كوينتن تارانتينو:مخرج قلب تاريخ السينما جذريا
كوينتن جيروم تارانتينو، مخرج وكاتب سيناريو ومنتج وممثل أفلام أمريكي، تتميز أفلامه بعدم الخطية في السرد وتناول المواضيع الساخرة، وتجسيد العنف المفرط، والاستفادة من توزيع أدوار متكافئة مؤلفة من مؤدين مشاهير وآخرين أقل شهرة، والإشارة إلى الثقافة الشعبية، والموسيقى التصويرية المحتوية أساسا على أغان ومقاطع مسجلة من عقد الستينيات وحتى عقد الثمانينيات، بالإضافة إلى بعض خصائص أفلام النوار الجديد والسباغيتي الويسترن.
غرابة تحولت إلى تميز
ولد كوينتن تارانتينو سنة 1963 في مدينة نوكسفيل، التي تقع في ولاية تينيسي الأمريكية. وهو ابن الممثل والملحن الموسيقي طوني تارانتينو، والممرضة كوني ماكهيو. ولد والده في مدينة نيويورك في كوينز، ويتحدر من أصول إيطالية؛ في حين أن والدته من أصول إيرلندية وشيروكية. انفصل والداه، قَبل ولادته، ونشأ كوينتن تحت رعاية أمه، وتزوجت والدته من كيرت زاستوبل وهو موسيقي أيضا، ولديه أخ أصغر غير شقيق. في سن الرابعة، انتقلت عائلته إلى مقاطعة توررانسي، ثم رحلوا إلى حي هابور في لوس أنجلوس، حيث ارتاد هناك مدرسة فلمينغ الإعدادية. وارتاد مدرسة ناربون الثانوية لمدة سنة، قبل أن يتسرب من التعليم، ومن ثم الحصول على وظيفة كدليل مرشد في إحدى صالات عرض الأفلام الإباحية بسن الـ16. لاحقا، بدأ بأخذ دروس في التمثيل في مدرسة بيست أكتينغ لصالح شركة «جيمس بيست ثيتر».
شعر تارانتينو بالملل، خلال دروس التمثيل التي كان يأخذها، فترك المدرسة بعد عامين. عمل لاحقا في متجر لتأجير أشرطة الأفلام في مانهاتان بيتش، كاليفورنيا، حيث ناقش هو وأصدقاءه من هواة الأفلام المواضيع المتعلقة بالسينما بالتفصيل وبشكل مطول. صب تارانتينو تركيزه على نوعية الأفلام التي كان الزبائن يحبون استئجارها، ووصف تجربته هذه بمصدر إلهام مسيرته كمخرج سينمائي. يقول تارانتينو: «عندما يسألني الناس إذا ما ذهبت لمعاهد الأفلام أقول لهم: «لا، أنا ذهبت إلى الأفلام»».
بدأ تارانتينو مسيرته المهنية في أواخر الثمانينيات، عندما قام بكتابة وإخراج «My Best Friend’s»
«Birthday، وهو السيناريو الذي شكل أساس فيلم
True Romance»». في بداية التسعينيات بدأ تارانتينو مسيرته المهنية كصانع أفلام مستقل مع إصدار فيلم «كلاب المستودع» (1992)، والذي يعتبر الآن كلاسيكيا وذا شعبية واسعة، حيث وصفته مجلة «Empire» بـ«أعظم فيلم مستقل على الإطلاق». ازدادت شعبيته بفضل فيلمه الثاني «خيال رخيص» (1994)، فيلم نوار جديد وجريمة، والذي حقق نجاحا كبيرا على الصعيدين النقدي والتجاري، حيث اعتبرته مجلة Entertainment Weekly» » أعظم فيلم في آخر 25 سنة (1983- 2008). في سنة 1997، أصدر تارانتينو فيلم «جاكي براون»، المقتبس عن رواية «شراب الرم Rum Punch»، في تكريم له لأفلام استغلال السود التي كانت منتشرة في السبعينيات بعد 6 سنوات، عاد تارانتينو بثنائية «اقتل بيل»، ثنائية أكشن نمطية جدا مستوحاة من فنون القتال اليابانية وسباغيتي الويسترن وأفلام الرعب الإيطالي. صدرت الثنائية على جزأين، الجزء الأول في 2003، والجزء الثاني في سنة 2004. في سنة 2007، أخرج تارانتينو «المضاد للموت» كفيلم ثنائي مع صديقه المخرج روبرت رودريغيز. «أوغاد مجهولون» الذي تم تأجيله لفترة طويلة، واستمر العمل على نصه لأكثر من عقد، يتحدث عن تاريخ بديل خيالي وحول مخططَين من أجل اغتيال القيادة النازية، صدر أخيرا في سنة 2009، حيث لاقى إشادة نقدية من مختلف النقاد. وأصبح فيلمه «جانغو الحر»، الذي تدور أحداثه في فترة ما قبل الحرب الأهلية في الجنوب العميق، أعلى أفلامه من حيث الإيرادات حتى الآن، بإجمالي بلغ 425 مليون دولار حول العالم.
