«كوماناف»…الأسطول الذي أغرق أصحابه في السجن
يعد ملف «كوماناف» واحدا من الملفات التي عمرت طويلا في ردهات المحاكم، فإلى غاية كتابة هذه السطور ما زالت مضاعفات القضية ظاهرة على تقاسيم وجوه الضحايا، باعتبارها أكبر القضايا البحرية المعقدة، التي خلفت تشرد عائلات أزيد من 1356 من البحارة والأطر والمستخدمين الذين عايشوا الفترات الزاهية والبئيسة للشركة، وانتهت بفقدانهم للشغل.
في هذه القضية، مات عدد من المطرودين ودفنت معهم أحزانهم، وتعاقب على القضية عشرات المحامين والقضاة وممثلي الحق العام ومفتشي الشغل، منهم من مات ومنهم من ينتظر.
حين قررت الدولة المغربية تحمل الجزء الأكبر من الكلفة المالية لفائدة الشركات الملاحية الأوروبية، لجعل مغاربة أوروبا يستفيدون من أسعار معقولة، عبر توجيه العبور بالموانئ الفرنسية والإيطالية، تبين غياب ولو شركة وطنية واحدة للنقل الدولي البحري، أي أن أسطول المغرب الذي كان يضرب له القرصان ألف حساب قد اختفى في أعالي البحار.
كان إفلاس شركة «كوماناف» مؤشرا على تفكيك أسطول النقل البحري، ودليلا على غياب رؤية استشرافية للمستقبل، فبعدما كانت المملكة الشريفة تملك ستين سفينة، لم نعد اليوم نتوفر على أي سفينة مغربية، في الوقت الذي أنجزت فيه البلاد مجموعة من الموانئ النموذجية الكبرى.
تداول قضاة جرائم الأموال ملف «كوماناف» واستمعوا في جلسات عديدة إلى كل من سمير عبد المولى وشقيقه رشيد عبد المولى، ووالدهما عبد العالي عبد المولى، بصفتهم مالكي شركة «كوماريت» للملاحة البحرية، التي تسير «كوماناف فيري». وتعاقب على قفص الاتهام المدير العام السابق للشركة وبعض النقابيين وبعض القيادات البحرية.
لا يهتم الضحايا بالسؤال الجوهري الذي يطرحه القضاة: «كيف أفلست الشركة؟»، ولا يهتمون بدفوعات المتهمين السبعة في الملف، بقدر ما يبحثون عن صيغة لانتشال عدد من الأسر المتضررة من الضياع.
في هذا الملف تسلط «الأخبار» الضوء على أقدم قضية في محاكم المملكة، وتعيد ترتيب قصة «كوماناف» ومشتقاتها.
نيكولا باكي.. بحار رافق الحسن الأول
يعرف المارة ساحة نيكولا باكي في قلب مدينة الدار البيضاء، لكن غالبيتهم لا يعرفون أنها شاهدة على عبور «رجل البحر»، ومكانته في النسيج السياسي والدبلوماسي على الخصوص في مغرب كان في طور التأسيس.
بعد مؤتمر مدريد ظهرت إرهاصات موازين القوى في المنطقة، وتبين أن البقاء سيكون للأقوى والأكثر تسلحا، سيما بعدما أبانت كثير من الدول عن نواياها الاستعمارية. في سنة 1880 لم تكن المملكة الشريفة تتوفر سوى على أربع «بواخر»، هي حصيلة قطع حجزت في المياه الإقليمية التي لم تكن حينها محددة.
وأمام ازدياد عمليات القرصنة، وما تلاها من هجمات على المدن الساحلية، آمن السلطان الحسن الأول بضرورة امتلاك أسطول بحري، له دور عسكري أولا وتجاري ثانيا من خلال تأمين الرحلات البحرية، بين موانئ المملكة من جهة وموانئ الدول المجاورة.
ضاق الخناق حول المملكة بعد احتلال الجزائر من طرف الفرنسيين سنة 1830، وما تلاه من «تحرش سياسي» بالمغرب من خلال معركة إيسلي سنة 1870، والتي شهدت خسارة للجيش المغربي في أول اختبار بري. وتبين أن مواجهة المد الفرنسي لا تحتاج فقط إلى تقوية الجبهة الداخلية، بل أيضا إلى تعزيز الحضور العسكري والاستعانة بكفاءات أجنبية لها اطلاع ومعرفة بالمغرب.
