إعداد: إكرام أوشن
أصبحت ظاهرة «الفضفضة» منتشرة على المواقع الإلكترونية بشكل ملفت، سواء كان ذلك عبر صفحات التجمعات على «الفيسبوك» أو عبر المواقع المخصصة لذلك، والتي غالبا ما يتولى فيها دور المرشد شخص من أهل الاختصاص.
الأسئلة الجريئة والمشكلات العميقة تفضح أسرار البيوت التي تعرض على الملأ للكثيرين ممن يحاولون إما إبداء الرأي أو اقتراح حلول جذرية أو بسيطة، حيث يتلقى صاحب المشكلة كما هائلا من التعليقات والردود من أشخاص من مختلف الجهات والأعمار والثقافات..
فكرة يمكن أن تكون إيجابية وتحيطها جوانب مفيدة، ولكن هل تلك الصفحات والمدونات الإلكترونية قادرة على حل أكثر المشكلات الزوجية تعقيدا؟ وهل بإمكانها الإنصاف وتحليل الموقف الذي يواجهه صاحب المشكلة المعروضة منطقيا؟
استشارات.. «خراب بيوت»
إفشاء أسرار البيت بين النساء يزيد من المشاكل الأسرية. فالاستشارات التي تتلقاها بعض السيدات تكون بحثاً عن مخرج لتجاوز كثير من مشكلاتهن، أو ظروفهن، أو قصد التخفيف من معاناتهن على الأقل.. ولكن يبقى الأهم في هذه الاستشارات مدى مناسبتها لظروف واقع الزوجين، وتقريب وجهات النظر بينهما، وإذابة الخلافات التي أوصلتهما إلى البحث عن حل خارج أسوار المنزل، وهو ما يعني أن أسرارهما لم تعد خافيةً على من اختاراه ليقدم النصح والإرشاد لهما. ويتطلب الأمر هنا أن يكون المستشار أميناً وصادقاً وحافظاً للعهد، ولا يقدم مصلحة طرف على حساب آخر. وهذا يعني أن يتجاوز ما يعكر صفو العلاقة بين الزوجين، أو ما يثير مزيداً من المشاكل، أو يباعد بين وجهات النظر.
هذا ويلاحظ أن كثيراً من الاستشارات التي يتلقاها الزوجان (خاصةً المرأة)، قد تزيد من حجم المشكلة وتعمقها، وهو ما يفسر سوء الاختيار من مستشاري «خراب البيوت» في المجالس النسائية، ما يتطلب الحذر مما يطرح كحلول.. وذلك لأن العملية الاستشارية الإرشادية هي خطوات مهنية تسلك مع الفرد لمعرفة ما لديه من عناصر قوة إيجابية لتعزيزها، وكذلك ما لديه من عناصر ضعف أو سلبية لمعالجتها، بغية تحقيق قدر لا بأس به من فهم النفس والآخر، ثم التوافق مع نفسه ومع من حوله.
ما الفرق بين إبداء الرأي وعلاج المشكلة؟
هناك أقسام متعددة للاستشارات النفسية والأسرية، وهي تتدرج من مجرد رأي اختصاصي إلى استشارة علاجية ومن ثم وقائية. فمواقع الاستشارات تعطي نتائج إيجابية وبنّاءة أحياناً في ما يتعلّق بالرأي أو بالاستشارة بشأن المشاكل السطحية البسيطة، والتي تعتمد منهجية معينة في طرح الحلول للحالات النفسية معروفة العلاج، ولكن لا تستطيع هذه الصفحات الاستشارية إعطاء علاج جذري لمشاكل أكثر تعقيداً، مثل المشاكل الزوجية والأسرية، لأن الأساس في حل أي مشكلة يكمن في التشخيص الذي يكشف معلومات وتفاصيل دقيقة لا بد من معرفتها لتحليل شخصية الشخص، وتوضيح خطة العلاج الأمثل إن كانت المشكلة نفسية فردية. أما بالنسبة إلى المشاكل الزوجية، فلا بد أيضاً من تحليل شخصية الزوج وردود أفعاله، وهذا يمكن أن يتم بطرق غير مباشرة ومن دون زيارة المركز. والأهم من ذلك هو متابعة ومراقبة ما يحدث من تغيرات.
