عادة ما تحيل كلمة الهلع على أعلى درجات الخوف، وعندما ترتبط كلمة «الهلع» بكلمة «اضطراب» فإنها هنا تعطينا اسما لمرض نفسي يصعب التعامل معه لأنه يؤثر بشكل كبير على حياة الفرد وقد يشل حياته ويجعله ضحية لهذا الاضطراب الذي قد يظهر في أية لحظة.
يجب التفريق بين اضطراب الهلع واضطراب القلق فهما حالتان مرضيتان مختلفتان جدا. ففي اضطرابات الهلع تزداد عند المصابين فكرة إيذاء النفس مقارنة مع اضطرابات القلق الأخرى،
ناهيك عن أن اضطرابات الهلع تصيب النساء بنسبة كبيرة مقارنة بالرجال، وتصيب
حوالي ثلاثة في المائة من الأشخاص حول العالم.
تمر اضطرابات الهلع بثلاث مراحل، وأهم وأول مرحلة هي مرحلة نوبة الهلع، وهي حالة يشعر الشخص خلالها ببداية ونهاية النوبة التي تصيبه، وتظهر على المريض أعراض يكون مصدرها في العادة الجهاز العصبي الذاتي، بحيث تظهر على المريض أعراض من قبيل أنه قد يكون طبيعيا وفجأة يشعر بحالة من التوتر والاضطرابات وتزداد دقات القلب لديه، لدرجة أنه يشعر بشكل واضح بضربات القلب وبضيق في الصدر مع اضطرابات على مستوى الجهاز الهضمي. ومن أهم الاضطرابات الهضمية التي تصيب الشخص نجد الإسهال أو الشعور بالمغص في الأمعاء، مع الإصابة بارتعاش على مستوى الأطراف، ويصاب الشخص بالتعرق الشديد، وقد يصاب المريض بانخفاض الضغط. ويبقى ارتفاع ضربات القلب بنسبة كبيرة مع الشعور بالضيق والتوتر أهم أعراض نوبات الهلع لأن المريض يتحول فجأة من حالة إلى أخرى.
يشعر المريض بالهلع عند إصابته بالنوبة كأنه يحتضر وأنها إحدى علامات الموت، وهو ما يزيد من توتره وخوفه وهلعه، فيما يعتقد أشخاص آخرون أنها إحدى علامات الجنون أو أنهم سيصابون بالجنون.
وحتى يمكن أن نقول إن الشخص يعاني من نوبات الهلع، فيجب أن يصاب بأربع نوبات في الشهر على الأقل، وعادة فهذه النوبة تستمر لعدة دقائق وتختفي فجأة بدون سابق إنذار وتختفي كما ظهرت، ولا يجب أن يكون لحدوثها سبب أو مبرر، مثلا، الإكثار من شرب القهوة أو الشاي، أو الأشياء التي تزيد من استثارة الجهاز العصبي لأن النوبات التي تحدث في هذه الحالة لا تعتبر نوبات هلع.
أسباب حدوث نوبات الهلع
تحدث نوبات الهلع في العادة بسبب حدوث اختلال على مستوى النواقل العصبية وهما «السيروتونين» و«النورإبينفيرين»، حيث تزيد نسبة إفرازها، وخصوصا هذا النوع الأخير في منطقة «اللوكس سيروس» المتواجدة في جذع المخ. لهذا فتناول الأدوية التي تبطئ من إفراز هذه النواقل العصبية يساعد بشكل كبير على التحكم في الإصابة بهذه النوبات.
القلق الاستباقي.. مرحلة ما بعد النوبة
عند الإصابة بنوبة الهلع مرة ومرتين وثلاثا، فالشخص يدرك جيدا أنه يعاني من نوبات هلع مرعبة بالنسبة له، والأخطر بالنسبة له هو أن هذه النوبات ستعاود الظهور لا محالة، ويعيش الشخص حالة أخرى من الهلع والقلق والخوف من ظهور النوبة من جديد، وهي الحالة التي تسمى القلق الاستباقي، أي أن الشخص يعيش حياته في حالة من القلق من ظهور النوبات من جديد، وتحدث هذه الحالة بسبب زيادة نشاط الجهاز الحوفي الموجود في المخ وذلك من خلال أحد النواقل العصبية التي تدعى «جابا» لهذا فحتى هذا القلق الاستباقي يمكن التحكم فيه من خلال تناول الأدوية التي تساعد على تثبيط عمل هذا الناقل العصبي.