كان البحار الفرنسي نيكولا باكي يقيم في المغرب منذ سنة 1862، وكانت الدولة المغربية تسمح له باستغلال الخطوط البحرية المغربية تجاريا في ما يشبه الريع. لذا اختار السلطان ومستشاروه الاعتماد على هذا الرجل العارف بتضاريس الملاحة البحرية المغربية وأمواجها، ودعمه لتكوين أطر وطنية مؤهلة للإبحار العصري. وقد تم بالفعل إرسال مغاربة إلى ألمانيا وإيطاليا ثم إنجلترا في بعثة لهذا الغرض، لأن المغرب لم يتمكن من تكوين بحارة مؤهلين تقنيا، بل كان يعتمد على أشخاص لهم معرفة بالبحر.
كانت السفن الأربع بخارية، لذا أطلق المغاربة على السفينة اسم «بابور»، وهو تحريف لكلمة «فابور»، أي بخار. وأسماؤها مستوحاة من ملاكها ومن تمثلات صوفية على غرار باخرة «الحساني» بريطانية الصنع، وتحمل اسم مالكها. وسفينة «سيدي التركي» التي تم شراؤها من ألمانيا وحملت اسم سليمان تركي، رئيس فرقة المدفعية، حيث كان وراء إنشاء مدافع الرباط.
أمام الرغبة في امتلاك أسطول بحري، ظل القبطان نيكولا يجوب أوروبا بحثا عن دعم تقني وبشري، وكان على اتصال دائم بالقصر لإحاطة السلطان بآخر المستجدات، خاصة في ظل إصرار القوى الاستعمارية على فرض حظر تكنولوجي على المغرب.
أنشأ في مارسيليا مقرا لوكالة أسفار بحرية، ونظم رحلات سياحية بحرا إلى المغرب، بالرغم من الظرفية الاقتصادية والسياسية التي كانت تعرفها المنطقة، حتى بعد وفاته سنة 1909، فإن الشركة حملت اسم «عبارات باكي» وظلت تواصل استثماراتها في مدينة أكادير ومدن أخرى، متحدية تحذيرات القوى الاستعمارية، رغم أن عباراتها غرقت في رأس سبارطيل بطنجة سنة 1933.
من الشركة الشريفة للملاحة إلى «كوماناف»
يقول الدكتور عبد الرحمن الصديقي المتخصص في لوجستيك الموانئ والنقل الدولي، إن المغرب يعد من أوائل البلدان التي سنت قوانين منظمة للقطاع، من خلال قانون التجارة البحرية الذي يعود إلى سنة 1919.
في 1921 خرجت للوجود مصلحة خاصة تعنى بالشؤون البحرية تابعة للإدارة العامة للأشغال العمومية، ومنذ سنة 1964 أصبحت الشؤون البحرية مراقبة مباشرة من طرف الدولة من خلال إدارة التجارة البحرية التابعة لقطاع الأشغال العامة، أو ما يعرف اليوم بقطاع التجهيز.
في غشت 1946 سيتم تأسيس أول شركة مغربية للملاحة، وهي الشركة المغربية الفرنسية الشريفة للملاحة والتي كانت ممنوعة من دخول الديار الفرنسية، وفي الفترة ما بين 1959- 1962، تمت مغربة هذه الشركة وتعديل رأسمالها. وهي العملية التي سيتمخض عنها تأسيس «كوماناف» لمراقبة المبادلات مع الخارج.
«في السياق نفسه سيتم إصدار ظهير 26 أكتوبر 1962، الذي يحمي الأسطول المغربي أمام المنافسة الخارجية، ويخصص له 30 في المائة من الواردات و40 في المائة من الصادرات غير القابلة للمنافسة. في الوقت ذاته، منحت الشركة احتكار تجارة الحبوب والسكر والفوسفاط».