إنه أمر إيجابي وجود هذه الصفحات التي تهدف إلى حل المشكلات العامة، غير أنه لا بد من الانتباه إلى مدى صدقية الاختصاصي المشرف على الصفحة وكفاءته العلمية. كما يجب أن يتم الالتفات إلى أسلوب العلاج الوقائي للمشاكل النفسية والأسرية، لأن ذلك من شأنه أن ينشر الوعي والثقافة المجتمعية بشكل فعال.
إن مسألة انتشار مثل هذه المواقع الاستشارية وطرق التواصل عبر الهاتف لحل المشاكل والأزمات الأسرية، تعود إلى عامل الخصوصية التي يتميز بها المجتمع العربي، والتقاليد المحافظة التي تحبذ غالباً حل المشاكل عن طريق الأقارب. والجدير ذكره أن تلك البادرة انطلقت من أمريكا لحل مشكلة الانتحار، قبل أن تمتد إلى باقي العالم بشكل موسع. وتعد طبيعة المرأة وتكوينها النفسي من أكثر ما يدفعها إلى «الفضفضة».
استشارة النساء.. دمار نفسي
استشارة النساء في أمورهن الخاصة والحديث عنها أمام صديقاتهن، أمر يمكن أن يصادف ردة فعل مختلفة، وبالتالي يجعل المرأة لا تفكر بعقل، وقد تكون تلك الاستشارات المتكررة سبباً في تغيير مسار الحياة الأسرية دون شعور الأطراف الأخرى، أو عدم اهتمام ومبالاة بأي أمر قد يطرأ عليها.
فاستشارة المرأة لأكثر من شخص تعد دماراً للحياة الأسرية، بل ودماراً نفسياً لها شخصيا، حيث إنها تتلقى نصائح ربما تكون جميعها سلبية وضدها. فالشخص المستشار لا ينظر إلى المشكلة بالمنظار الذي لابد أن يكشف له جميع الأمور, إذ من النساء من تظهر نفسها أنها هي التي على حق في كافة أمورها، بينما الطرف الآخر يرى عكس ذلك.
إن لكل من يعاني من مشكلة معينة تفكيره المختلف ونظرته للظروف من وجهة نظره الشخصية، وما تعيشه المرأة لا يشعر به الآخرون، رغم اختلاف الظروف، حيث إن بعض النساء يبحثن عن فتاة كي تُشجعهن على اتخاذ قرار لا يكون في صالحهن، ويمكن بالتالي أن يترتب عن تلك الاستشارة البحث عن أخرى لتخطي تلك المشكلة التي وقعت فيها جراء عدم اختيارها الشخص المناسب. يجب أن تكون الاستشارة لشخص أو شخصين أو أكثر، على أن يكونوا مقربين من خلال اطلاعهم على حياة الفرد وظروفه، فمن النادر جداً أن يتفق مجموعة على رأي واحد، فلكل شخص رأيه ومنظوره، ومن الصعب استشارة شخص لا يعيش الظروف ذاته أو قريبة منها؛ ونقصان ذلك يجعل المستشار غير قادر على إبداء الرأي السديد.
إن حديث المرأة عن مشكلة تتعلق بأسرتها أو بنفسها أو أبنائها، ربما لا تريد منه الحل فقط، رغم ما يقدم لها من آراء بعضها سديد والآخر عكس ذلك، فمقصدها الأول والأخير هو «الفضفضة» والارتياح لمن حولها بعيداً عن محيط أفراد الأسرة، الذين ربما تبقى تلك المواقف في أذهانهم ويكررونها في أي موقف سلبي في حياتهم.
فالكثير من الزميلات في نطاق العمل عند الحديث عن مشكلة ما لغرض الأخذ بتجاربهن، تبقى المشكلة في أذهانهن، وربما يتكرر السؤال عنها كل فترة، فيصيب المستشيرة شيء من الضيق والكدر، وتشعر بأن الكل علم بمشكلتها، وربما تسمع آراء من أشخاص بعيدين عنها سمعوا بمشكلتها، فيكون الأمر مؤلماً جداً عندما نرى هذا الصنف في المجتمع النسائي بشكل خاص.
