العانة وتحت الإبط والقفا، وبقية الجسم بشكل عام، بالإضافة إلى الميل الجنسي.

الهرمون الجنسي المذكر
يتكون الذكر على ثلاثة مستويات؛ لكي يستمر النسل البشري ويتكاثر؛ فأولها تكون النطف التي فيها سر التكوين، ثم حصول الميل النفسي، وثالثا المظاهر الخارجية وكلها خاصة للذكر ومميزة له عن الأنثى، وإن المتأمل ليقف خاشعا، وهو يرى هذه المظاهر، فما الذي جعل هذا الهرمون الجنسي المذكر والذي يسمى التستوستيرون، أن تخرج بصلات الشعر بكيفية معينة في ناحية السرة بما يختلف عن الأنثى، فهي في الذكر مثلثة تبدأ من السرة وتمتد إلى الأسفل، بينما هي في الأنثى مجتمعة حول الفرج، وكأنها لتخفي السوأة؟ ثم كيف احتال هذا الهرمون على إقناع بقية بصلات الشعر والجسم، فجعلها تظهر في كل الجسم، بينما هي في الأنثى نادرة، فلا يرى الشعر في الجسم إلا في حالات شاذة؟
ثم كيف استطاع هذا الهرمون ذو قدرة الإقناع العجيبة، أن يفهم الحبال الصوتية أن تكون بهذه الكيفية، بحيث تعطي غلظ الصوت؟ أو كيف أعان العضلات وجعلها تدخر البروتينات فيها وبالتالي تشتد العضلات وتقسو؟
وأما انفتاح عظام الصدر ومفاصله، وضيق عظام الحوض ومفاصله، فما هو السر فيها يا ترى، وكيف تسنى لهذا الهرمون أن يتحدث بلغات مختلفة ولهجات متباينة؛ فيؤثر على العظام والمفاصل والعضلات وحبال الصوت وغضاريف الحنجرة وبصيلات الشعر، وأخيراالمزاج النفسي حيث يبقى الأخير سرا محيرا ولغزا مدهشا، فمن الذي وهبه كل هذه القدرات؟
وبينما نحن في هذا الحديث والحيوان المنوي يمشي في ذلك النفق السحري، كالغواصة يشق عباب المفرزات والأخلاط والماء الكدر ولا يصطدم بالجدران، وحتى لو اصطدم فإن هذه القلنسوة التي تغطي رأسه جعلته مصفحا مدرعا لا يتأثر، وبجانب هذه النطفة يمشي شعب كامل من النطف يبلغ الملايين كلهم يسيرون في هذه المسيرة العظيمة التي هي أنشودة تخلق الإنسان العظيم (دفقة المني الواحدة فيها على الأقل 60 مليون حيوان منوي ويزيد).
ومن حين لآخر يضيق النفق ويتسع، حتى نصل إلى المستودع العام للتخزين الذي هو الحويصل المنوي، حيث تجتمع النطف في انتظار المناسبة الجنسية، حتى تتدفق وتنطلق للقاء الموعود..

