كول مع الديب وبكي مع السارح
منذ اندلاع أحداث الحسيمة ومنظرو وصيارفة الحزب الحاكم يروجون فكرة مفادها أن ما حدث بالريف لم يكن ليحدث لو لم يتم إعفاء عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة.
بمعنى أنكم إذا أردتم أن يهدأ الريف فما عليكم سوى إعادة بنكيران إلى منصبه، وفي هذا الإطار يندرج استقبال بنكيران لوالدي ناصر الزفزافي متزعم حراك الريف.
وأنا أريد أن أوجه نصيحة مجرب إلى والدي الزفزافي، حتى لا تنطلي عليهما الحيلة ويقعا في الفخ نفسه الذي وقعت فيه سنة 2011.
لقد تبنى بنكيران وحزبه عندما كانوا في المعارضة قضيتي عندما تم اعتقالي والحكم علي بسنة سجنا بسبب كتاباتي، وبمجرد ما استعملوا ملفي في الحملة الانتخابية وجنوا من ورائه الدعم والتعاطف الذي كانوا يبحثون عنه واستطاعوا الفوز في الانتخابات والوصول إلى رئاسة الحكومة حتى أصبحوا يقولون لكل من يسألهم عن ملفي إن مشكلتي توجد مع الدولة ولا شأن لهم بها ولا يملكون لي شيئا.
ولذلك فبنكيران اليوم بحاجة إلى مصعد يرتقي به إلى المكان الذي كان يحتله ولن يجد أفضل من ملف الزفزافي، وبمجرد ما سيقضي به «الغرض» سيقول لوالدي الزفزافي إن ولدهم معتقل لدى الدولة وليس لديه ما يفعله من أجله.
بنكيران سياسي يقود حزبا سياسيا وليس منظمة حقوقية أو مكتب محاماة، ولذلك فهو يبحث عن أي شيء يستطيع أن يركب عليه لتحقيق مطامحه السياسية ورد الصاع صاعين للذين همشوه وتخلوا عنه.
ولذلك فنصيحتي لوالدي الزفزافي، كما لوالدي جميع المعتقلين، هي أن يكلفوا محامين أكفاء من أولئك الذين لا يتسابقون نحو الميكروفونات والكاميرات لإعطاء التصريحات الجوفاء، والذين يجيدون الترافع في القانون أمام هيئة المحكمة وليس الترافع خارج المحكمة أمام ميكروفونات المواقع الباحثة عن الإثارة، لكي يكلفوهم بالترافع عن أبنائهم دون مزايدات أو بحث عن الشهرة على ظهر المعتقلين.
واليوم يحاول حزب العدالة والتنمية تصريف أزمته الداخلية الناتجة عن الصراعات حول المناصب والكراسي الحكومية، بعد تشكيل حكومة العثماني، من خلال استغلال والركوب على الاحتجاجات التي تعرفها مدينة الحسيمة وبعض المدن الأخرى، وعوض تحمل مسؤوليتهم يحاول قادة الحزب الذي يقود الحكومة ويترأس أغلب المدن الكبرى التي تعرف احتجاجات، يحاولون تأجيج الوضع وإغراق الدولة وإحراجها وإنهاكها.
ويتضح ذلك من خلال إصرار فريقي الحزب بمجلسي النواب والمستشارين على استدعاء وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، لتصفية الحسابات السياسية للحزب معه داخل البرلمان، عوض مساءلة رئيس الحكومة المسؤول عن كافة القطاعات الحكومية التي تشرف على مختلف المشاريع بالإقليم وبمنطقة الريف بشكل عام، كما أصدر الحزب بلاغا مشتركا إلى جانب حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، تم من خلاله تحميل المسؤولية لوزير الداخلية في «جر المنطقة والبلاد إلى المجهول»، كما عبرت الأحزاب الثلاثة عن رفضها للمقاربة الأمنية التي تنهجها الدولة بالإقليم.