كيف يؤثر البعد الفكري في تقديم الحلول؟
تؤخذ الاستشارات المقدمة في المجالس النسائية من باب الحكايات والعموميات لا من باب أنها حلول يمكن أن يعمل بها، أو يمكن تنزيلها على واقع بذاته لفلانة أو علانة، هذا من جانب، ومن جانب آخر لابد من تأسيس البعد الفكري لدى الجيل إناثاً وذكوراً، حيث يكون لديهم مقدار من الوعي يجعلهم قادرين على استبصار الصواب، وتكون لديهم قدرة على الانفصال عن بعض المجالس وما يطرح فيها، حيث لا يقعون تحت تأثيرها دون إدراك؛ لاختلاف الأحوال، حتى وإن تشابهت بعض المشاكل، وهذا لن يكون إلاّ بتقوية البعد الفكري، مؤكداً على أن أي امرأة أو رجل يقدم نفسه على أنه مستشار وهو لا يحمل تأهيلاً في ذلك يمكنه من أداء المهمة على أحسن حال، فالخير له ولأفراد المجتمع أن يتوقف.
فالإنسان يتعرض أحيانا للاكتئاب نتيجة تعرضه لصدمة عاطفية أو ضائقة مادية أو مشكلة في العمل، فيحتاج إلى استشارة حتى لا يعلم أحد بمشكلته، فيلجأ إلى بعض الخدمات التي تقدمها بعض الشركات عن طريق إرسال «الميساج» إلى الهاتف المحمول أو الاتصال ببعض الجهات التي توفر متخصصين في حل المشاكل، أو عن طريق مواقع وصفحات الأنترنت، وتترتب على بعض الوسائل آثار إيجابية، منها شعور الإنسان براحة لكونه يجد مشكلة مشابهة لمشكلته، ويرى أنه ليس الوحيد صاحب المشكلة. هذا فضلا عن أن هذه الوسائل تسهم في تنوير المجتمع حول بعض القضايا والمشكلات الغائبة عن الأذهان، ولكن الأثر السلبي الذي تتركه هذه المواقع يكمن في أنها تفسح المجال للجميع بأن يقدموا استشارات اجتماعية أو نفسية حتى لو كانوا غير مؤهلين.
مفاتيح لحل المشاكل الزوجية
– التحدث بوضوح:
أكبر خطأ يقع فيه الزوجان عند وقوع مشاكل بينهما، أنهما لا يتحدثان بوضوح عن هذه المشاكل الزوجية، وينتظر كل طرف أن يقرأ الآخر أفكاره وما يدور في خلده، وهذا أمر يزيد من تعقيد المشاكل الزوجية. فلا يوجد أحد يستطيع أن يقرأ الأفكار، وعدم التحدث بوضوح وصراحة في كل ما يخص الزواج والحياة الزوجية، أمر في غاية السوء يزيد من المشاكل الزوجية، ويجعلها تتفاقم ولا يقدم حلولا لها. ولذلك فمن المهم عند الوقوع فى أحد المشاكل الزوجية أن يبدأ الزوجان في التحدث بوضوح وصراحة شديدة حتى يتعرف كل طرف على ما يزعج الآخر ويتم تجنبه في ما بعد.
– عدم الخصام لمدة طويلة:
من المهم عند وقوع المشاكل بين الزوجين أن يتم أخذ فترة للهدوء يحاولان خلالها تجنب بعضهما البعض حتى يستطيعا التفكير بهدوء في هذه المشاكل الزوجية وإيجاد حلول لها. ولكن هذا لا يعني طول فترة الخصام بين الزوجين، فهذا أمر شديد الخطورة ويضر الزواج بشدة، ولا يعتبر حلا لأي من المشاكل الزوجية. ولذلك يجب الحرص على عدم الخصام لمدة طويلة حتى لا تتعقد المشاكل الزوجية.
– تقديم وقبول الاعتذار:
تقديم الاعتذار هو أفضل وسيلة لحل وإنهاء المشاكل الزوجية، ولكن تظهر مشكلة أخرى تتمثل في تعنت الطرف الآخر وعدم قبوله للاعتذار والأعذار التي قدمها الطرف المخطئ، وهذا ما يجعل المشاكل الزوجية تتفاقم ويجعل الزواج عبارة عن سلسلة متكررة من المشاكل التي لا تنتهي. ولذلك من المهم أن تحضر بين الزوجين ثقافة الاعتذار وقبول الأعذار.
– تقديم التنازلات:
هناك العديد من المشاكل الزوجية التي لا يكون فيها أحد الزوجين مخطئا ويكون الاثنان على صواب، ولكن التعنت وعدم رغبة أي طرف في تقديم التنازلات، يزيدان من خطورة هذه المشاكل ويجعلانها خطرا يهدد الزواج، لأنه مهما قدمت حلول مؤقتة لهذه النوعية من المشاكل الزوجية، فلن تجدي نفعا إلا في حال تقديم أحد الزوجين تنازلات للطرف الآخر.