وحسب المصدر نفسه، فإن مرحلة ازدهار الملاحة البحرية ترجع إلى الفترة ما بين 1973- 1981، إذ «كانت السبعينيات من القرن الماضي مرحلة ازدهار مشهودة للملاحة الوطنية، حيث استفادت من تداعيات ظهير 1973 الذي سهل مساطر الاستثمار في البواخر والسفن. واستفاد الأسطول المغربي كذلك من تداعيات قانون 40.40.20 على المستوى الدولي، الذي سمح للدول النامية ومن ضمنها المغرب بالتحكم في حصة 40 في المائة من مجموع صادراتها مع الخارج.
لكن مرحلة التراجع ستبدأ بعد سنة 1984، مجموعة من الوقائع ساهمت في هذه المسألة. هناك من جهة تداعيات ظهيري 1984 و1988، اللذين عملا على إلغاء الامتيازات التي منحها ظهير 1973 للاستثمارات في هذا القطاع، وكذا التحولات الاستراتيجية على المستوى العالمي في ميدان النقل بصفة عامة، بظهور شركات لوجيستية عالمية تتكفل بكل حلقات النقل من مكان الإنتاج حتى مكان التسويق والاستهلاك، مرورا بالنقل البري والبحري والتخزين وإدارة المعلومات وغيرها.
تضرر الأسطول المغربي وتقلصت وحداته من 65 وحدة في 1986 إلى أقل من 40 وحدة، كما تقادمت البواخر وأصبح بعضها متهالكا. وفي السنة نفسها تأسست شركة «كوماريت» وجعلت من مدينة طنجة مقرها الاجتماعي، داخل فيلا في ملكية عبد العالي عبد المولى، مالك الشركة.
عملت الشركة على نقل المسافرين والبضائع المتحركة في اتجاه مدن الجنوب الإسباني وفرنسا وإيطاليا، وحققت رقم معاملات يفوق 2.1 مليار درهم، قبل أن تمتص «كوماريت» فرع المسافرين لـ«كوماناف»، قبل أن تدخل مرحلة العد العكسي.
دخلت «كوماريت» نفق الإفلاس بسبب الأخطاء التي ارتكبتها هذه الشركة في تدبير شؤونها، حيث ظل التسيير يخضع للمنطق العائلي، ناهيك عن الضرر الذي أصابها بعد الانتقال من الميناء القديم إلى ميناء طنجة المتوسطي غالي الرسوم، بالإضافة إلى التكلفة الرخيصة للنقل الجوي.
طوق نجاة فاشل ..أولسن النرويجي وسعادة اللبناني
عاش الأسطول مرحلة زاهية خاصة في فترة التأسيس، والتي كانت فيها حركة الملاحة بمضيق جبل طارق بطيئة جدا من حيث ساعات العبور، وتم دعمه بشركاء جدد لعائلة عبد المولى، خاصة صديق العائلة فريد أولسن النرويجي الجنسية، لكن أسماء أجنبية أخرى ستقتحم الشركة عبر شراكات يراد بها توسيع النشاط البحري.
أصبح أولسن واحدا من المساهمين المؤثرين من خارج محيط عائلة عبد المولى، وحين حاول هذا الأخير إبعاد فريد عن الشركة، طالب النرويجي بمقابل مالي لصرف النظر عن شركة «كوماريت» وعرض شراء أسهمه وحدد قيمتها في 70 مليار سنتيم، غير أن أحد المختصين اعتبر أن القيمة الحقيقية لأسهم أولسن لا يمكن أن تتجاوز 30 مليارا فقط، واستنتج أن 40 مليار سنتيم الأخرى بالعملة الصعبة، قد تكون حولت إلى حساب بالخارج.
برز اسم جاك سعدي، الشهير بلقب «سعادة»، وهو رجل أعمال لبناني من أصول سورية، هاجر إلى فرنسا هروبا من الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان سنة 1978، وفي مارسيليا بنى إمبراطوريته البحرية، وأصبح رئيسا مؤسسا لأول شركة للنقل البحري في فرنسا وثالث أكبر شركة في العالم تخصص نقل حاويات وصناعة السفن، لذا وصفته صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بـ«أسد البحار الحقيقي، والربان الذي لا ترقى إلى مهارته الشكوك». اشترى سعادة «كوماناف» سنة 2007، في إطار خوصصة قطاع الملاحة البحرية، ورغبة من الحكومة في إنقاذها.