انتقده «الخبراء» وعشقه الجمهور
شكلت جميع أفلام تارانتينو نجاحا كبيرا على الصعيدين النقدي والتجاري، وحاز أيضا على العشرات من الجوائز، منها جائزتا أوسكار، جائزتا غولدن غلوب، جائزتا بافتا وجائزة السعفة الذهبية، وترشح أيضا لجائزة غرامي وجائزة إيمي. اعتبرته مجلة «Time» إحدى أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم سنة 2005، ووصفه صانع الأفلام والمؤرخ بيتر بوغدانوفيتش بـ«المخرج الأكثر تأثيرا في جيله».
عُرِض فيلم «كلاب المستودع» في مهرجان صاندانس السينمائي في يناير 1992، ولاقى نجاحا فوريا، حيث حصل على مراجعات إيجابية من النقاد، هذا الفيلم القائم على الحوار كان أساسا لأفلام تارانتينو المستقبلية، كتب تارانتينو السيناريو في ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع، ثم أحاله لورنس بندر إلى المخرج مونتي هيلمان، الذي ساعد على الحصول على تمويل من ريتشارد جلادستين.
تم حجز الحقوق لسيناريو «رومانسية حقيقية» وصدر الفيلم في عام 1993، السيناريو الثاني الذي باع تارانتينو حقوقه الملكية هو سيناريو فيلم «قتلة بالفطرة»، عدل السيناريو كل من دايف فيلوز وريتشارد روتوسكي والمخرج أوليفر ستون، ونُسبت كتابة القصة إلى تارانتينو، وفي مقابلة قال فيها إنه يتمنى للفيلم التوفيق. اعتدى تارانتينو على دون مورفي، الذي كان يملك حقا أصليا في السيناريو، كما أنه أنتج الفيلم، داخل أحد المطاعم في ويست هوليوود في أكتوبر 1997. رفع مورفي بعد هذا دعوى قضائية للتعويض بخمسة ملايين دولار ضد تارانتينو، لكن تم التوصل إلى تسوية في المحكمة. بعد النجاح الكبير لفيلم «كلاب المستودع» عُرض على تارانتينو العمل على عدة مشاريع، مثل فيلم «سرعة» و«رجال ذو بزات سوداء»، لكنه رفضها وعاد إلى أمستردام ليعمل على سيناريو فيلم «خيال رخيص».
في فيلم «خيال رخيص»، أبقى تارانتينو على أسلوب «تجميل العنف» الذي اشتهر به، واعتمد أيضا على سرده غير الخطي للقصة. حاز تارانتينو على جائزة الأوسكار لأفضل كتابة، والتي شاركها مع روجر أفاري، ورُشح لجائزة أفضل مخرج، كما تلقى الفيلم خمسة ترشيحات أخرى متضمنة فئة أفضل فيلم. فاز تارانتينو بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي. وحقق الفيلم عائدات تفوق الـ200 مليون دولار وتلقى مراجعات ممتازة.
بعد الانتهاء من فيلم «خيال رخيص»، أخرج تارانتينو الحلقة الرابعة من سلسلة أفلام أربع غرف بعنوان «رجل من هوليوود»، في لفتة تقديرية لحلقة «رجل من الجنوب»، المقتبسة من قصة روالد دال والتي كان ستيف مكوين البطل الرئيسي فيها. الفيلم كان عملا مشتركا بين أليسون أندرز وألكسندر روكويل وروبرت رودريغيز، لكنه تلقى مراجعات سلبية من النقاد.
مَثل تارانتينو في فيلم روبرت رودريغيز «من الغسق حتى الفجر»، وكتب السيناريو الخاص به أيضا. حصل الفيلم على مراجعات متباينة من النقاد، لكنه بالرغم من ذلك حصل على شهرة كبيرة، مما أدى إلى إنتاج فيلمين آخرين كتتمة للفيلم، عمل فيهما كل من روبرت ورودريغيز كمنتجين تنفيذيين فقط، وكذلك اُنتِج مسلسل «من الغسق حتى الفجر»، سنة 2014.
ثالث أفلام تارانتينو كان «جاكي براون»، المقتبس عن رواية «Rum Punch» » للكاتب إلمور ليونارد، من بطولة بام غرير وصامويل جاكسون وروبرت فوريستر. اعتبر ليونارد الفيلم أفضل الأفلام المقتبسة من رواياته وقصصه القصيرة.
