كيف تبيع مباراة بشرف؟
حسن البصري
في كتابه الشهير «صافرة النهاية» يكشف طوني شوماخر الحارس الأسطوري لألمانيا عن فضائح كرة القدم ودسائسها، يروي تفاصيل لقاءات تمت تحت جنح الظلام صنعت فيها خلطات التلاعب والتآمر وأعدت كبسولات المنشطات بإحكام، قبل أن ينهي سيرته الذاتية ويحذر النشء من ممارسة لعبة البيع والشراء في المباريات.
بعد أن حقق الكتاب انتشارا واسعا أطلق على شوماخر لقب «هتلر الصغير»، وصدر في حقه قرار الطرد من ناديه كولن ومن منتخب بلاده، واعتبرت سيرته خدشا في وجه الكرة الألمانية التي كانت تضع على مقر اتحادها عبارة «الكرة أخلاق».
حين نعيد قراءة بلاغات لجنة الأخلاقيات التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، سنتوقف عند عشرات حالات التلاعب في نتائج المباريات التي كشفتها تسريبات صوتية نالت صفة الفضيحة حين تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، لكن كلما نزلنا إلى قعر المنافسات إلا وارتفع منسوب التلاعب وتعطلت آليات الردع.
لسوء الحظ أن قرارات لجنة الأخلاقيات لا تتعدى التوقيف عن ممارسة النشاط الرياضي لمدة محددة، ولم تجرؤ يوما على تحويل قضية تلاعب وتزوير إلى القضاء المدني ليقول كلمته.
يقول مدرب «مخلوع» معللا خسارة فريقه في بطولة الهواة بحصة غريبة: «لقد اكتشفت في مستودع الملابس رغبة حارس المرمى في تفويت نتيجة المباراة للفريق الخصم، فاستبدلته بحارس احتياطي يعاني من ضعف التنافسية لكنه فتح شرفة مرماه للأهداف». مضيفا: «متبدل صكعك غير بما اصكع منو».
كان المدرب، الذي يحمل سجل سوابقه توقيفات عديدة من لجنة الأخلاقيات ولجنة التأديب ولجنة حماية المال العام، متمكنا من تقنيات تفويت المباريات، علما أنه أدين في ملف تفويت عقار جماعي حين كان مستشارا بالمقاطعة، وكان معروفا بمعاملته الحسنة للاعبين إذ كان يصفعهم في مستودع الملابس وخلال الحصص التدريبية بكل احترام وأدب، بل ويستأذن منهم قبل أن يدهسهم برجليه.
كانت للرجل علاقة مشبوهة بمندوب مباراة، يدون في كل محضر عكس ما يسمع ويشهد بعكس ما يرى، لذلك أحبه الناس وتعلقوا به وتمنوا من الله أن يعجل برحيله، خاصة حين علموا بأنه أنشأ قناة على «يوتوب» وشرع منذ شهر رمضان الفضيل في حملة استجداء اللايكات، بعد أن تلقى بروح رياضية قرار توقيفه من لجنة الأخلاقيات مدى الحياة.
في الهزيع الأخير من البطولة تتناسل قضايا البيع والشراء في ملاعب الكرة، ويفتح سماسرة التلاعب دكاكينهم ابتغاء رزق تتلاعب به أقدام اللاعبين وخطط المدربين وصفارات الحكام، في الدورات الأخيرة من دوريات المظاليم تنتفخ الحصص وتفك بقدرة قادر عقدة التهديف عند فرق عانت طيلة الموسم الرياضي من العقم. في سباق الأمتار الأخيرة تنحر الخرفان وتذبح الديوك ويراق الدم على مرمى كانت عصية على المهاجمين.
الحاجة اليوم إلى تدابير استعجالية لمكافحة التلاعب في نتائج المباريات، بغاية الضرب على كل من سولت له نفسه الاتجار في جهد الآخرين وعرقهم، حتى لا تظل لجنة الأخلاقيات وقوانين التأديب مجرد فزاعة في حقول الكرة.
الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لطرد المندسين في لعبة قيل إنها تجعل الجسم السليم في العقل السليم، وقيل في مرويات الأسلاف إنها تربي الممارسين على الروح الرياضية، وتصنع حسب علماء الاجتماع جيلا أنقذه القدم من هشاشة القلم.
صحيح لا يمكن تنظيف المشهد الكروي من الباعة المتجولين للماتشات، لأنه لا يمكن أن تقنع الذباب بأن التحليق فوق الورود خير من التحليق فوق أكوام الأزبال والنفايات، فالكرة أصبحت عندنا تجارة والتجارة شطارة وغفلة بين البائع والمشتري.
اليوم لا يمكن أن ننجب جيلا وفيا للقميص الذي يحمله، ففي زمن التنقل من فريق لآخر لا يمكن الحديث عن الوفاء ولا يمكن لمقولة بالدم بالروح نفديك أن تصمد أمام جاذبية المال، لأن «الوفاء العظيم» مجرد فيلم مصري بالأبيض والأسود انتهت صلاحيته في زمن بالألوان.