دخلت «كوماناف» منعطفا خطيرا وزج بها في المحاكم، حين عين توفيق الإبراهيمي مديرا عاما لها، وهو الذي قال للمحققين خلال استنطاقه: «عقب أحد اللقاءات التي جمعت وزير النقل والتجهيز عزيز رباح بجاك سعادة، حاولت الحكومة انتشال الشركة من مأزقها، اتصل بي جاك وطلب مني القيام بتمثيله لدى السلطات الوصية لإيجاد حلول لإنقاذ المجموعة المذكورة، وناولني تفويضا كتابيا بذلك».
ومن بين الاقتراحات التي أوردها الإبراهيمي لانتشال الشركة من الغرق، أن يتم ضخ مبلغ مالي قدره 100 مليون درهم، يضاف إليه دعم بنكي بحوالي 200 مليون درهم، علاوة على مساعدة جاك سعادة والاعتماد عليه كزبون أساسي للشركة. وفي المقابل يقوم عبد المولى بتفويض التسيير المطلق للشركة لتوفيق الإبراهيمي، لمدة خمس سنوات.
تبين أن إثقال الشركة بالديون يجعل الإنقاذ مستحيلا، إذ أصبحت قيمة الفوائد المترتبة عن هذه الديون أكثر من 40 مليون درهم، الشيء الذي يفوق بكثير النتيجة المالية للشركة، ناهيك عن غياب خبير مختص في النقل البحري، خاصة بعد رحيل أولسن، المسير الحقيقي لشركة «كوماريت»، والتي عاشت معه أبهى أيامها، إضافة إلى كل بمختلف الموانئ الديون التي ترتبت على الشركة الأوروبية التي تتعامل معها، وهو ما دفع بإدارة هذه الموانئ إلى الحجز على أسطول شركتي «كوماريت» و«كوماناف»، بعدد من الموانئ الأوروبية كإسبانيا وفرنسا.
بواخر مغربية في المزاد العلني
بعدما خيم الإفلاس على شركتي «كوماريت» و«كوماناف»، التابعتين لعائلة عبد المولى، وعجزهما عن تسديد ديونهما، أعلنت السلطات المينائية بالجزيرة الخضراء عن تنظيم مزاد علني لبيع أربع بواخر في ملكية الشركتين، بعد انتهاء المدة القانونية لتصفية ديون الشركتين.
وذكرت السلطات المينائية للجزيرة الخضراء في بلاغ لها، أن «المزاد العلني يهم أربع بواخر، وهي: باخرة ابن بطوطة وباخرة المنصور، التابعتان لشركة «كوماناف فيري»، وباخرة بناسا والبوغاز، التابعتان لشركة «كوماريت»».
وأضاف البلاغ ذاته أن «الإجراءات القانونية لعرض هذه البواخر في المزاد العلني اتخذت منذ سنة، لكن بطء عملية إخراج السندات القانونية هو الذي أخر العملية».
وحذا القضاء الفرنسي حذو جاره الإسباني واستصدر قرارا بالحجز على مقر حزب العدالة والتنمية بطنجة، والذي تعود ملكيته أيضا إلى سمير عبد المولى، كما تم بيع باخرة «بلادي»، التابعة للشركة المغربية «كوماريت»، في المزاد العلني بمبلغ مليون أورو٬ بعدما قام القضاء الفرنسي بحجزها في يناير 2012 بميناء سيت جنوب فرنسا، بسبب عدم سداد ديون مستحقة عليها.
وبحسب الصحافة الفرنسية، فإنه بقرار من محكمة مونبوليي التي كانت قد أمرت بالحجز النهائي للباخرة٬ تم تحديد مبلغ البيع في 1,6 مليون أورو٬ غير أن مالك باخرة يوناني لم يتم الكشف عن هويته اشتراها في الأخير بمليون أورو.
وسيمكن هذا المبلغ من تعويض عدد من الدائنين ودفع الأجور المتأخرة للبحارة المغاربة، الذين ظلوا عالقين على متن باخرة «بلادي» في ميناء سيت.
وفي لفتة تضامنية مع البحارة المغاربة٬ تنازل مجلس إدارة ميناء سيت بالإجماع عن «الديون المستحقة للميناء لفائدة مستحقات البحارة» العاملين بالشركة المغربية٬ التي ما زالت باخرتان تابعتان لها (مراكش وبني نصار) عالقتين بأمر قضائي في الميناء نفسه. ويتعين أيضا سداد فواتير أخرى٬ سيما فواتير الوقود والإصلاحات.