طريق الحيوان المنوي
إن اجتماع النطف في الحويصل المنوي مهم، فلولا ذلك لاستمر تدفقها إلى الإحليل ثم القضيب وهكذا يحصل إفراز مستمر، وهذا ما يجعل المصنع يصدر بضائعه إلى حيث يخسرها! ولكن هذا ليس من طبائع هذا التركيب المتناسق البديع، ولذا لا بد من تخزين البضائع حتى يحين الوقت الملائم، وتأتي الشاحنات المناسبة فتملأ البضائع، وتصدر حيث يحصل الربح والخير. فكيف يتخلق الإنسان؟
والآن كيف سيصل الحيوان المنوي بأمان إلى الرحم وأمامه من العقبات والأخطار ما يهدد حياته بالفناء، فالإحليل (وهو المجرى الذي يسير فيه البول والسائل المنوي) طويل، ثم إن طبيعة الوسط في مجرى الإحليل حامض، وذلك بسبب مرور البول المستمر، ثم إن طول طريق المهبل خطير بسبب الحموضة الشديدة الموجودة فيه أيضا، ثم إن المفرزات في الحويصل المنوي قليلة. فما العمل إذن وأمامه كل هذه المخاطر؟ حقا إن قصة الحياة عجيبة، إن الذي صممها حسب كل شيء بمقدار كما قال: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، فبما أن العقبة الأولى هي الأوساط الحمضية، لذا كان تفاعل السائل المنوي قلويا، وحتى يتم إيصال هذه المادة المهمة، التي هي ماء الحياة إلى الرحم، لابد من مقدمات كثيرة، فلا بد من احتقان الحويصل المنوي حتى يتدفق الذي اجتمع فيه إلى الخارج، وهذا لا يتم إلا بالتوجيه العصبي من مراكز الإشراف العصبية المجتمعة في النخاع، وهذه بدورها تتلقى الأوامر من الدماغ، ولكن كيف سيرسل الدماغ أوامره؟
إنها ستكون من خلال الفكرة التي يكونها عن الوسط الخارجي، وهذه تتكون من خلال الحواس وأهمها النظر، ولذا فإن النظر يحرك الفكرة الغريزية؛ فتنطلق الأوامر بسرعة إلى النخاع، حيث يضغط على الأعصاب بدوره، والأعصاب تنبه الحويصل المنوي والغدد الأخرى، فما هي إلا لحظات حتى تفرز بعض الغدد المختبئة في الطريق إفرازاتها، وهي الغدد البصلية الإحليلية ومفرزها ذو طبيعة قلوية، ولذا فإنه يضمن الطريق البولي أن لا يؤذي الحيوانات المنوية، ولكن هل يكفي هذا؟ لابد من ضمانات أخرى، ولذا تفرز غدة البروستات مفرزاتها أيضا، وهكذا يكون الطريق عبر القضيب قد مهد تماما وتنظف من المفرزات الحامضية، ثم إن وضع الانتشار في العضو التناسلي يكون قد تم، وذلك من الأوامر العصبية التي هيأت كل الأطراف المهمة لتأدية هذا الغرض الحيوي، وهنا يحصل الدفق السريع، فلا يقف طويلا السائل المنوي في الطريق البولي، كما أن المفرزات الأولى تكون قد عدلت المفرزات الحامضية في الطريق البولي في إحليل الرجل ومهبل المرأة، وهكذا يكون الأمر قد وصل أقرب ما يكون إلى تأمين حياة هذه النطفة الضعيفة المسكينة، التي تحمل الأمانة العظيمة والسر الهائل الذي هو الإنسان. ويبقى تفسير الرعشة الجنسية أو حصول الارتواء الجنسي سرا من الأسرار النفسية لا يمكن تفسيرها بالبساطة، التي فسرنا فيها الأمور السابقة. وكم سيكون عدد الضحايا من الحيوانات المنوية في الطريق يا ترى؟ لاشك أن العدد كبير، لأن طبيعة الحياة فيها الجهاد والتضحية والموت، ولكن دقة التصميم وروعة البناء غطت كل هذه المسائل.
إن الدفقة الواحدة من السائل المنوي فيها ما يقرب من 400 مليون حيوان منوي، إنه شعب منوي كامل من الحيوانات المنوية، التي تبدأ السباق الجبار لكي يحصل قصب السبق للفائز الأول الذي سيصل إلى البويضة ويلتحم بها ويكون الإنسان، وبينما نحن نرقب هذا السباق المخيف ليس بين العشرات ولا المئات، بل ملايين النطف الزاحفة إلى أعلى، وهي تضرب بسياطها الطويلة مزمجرة في الطريق، تخبط المفرزات المخاطية وتصعد بسرعة جبارة، وكأن هذه الأذناب المحركات الهائلة لهذه القذائف المحشوة بالسر الإنساني، أقول بينما نحن نرقب هذا السباق تكون البويضة في البوق تتهادى في مشيها كأنها الملكة، وهي محاطة بما يشبه الحاشية من حولها وتضع على رأسها الإكليل المشع! وهي تستعد لاستقبال الفائز الأول، ولكن أين جاءت هذه وكيف تكونت؟ إذن لنستمع إلى الطب وهو يروي لنا قصتها العجيبة.