عقد الألفية وبداية أسطورة
خطط تارانتينو لاحقا لصنع فيلم «أوغاد مجهولون»، تحت العنوان المؤقت نفسه، لكنه أجل ذلك لكتابة وإخراج «اقتل بيل»، وهو فيلم «سينما انتقام» بأسلوب متقن للغاية يتبع تقاليد الووشيا السينمائية، وأفلام الغربي السباغيتي وأفلام الرعب الإيطالي. كان من المقرر أن يُطلق في صالات السينما كفيلم واحد، لكن طول مدة عرضه التي تجاوزت 4 ساعات، دفع تارانتينو ليقسمه إلى فيلمين. الجزء الأول أُصدر في أواخر 2003، وأُصدر الجزء الثاني في سنة 2004. كان الفيلم معتمدا على شخصية تدعى العروس، وكان تارانتينو والممثلة الرئيسية للفيلم، أوما ثورمان، قد طوراها، أثناء صنع فيلم «خيال رخيص».
في 2004، حضر تارانتينو في مهرجان كان السينمائي بصفته رئيسا للجنة التحكيم. بالرغم من أن «اقتل بيل» لم يدخل في المنافسة، إلا أن الجزء الثاني حظي بعرض فيلم مسائي، وأيضا عُرض في صباح اليوم الأخير بنسخته التي تجاوزت مدة عرضها 3 ساعات، مع حضور تارانتينو نفسه للعرض كاملا. وفي السنة نفسها، أي 2004، تمت الإشارة إلى تارانتينو بصفته «المخرج ضيف الشرف» في فيلم النوار الجديد للمخرج روبرت رودريغز «مدينة الخطيئة» الصادر في سنة 2005، لعمله بإخراج تتابع مشهد السيارة الذي ظهر فيه كلايف أوين وبينيشيو ديل تورو.
في 2011، بدأ إنتاج فيلم «جانغو متحرر»، وهو فيلم حول انتقام عبد مملوك في جنوب الولايات المتحدة سنة 1858. الفيلم نابع من رغبة تارانتينو بإنتاج فيلم سباغيتي ويسترن تقع أحداثهفي الجنوب الأمريكي العميق. دعا تارانتينو الأسلوب المقترح بـ«الجنوبي»، مشيرا إلى أنه يريد «صنع أفلام تتعامل مع الماضي الأمريكي الرهيب مع العبودية وتلك الأشياء، ولكن صنعها على طريقة السباغيتي ويسترن، وليس كأفلام القضايا الكبيرة. أنا أريد صنعها وكأنها نوع أفلام خاص، ولكنها تتعامل مع كل شيء لم تتطرق إليه أمريكا بسبب شعورها بالخزي منها، ولم تتعامل معها الدول الأخرى بجدية، بسبب أنها لا تشعر بأنه يجب عليها ذلك».
قال تارانتينو في نونبر 2013 إنه يعمل على فيلم جديد، وسيكون فيلم غرب أمريكي. أشار أيضا إلى أنه لن يكون تتمة لفيلم جانغو. في 12 يناير 2014، كشف أن الفيلم سيحمل عنوان «الحاقدون الثمانية»، وأن إنتاج الفيلم سيبدأ في الغالب في صيف سنة 2014، لكن بعد تسريب نص الفيلم السينمائي في يناير 2014، أخذ تارانتينو بعين الاعتبار التخلي عن الفيلم ونشره عوضا عن ذلك كرواية. ادعى تارانتينو أنه أعطى النص السينمائي لبعض زملائه الموثوقين، ومن هؤلاء بروس ديرن، وتيم روث ومايكل مادسن.
في 19 أبريل 2014، أخرج تارانتينو قراءة حية للنص المسرب في مسرح الفنانين المتحدين في فندق آيس، بلوس أنجلوس. نظم متحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون الحدث كجزء من سلسلة القراءة الحية. وضح تارانتينو أنهم سيقرؤون المسودة الأولى للنص السينمائي، وأضاف أنه كان يكتب مسودتين جديدتين بنهايات مختلفة. الممثلون الذين انضموا للعمل مع تارانتينو تضمنوا صامويل إل. جاكسون، وكورت راسل، وأمبير تامبلين، وجيمس باركس، ووالتون جيجينز والممثلون الثلاثة الأولون الذين أُعطوا النص السينمائي قبل تسريبه، بروس ديرن وتيم روث ومايكل مادسن.
في أكتوبر 2014، أجريت محادثات مع الممثلة جينيفر جيسون لي لتنضم إلى الفيلم بدور رئيسي نسائي، وفي 7 نونبر 2014 أُعلن عن انضمامها إلى طاقم التمثيل، إضافة إلى تشانينج تيتوم وديميان بيشير.