وبعد حجز البواخر الثلاث٬ عهد منذ ماي 2012 بتأمين الربط البحري بين ميناء سيت وميناء طنجة المتوسط٬ والذي يشهد رواجا كبيرا من قبل المغاربة المقيمين بالخارج والسياح٬ إلى شركة «غراندي نافي فيلوشي» الايطالية وباخرتها الجديدة «لو ماجيستيك»، التي تبلغ طاقتها الاستيعابية 1200 مسافر.
باخرة «مراكش».. معشوقة الحسن الثاني العائمة
تدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس لإنقاذ الباخرة الشهيرة «مراكش»، التي كانت تحتجزها السلطات القضائية الفرنسية منذ عام 2011، في ميناء سيت، وذلك بعد عجز الشركة المغربية «كوماناف» التي كانت تسيرها عن تسديد ديونها، ليتم عرضها للبيع في مزاد علني في فرنسا بمبلغ لم يتجاوز 800 ألف أورو، بعد أن كانت تقوم في وقت سابق برحلات منتظمة بين مدينة طنجة ومدينة سيت، قبل أن تحجز في رصيف بالميناء الفرنسي.
وتعمد العاهل استرجاعها، لأنها طالما كانت مفضلة عند والده الراحل الحسن الثاني، حيث كانت تنقله إلى عدد من الدول العربية المجاورة كليبيا والجزائر، إضافة إلى اضطراره للإقامة فيها عدة مرات، في حال تأخر اجتماعاته في الدول المجاورة.
ارتبطت الباخرة «مراكش» بعدد من الأحداث التاريخية التي تناقلتها الأجيال ورواها عدد ممن رافقوا الحسن الثاني خلال هذه الرحلات، ومن بينها زيارته إلى ليبيا سنة 1989، لحضور احتفالات ثورة الفاتح التي أحياها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، حيث أقام الملك الراحل على متن الباخرة على امتداد أيام وجوده في طرابلس.
في سنة 1989، دعا الملك الحسن الثاني وزير الملاحة بن سالم الصميلي وكبار قادة أركان البحرية الملكية ومهندسي الاتصالات لاجتماع طارئ، تبين أنه يتعلق بالزيارة الرسمية التي سيقوم بها الملك إلى جماهيرية معمر القذافي على متن باخرة «مراكش». وضع المسؤولون بتنسيق مع إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق، والخفر الملكي تفاصيل الرحلة التي ستقود الملك من ميناء طنجة إلى ميناء طرابلس، لحضور احتفالات ثورة الفاتح التي كان العقيد معمر القذافي يقيمها سنويا.
كلف الحسن الثاني وزيره بن سالم بإعداد الباخرة وترتيب جميع مكونات الرحلة البحرية، رغم أن باخرة «مراكش» لم تكن تبحر صوب الشرق، حيث اعتادت قطع المسافة الرابطة بين سيت وطنجة.
تقول بعض الروايات إن الصميلي ظل يفكر طويلا في الرحلة، وانشغل بها كثيرا حتى في مجالسه، وبينما كان ضيفا على الدبلوماسي أحمد السنوسي، بحضور المستشار أحمد عواد، في دار السنوسي خلال حفل عشاء، كشف له هذا الأخير عن الأكلات المغربية التقليدية المفضلة للملك، ونصحه بأن يعد له «أمْلو والزيت البلدية والمسمن والبغرير».
في يوم الرحلة، سأل الملك وزيره عن الاستعدادات، فأجاب الصميلي بأن كل شيء على ما يرام، باستثناء «البغرير»، فضحك الحسن الثاني وسأل بنسالم عن صاحب المقلب الذي وقع فيه، فكشف له عن نصيحة السنوسي وحكاية «البغرير الملكي».
خلال الرحلة ظل وزير الملاحة يتحاشى لقاء الملك، الذي كان يردد على مسامع مرافقيه قصة «البغرير»، علما أن بن سالم كان من بين الوزراء الذين تحدث معهم الحسن الثاني في أمور كرة القدم، بحكم إشرافه في فترة من الفترات على نادي الوداد الرياضي، فضلا عن إلمامه بالفن والطرب، فشقيقه عبد الواحد كان من بين المطربين الذين يحرصون على صيانة الموروث الفني الشرقي الأصيل.