مصنع البيوض عند المرأة
يعتبر المبيض المصنع الذي يكون بويضات المرأة، والعجيب في هذا المصنع أنه يبني وتوضع فيه المواد الأولية وهي الخلايا التي سيتكون منها البويضات، ولكن لا يفتح هذا المصنع أبوابه للإنتاج حتى سن البلوغ حتى تكتمل الأنثى وتتهيأ من ناحية المظهر الجسمي والنفسي، وعندما تدخل سن البلوغ يبدأ المبيض الهاجع بالعمل وتنطلق البيضة الأولى منه.
لقد وجد أن في المبيض ما يقرب من 400 ألف جريب (والجريب كيس يشبه الجراب الصغير فيه خلايا صغيرة تحيط بالبيضة الأصلية التي تحمل صفات الأم)، ولا ينطلق من المبيض سوى 400 جريب وسطيا خلال الحياة، وهو ما يعادل بيضة واحدة في كل شهر، وهذا الذي يحدث، حيث إن الدورة الطمثية أو ما تسمى العادة الشهرية تستغرق عند المرأة الطبيعية 28 يوما، أي ما يعادل شهرا قمريا.. ومر معنا في هذا البحث ملاحظات دقيقة شيقة، فأولها الفصل الجنسي أو الموسم الجنسي، فلقد وجد أن عند الحيوانات مواسم وأوقات معينة يحدث فيها إمكانية التلاقح والتناسل مع وجود النزو أو الميل الجنسي للجنس الآخر، وهذه المدة تتراوح بين أشهر كما في الكلاب والقطط، وبين أيام قليلة في السنة كما في الضفادع.
أما الإنسان فهي عند المرأة تمتد ما يقرب من 40 سنة، وهي وسطيا ما بين العمر 12-50 سنة، أما الرجل فهي مدى الحياة، ثم إن القدرة الجنسية وإمكانية التلاقح والميل الجنسي موجودة عند الإنسان على طول أيام السنة، وهذا ما يجعل الأمر في منتهى الخطورة، وهذا يرجع إلى أن الحيوانات مضبوطة الغرائز كما في أجهزة الطعام والبول والتنفس، فهي تخضع لسنة وقانون معين، حيث ينطفي الميل الجنسي خارج أيام الموسم الجنسي، ويتفرغ الحيوان لمشاغله الأخرى، أما الإنسان فلقد ربط هذا الجهاز مع مفتاح الإرادة عند الإنسان فهو ينظم ذلك قلة وكثرة ضبطا وانفلاتا حسبما تقوده إرادته، ولذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي سيحاسب على هذه الأجهزة التي امتلكها.
(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا)، سورة الأحزاب.
والملاحظة الأخرى هي فكرة التناوب في قذف البيوض، من المبيضين بالتناوب؛ فهذه قاعدة في كل غدد الجسم، فإفراز الهورمونات متقطع وليس مستمرا، وعمل الكبب الكلوية بالتناوب؛ وكل فوج يعمل يربح قسما آخر من العمل، كما أن الأسناخ الرئوية لا تنفتح كلها أثناء التنفس، وأما الأوعية الشعرية الدموية فلا تتوسع كلها إلا في حالات خاصة كزيادة الجهد والصدمات وسواها، وهذه قاعدة في كل غدد الجسم وأجهزته.
ثم لننظر في البويضة فهي لا تكون لوحدها في المبيض، بل هي محاطة كالملكة تماما بحاشية كبيرة من الخلايا، وهي تضع على رأسها تاجا مشعا من الخلايا (محاطة بمجموعة من الخلايا تسمى التاج أو الإكليل الشعاعي)، وهي موجودة ضمن قربة صغيرة تسمى جريب دوغراف، وهذا الجريب يحتوي في داخله بالإضافة إلى الخلايا على سوائل هرمونية تهيئ الرحم لاستقبال البيضة الملقحة، وإذا مر الشهر بدون أن يحصل تلقيح انهدم الغشاء المخاطي في الرحم، وسال الدم الغزير الذي يعرف بالدم الطمثي أو دم العادة الشهرية. وهي بتعبير نديم الجسر في كتابه «قصة الإيمان»، بكت على عدم الاجتماع بالمحبوب دما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى