حسن البصري
هل كان هدم المسرح البلدي قرارا سياسيا؟
إنها جريمة في حق الدار البيضاء ومثقفيها، والأخطر أن المسرح المهدم سنة 1985 لم يعوض بمسرح مماثل، بل تم خلق ما يسمى مركبات ثقافية في مختلف مقاطعات الدار البيضاء دون اعتبارات فنية ومعمارية، حتى أن بعضها أصبح مجرد قاعات للعروض. ربما بالنظر إلى الدور الذي لعبه مسرح الهواة في تلك الفترة، حيث كان مدرسة تفوق الأحزاب السياسية في بث الوعي والتربية السياسية وتأطير أبناء الشعب. والدليل أن إدريس البصري سيطلق في السنة الموالية مهرجانات وسهرات الأقاليم.
كيف تعامل الفنانون مع قرار الهدم؟
حين يفاجأ فنان بهدم فضاء يعيش فيه ويقضي فيه سحابة يومه، فإن شعوره لا يختلف عن شعور رجل استيقظ يوما فاكتشف أن بيته مسح من الخريطة. المشكل ليس في هدم معلمة ثقافية بل في إعدام صرح فكري دون التفكير في بدائل آنية. هناك مجموعة من البنايات التي سميت بالمركبات الثقافية لم تساهم رغم كثرتها في تعويض البناية المهدمة. بعد الهدم تفرق الشمل وراح كل إلى غايته. المصيبة لا تكمن فقط في هدم مسرح، بل في وقف شرايين الحياة في محلات محيطة به، مقاه، مثلا، منتديات للفن والأدب. صدقني فمنذ اتخاذ قرار الهدم لازالت الدار البيضاء تعاني من مضاعفات هذا القرار في يومنا هذا.
من مسرح الهواة إلى الثنائي الساخر «عاجل وفولان»..
حين تم هدم المسرح شعرنا بنوع من الغبن، لهذا فكرنا حسن فولان وأنا في تشكيل ثنائي ساخر، خاصة وأن إدريس البصري اهتدى إلى صيغة لاحتواء غضب الفنانين، حيث جاء الموسم الثقافي ليدشن مرحلة السهرات سنة 1986، وكانت تنظمها وزارة الداخلية، بقرار من الوزير إدريس البصري، في كل إقليم أو عمالة سهرة، لهذا سميت بسهرة الأقاليم، ويكون هناك سباق المدن.
كنت ضمن لجنة التحكيم في برنامج «سباق المدن»؟
في ثمانينات القرن الماضي، اشتهر برنامج مسابقات مغربي على القناة الأولى، جمع بين الترفيه والتثقيف، وزاوج بين المتعة والإفادة، وكان حلبة سباق بين مدن المغرب، سواء في التنشيط أو الغناء أو الثقافة العامة، وكان يجوب ربوع المغرب، وينظم سهرات ليلية تبث على التلفزيون المغربي، ويضمن بالتالي تنافسا بين أكثر من ثلاثين مدينة مغربية. كنت فعلا ضمن لجنة التحكيم في الشق المتعلق بالفن والكوميديا.
هل كان الثنائي الساخر بديلا مؤقتا؟
جاءت فكرة تكوين ثنائي جمعني بفولان بعد هدم المسرح كما أشرت سابقا، واختمرت الفكرة بعد أن دخلنا سريعا قلوب المتتبعين بالرغم من المنافسة. تصور أننا كنا نقضي شهورا في إعداد مسرحية والتمرين عليها ثم عرضها دون أن نحصل على شيء يستحق الذكر، لكن حين برزنا كثنائي اختزلنا المسافات ولم نعد في حاجة لديكور وتنقلات وحجوزات وحفظ، كان يكفينا قميص وبذلة ورباط عنق وعشر دقائق من الكلام لملء الثغرات، ثم ننصرف ونحصل على 7000 إلى 10000 درهم. «مول لمليح باع وراح».
كيف حجز هذا الثنائي لنفسه موقع قدم بين ثنائيات مرجعية؟
مع سهرات الأقاليم ازدهرت الثنائية أو لنقل انتعشت لأنها كانت تغلق المساحات الزمنية الفارغة، لكن الثنائي الذي جمعني بفولان تمكن من حجز مكانة له بين أشهر الثنائيات وأعرقها. نحن نتحدث عن الثمانينات حيث كان الثنائي «باز وبزيز» يصنع الحدث ويشد إليه المغاربة، والثنائي «الداسوكين والزعري» و«السفاج ومهيول»، كما اشتهر بشكل لافت الراحلان سعد الله عزيز وزوجته خديجة أسد. لكن، بالرغم من وصولنا إلى قلوب الناس، إلا أننا آمنا بأن الثنائي لا مستقبل له مادام يراد به سد الثغرات. حينها فكرنا في تأسيس فرقة مسرحية، أي أننا عدنا إلى هوسنا القديم.
هل تشاطرني الرأي أن من يعود اليوم للاستماع لهذا الثنائي لن يضحك كثيرا كما كان عليه الأمر في منتصف الثمانينات؟
قد تستغرب حين سأقول لك إن شارلي شابلن، أشهر كوميدي في العالم، لم يكن يضحكني، بل كان يؤلمني «أنا ضحكي فشكل». الضحك مسألة نسبية قد يهز البعض انتشاء وقد لا يحرك ساكنا في البعض الآخر.
اشتهر ثنائي عاجل وفولان في بدايته بـ«سكيتش» محشو بالرسائل السياسية..
تقصد تحويل وصلة إشهارية كانت تقدمها التلفزة المغربية، وكانت تتعلق بنوع من الأحذية الرياضية، تمكنا من تحويرها وتكييفها إلى موضوع يتعلق بتفشي ظاهرة البطالة في المجتمع:
«باك مشومر
خوتك كبار صغار يلغطو يسرطو يعلفو
وباك باقي مشومر
وزينات كثيرة
وباك مشومر
خوك بالباك
وباك مشومر
خوك بليسانس
وباك مشومر».
هل سمح البصري بهذا «السكيتش»؟
عرضنا هذا «السكيتش» لفائدة عمال شركة «صوماكا» بالدار البيضاء، فتعرضنا للاعتقال وتم اقتيادنا إلى مخفر الشرطة من طرف رجال الأمن، اعتقادا منهم أننا نتضامن مع العمال الذين كانوا مضربين حينها، لكن أفرج عنا بعد أربع ساعات.
أفرج عنكما من طرف إدريس البصري؟
لا، فقد تدخل المرحوم قشبال لدى العلمي، عامل عمالة ابن امسيك سيدي عثمان آنذاك، وتم الإفراج عنا لأنه لم تكن لنا علاقة بالإَضراب الذي كانت تخوضه شغيلة هذا المصنع.