مرحلة التجنب
دائما ما يدخل في مخيلات المصابين بنوبة الهلع أن إصابتهم لها علاقة وطيدة بشيء ما، مثلا تناولهم لنوع معين من الأكل أو يربطون بين الإصابة وتواجدهم بمكان ما، أو بين تواجدهم في السيارة أو في المصعد، لأن إصابة الشخص بإحدى النوبات كانت في ذلك المكان أو خلال تناوله لطعام ما أو أثناء قيامه بعمل معين، فيدخل في نوبات التجنب أي تجنب كل الأشياء
التي ترتبط في دماغه بالمسبب للنوبة. وتحدث حالة التجنب هذه نتيجة لنشاط على مستوى الفص الأمامي للدماغ، لهذا فالمريض يحتاج في هذه الحالة إلى الحصول على العلاج النفسي والسلوكي للتخلص من حالة التجنب هذه وعدم ربط نوبات الهلع التي تصيبه بأشياء معينة.
وعادة ما يخشى الأشخاص المصابون بنوبات الهلع التواجد في أماكن معينة، مثل الأماكن الواسعة أو المزدحمة أو الخالية أو المقفلة أو في مكان لا يشعرون فيه بالراحة خوفا من أن تصيبهم نوبة الهلع ولا يجدوا أحدا يساعدهم أو أن لا يستطيعوا الهرب منها في حال تواجدهم في مكان ضيق أو مقفل (داخل القطار مثلا).
كيف تحدث نوبات الهلع
يمكن القول إن هناك تشابها بين أعراض الإصابة باضطرابات القلق وجميع أشكاله الأخرى، وبين نوبات الهلع والرهاب، لكن الفرق الأساسي يكمن في الوقت المحدد للإصابة بنوبات الهلع وأعراض ظهوره، حيث إن الأعراض تظهر في معظم الحالات بدون سبب معروف وفي أوقات مختلفة، وعادة ما تظهر النوبات لفترة قصيرة وتختفي من تلقاء نفسها ليعود الشخص إلى حالته الطبيعية، وهذه هي حالة اضطرابات الهلع، أما عندما تظهر هذه الحالة خلال التواجد أمام الناس أو في الاجتماعات أو عندما تسلط الأضواء على الشخص، ففي هذه الحالة يمكننا القول إن الشخص مصاب بما يسمى الرهاب الاجتماعي. أما عندما ترتبط هذه الحالة بشيء معين، مثلا بالخوف من حشرة ما، فيسمى اضطراب القلق أو الفوبيا أو الخوف. وعادة فإن الأعراض تتشابه لكن الاختلاف الوحيد يكمن في طريقة ظهور الأعراض ومدى استمراريتها.
العلاج المناسب
اضطرابات الهلع من الأمراض التي يمكن التحكم فيها من خلال تناول بعض الأدوية، مثلا تناول بعض الأدوية التي تتحكم في بعض النواقل العصبية، من قبيل الأدوية المتحكمة في «السيروتونين». وعادة لا يتم وصف الأدوية بشكل عشوائي بل يقوم الطبيب بالتركيز على ما يشكو منه المريض، لأنه عادة يختلف كل مريض عن غيره من حيث الحالة التي يعاني منها، إذ إن الأشخاص الذين ترافق حالة الهلع لديهم حالة الترقب والخوف توصف لهم أدوية معينة، أما الأشخاص الذين عادة ما ترافق الحالة لديهم أعراض من قبيل الإصابة بأوجاع في الأمعاء، فيتم وصف أدوية أخرى لهم.
ثمة بعض الأدوية توصف في حالة الإصابة بالاكتئاب، لكن في حالة الإصابة بالهلع والقلق تكون الجرعات عادة مرتفعة نسبيا مقارنة مع تلك المستخدمة في حالة علاج الاكتئاب.
ويعتبر العلاج النفسي مهما جدا في حال الإصابة باضطرابات الهلع، حيث أثبتت بعض الدراسات أن العلاج النفسي له أثر كبير في إحداث تغييرات إيجابية بالمخ، وخاصة بعدما أعد العالم «باكستر» دراسة قام خلالها بإعطاء الأدوية لنصف المرضى الذين كان يعالجهم فيما عرض النصف الباقي للعلاج النفسي، وقام الطبيب أيضا بمتابعة المرضى من خلال مدى استجابتهم للعلاج. ولاحظ الطبيب أن العلاج النفسي أعطى نتائج جيدة جدا، فيما أظهرت أبحاث أخرى أن العلاج الدوائي مترافقا مع العلاج النفسي يعطي نتائج تتفوق بدرجة كبيرة على العلاج بنوع واحد من العلاج.