كيف استفاد الأثرياء من كورونا؟
محمد عايش
خلال أسبوع واحد فقط قفزت ثروة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك بواقع 13 مليار دولار، ومثلها لنظيره الفرنسي برنارد أرنو، لتتجاوز ثروة كل منهما مستوى 180 مليار دولار، في الوقت الذي لا يزال فيه العالم يعاني من تداعيات قاسية لأزمة كورونا، من بينها ارتفاع نسب البطالة في أغلب دول العالم، وفقدان مئات الآلاف وربما الملايين من البشر لوظائفهم.
العدالة الاجتماعية والاقتصادية لا تزال غائبة عن عالم اليوم، الذي تهيمن عليه الرأسمالية الأمريكية، بل إن التشوهات تزداد وتتعمق، ففي الوقت الذي يكسب فيه رجل واحد خلال أسبوع واحد 13 مليارا، فإن هذا المبلغ وحده أصبح يكفي لإنقاذ عدة دول من الفقر والجوع والمرض، ويكفي لتوفير اللقاحات لملايين الفقراء حول العالم، ممن لم يحصلوا حتى الآن على حقهم في التحصين من الوباء القاتل.
الأرباح الإضافية التي حققها ماسك خلال الأسبوع الماضي، تكفي لحل الأزمة الاقتصادية في العديد من الدول الفقيرة في العالم؛ فالأردن مثلا يعاني من عجز في الموازنة يبلغ ثلاثة مليارات دولار فقط، أي أن أرباح ماسك في أسبوع تكفي لسداد العجز في موازنة الأردن لأربع سنوات مقبلة. وكذا الحال بالنسبة للعديد من الدول التي تحتاج إلى مليار، أو مليارين حتى تتجاوز أزمتها الخانقة. يوجد في العالم حاليا 2365 مليارديرا فقط، ويمتلك هؤلاء الغالبية الساحقة من الثروة في العالم، بينما يتنافس المليارات من البشر على الفتات القليل، مما تركه هؤلاء الأثرياء. وتقول منظمة «أوكسفام» إن أغنى 26 شخصا في العالم يمتلكون ما يمتلكه 3.8 مليارات شخص، أي أن أغنى 26 شخصا في العالم يمتلكون أكثر مما يمتلك نصف سكان الكرة الأرضية مجتمعين. خلال أزمة كورونا، وتحديدا خلال الفترة من 18 مارس 2020 وحتى التاريخ ذاته من العام الحالي، تمكن هؤلاء المليارديرات من زيادة ثرواتهم بنسبة 54 في المائة، وهو أعلى من المعدل الطبيعي الذي كانت تزداد فيه ثروات هؤلاء خلال الجائحة. في الفترة ذاتها بينما كان الأثرياء يراكمون مزيدا من الثروة، كان فقراء العالم يتلوون أكثر تحت سياط الجوع.
ثمة تشوهات اقتصادية واجتماعية بالغة السوء في العالم، وهذه التشوهات تتعمق وتزداد، ويرتفع معها منسوب الظلم وغياب العدالة بسبب توحش الرأسمالية الأمريكية وعدم الاكتراث بالفقر، بل تتعمد الولايات المتحدة إفقار الناس من أجل تسهيل عملية الهيمنة عليهم، والتحكم فيهم، من دون الحاجة إلى أساطيل عسكرية ولا حروب تقليدية مباشرة. بعد جائحة كورونا ازداد الفقراء فقرا والأغنياء ثراء، ودفع البسطاء ثمن الجائحة، وهذا يعني أن حزم الإنقاذ الاقتصادي والتحفيز لم يستفد منها الفقراء بقدر ما صبت في جيوب الأغنياء، أي أنها لم تكن عادلة ولم تنفق على الأرجح في مكانها الصحيح. وأهم من ذلك أن برامج التحفيز الأمريكية خلال الجائحة، التي اعتمدت على «التيسير الكمي» وضخ السيولة النقدية في الأسواق خففت من وطأة الجائحة على الأمريكيين وحدهم، فيما زادت من معدلات الفقر في الخارج، وهو ما يعني أن على دولنا العربية بشكل خاص التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي، أن تعيد النظر فورا في سياساتها النقدية، فالسياسات الأمريكية أدت وستؤدي إلى هبوط في قيمة الدولار وقدرته الشرائية، وهو ما يعني بالضرورة هبوط قيمة العملات المرتبطة به، وفي المقابل فإن الحكومة الأمريكية تعوض مواطنيها بالمساعدات، فيما لا تفعل حكوماتنا ذلك، ما يعني أن عملاتنا العربية تهبط مع الدولار، لكن مواطنينا لا يحصلون على المساعدات التي يحصل عليها المواطن الأمريكي.
تقول منظمة «أوكسفام» إن أغنى 26 شخصا في العالم يمتلكون ما يمتلكه 3.8 مليارات شخص، أي أن أغنى 26 شخصا في العالم يمتلكون أكثر مما يمتلك نصف سكان الكرة الأرضية مجتمعين