1356 أجيرا ينتظرون تنفيذ قرارات المحكمة
بعدما تسلل إلى قلوبهم اليأس، أطلق المتضررون ضحايا الأحكام القضائية المعلقة في مواجهة الدولة، عن ملف «كوماناف»، مبادرة «نداء لكل البحارة المغاربة»، متسائلين عن «مآل الأحكام النهائية نتيجة إفلاس شركات الملاحة بالمغرب؟». وهو النداء الذي يهم شريحة الملاحين رجال البحر، الذين يتوفرون على أحكام قضائية نهائية من لدن المحاكم المغربية في قضية تسريح عمال «كوماناف» و«كوماناف فيري»، على إثر إفلاس الشركتين.
وقال الملازم محمد عدنان وازين، في تصريح تناقلته وسائل الإعلام، إنه وكثير من زملائه الملاحين الذين اشتغلوا لحساب شركة «كوماناف»، قبل أن تشهر إفلاسها، تم تسريحهم دون تسوية نهائية للملف، ما دفعهم إلى اللجوء للقضاء عبر جميع أسلاكه إلى حين صدور حكم نهائي، غير أن التنفيذ بقي معلقا.
وطالب المكتب الوطني للملاحة التجارية، المنضوي تحت لواء الاتحاد الديمقراطي للنقابات بالمغرب، بالتصعيد عبر وقفات احتجاجية أمام مقر الشركة، التي تسلمت مقر «سي ما» و«سي جي إم»، بعد خوصصة شركة «كوماناف»، داعيا إلى وقف نزيف تشريد 1356 أجيرا.
وذكر المكتب النقابي بمقتضيات المادة 5 من القانون رقم 39- 89 المتعلق بالخوصصة، والذي ينص على ضرورة الحفاظ على مكاسب التشغيل، بالإضافة إلى المادة 23 من المرسوم التطبيقي رقم 402. 90. 2 المتعلق بالمادة 5 من القانون رقم 39- 89، المأذون بموجبه تحويل المنشآت العامة إلى خاصة، ويبين وبجلاء إمكانية اتخاذ قرار ضد المشتري، في حال تنصله من عهد الاحتفاظ باليد العاملة.
وطالب المتضررون بتسوية عاجلة لملفات الأجراء وذوي حقوقهم، وباسترجاع مناصب عمل الشغيلة التي فقدت عملها بسبب الخوصصة، مع الحفاظ على المكتسبات المنصوص عليها في الاتفاقية الجماعية التي تضمن تطبيقها مدونة الشغل.
هكذا تأسست الشركة الفرنسية الشريفة للملاحة
في الخامس من شهر غشت 1946 تم تأسيس الشركة الفرنسية الشريفة للملاحة، برأسمال قدره 50 مليون فرنك فرنسي. وحسب «لوموند ديبلوماتيك»، فإن الرأسمال تم بمساهمات متعددة:
الرأسمال الفرنسي 76,5 في المائة.
صندوق الودائع 16.5 في المائة.
شركة «ترانس أتلنتيك» 34 في المائة.
شركة «باكي للملاحة» 13 في المائة.
بنك روتشيلد البريطاني 13 في المائة.
رؤوس أموال مغربية 23.5 في المائة.
الحكومة الشريفة 16.5 في المائة.
مساهمات مستثمرين مغاربة 7 في المائة.
في 30 دجنبر 1958 جرى تأميم الشركة وأصبحت «كوماناف» مغربية، ما اضطر الحكومة في بدايتها إلى البحث عن قروض لشراء سفن جديدة على غرار بواخر: أطلس وموريتانيا وتوبقال والشاون وكتامة.
الحصص بعد التأميم:
المملكة المغربية 55 في المائة.
شركة «ترانس أتلنتيك» 15 في المائة.
بنك روتشيلد البريطاني 10 في المائة
شركة «باكي للملاحة» 10 في المائة.
شركة التدبير والتسليح 10 في المائة.
المصدر: «لوموند ديبلوماتيك»