وأخطر من ذلك، قام الحزب بتحريض عائلات المعتقلين على خلفية الأحداث التي شهدتها المدينة، بحيث حرض نبيل الأندلوسي، عضو فريق الحزب الحاكم بمجلس المستشارين، أسر المعتقلين على الاحتجاج أمام مكتب الوكيل العام للملك، للسؤال عن أماكن تواجد أبنائهم، واعتبر هذا البرلماني أن المعتقلين الذي تم نقلهم إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، التي تشرف على عملية التحقيق، أنهم في حالة اختطاف، محملا المسؤولية للدولة، رغم أن عملية التحقيق تتم تحت إشراف النيابة العامة، كما أن هذا البرلماني استهان ببيان الوكيل العام الذي أخبر من خلاله الرأي العام عن عدد المعتقلين وأماكن تواجدهم رهن الحراسة النظرية، لكن هذا البرلماني تحدث عن اختطاف، وقال ذلك في جلسة برلمانية بمجلس المستشارين كانت منقولة مباشرة على القنوات التلفزيونية.
أما رئيس الفريق البرلماني للحزب بالغرفة الثانية، نبيل الشيخي، فقد شكك في المعطيات الواردة في بلاغ النيابة العامة، ومنها شبهة استلام المشتبه فيهم تحويلات مالية ودعم لوجستيكي من الخارج بغرض القيام بأنشطة دعائية من شأنها المساس بوحدة المملكة وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي فضلا عن إهانة ومعاداة رموز المملكة في تجمعات عامة، واستبق الشيخي نتائج التحقيق الذي تقوم به الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وشكك في وجود علاقة للمتهمين مع الخارج، كما تساءل عن مصدر التحويلات المالية وطبيعتها الجرمية، كما وجه اتهامات للسلطة باستغلال المساجد بطريقة استفزازية، كما وصف الاعتقالات التي تمت تحت إشراف النيابة العامة، بأنها تمت بطريقة عشوائية تمس بالحقوق الأساسية للمعتقلين، ولا تحترم الضمانات المكفولة لهم قانونا، وتحدث عن وجود آثار التعنيف والتعذيب على أجسادهم أثناء تقديمهم للمحاكمة، رغم أن المعتقلين مازالوا رهن الحراسة النظرية في إطار التحقيق التمهيدي ولم يمثلوا بعد أمام قاضي التحقيق فبالأحرى جلسة المحاكمة.
كما شارك أعضاء وقياديون بحزب العدالة والتنمية ومنهم برلمانيون ومستشارون جماعيون، في الوقفات الاحتجاجية التي عرفتها العديد من المدن المغربية، في إطار ما يسميه «معارضة الشارع» رغم أنه يقود الحكومة ويشرف على تسيير أغلب المجالس الجماعية بالمدن الكبرى، كما تخوض الخلايا الإلكترونية للحزب حملة ضروسا ضد الدولة، والدفع بالسكان للخروج والقيام بوقفات احتجاجية تضامنية مع سكان الريف، وعائلات الموقوفين على ذمة الأحداث التي تعيشها المدينة، منذ إيقاف متزعمي الحراك.
مشاركة الحزب في الاحتجاجات بمنطق «كول مع الديب وبكي مع السارح» أثارت الكثير من التساؤلات، خاصة أن رئيس الحكومة السابق والأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، كان يهدد في خطاباته السابقة بورقة الاحتجاج في الشارع، لممارسة الضغط وابتزاز الدولة، قبل عزله من منصبه، والمثير أيضا في سلوك بنكيران هو أنه عندما كان رئيسا للحكومة كان يصدر توجيهات لأتباعه وكتائبه، بصفته أمين عام الحزب، بعدم المشاركة في أي وقفة احتجاجية كيفما كانت مطالبها، لكنه الآن وأمام حدة الاحتجاجات، لم يصدر منه أي توجيه بهذا الخصوص، وبذلك فهو يعطي لأعضاء حزبه إشارة الضوء الأخضر للمشاركة في هذه الاحتجاجات والخروج إلى الشارع.
وبمدينة طنجة، التي شهدت تنظيم وقفة احتجاجية، قاد محمد خيي البرلماني ورئيس المجلس الجماعي لمنطقة بني مكادة بطنجة، حملة إلكترونية ضد الدولة بشكل عام ووزارة الداخلية بشكل خاص، من خلال مهاجمته للسلطات واتهمها بتسخير غرباء ومجهولين بهدف إجهاض وقفة احتجاجية نظمت ليلة الأحد المنصرم، بساحة الأمم المتحدة، في وقت كان من الأجدر بمثل هؤلاء المسؤولين تهدئة الأوضاع نظرا إلى المنعرج الخطير الذي تعيشه المنطقة، إذ يساهمون في صب الزيت فوق النار وشحن السكان ضد الدولة، والكل يتذكر صمت منتخبي وبرلمانيي «البيجيدي»، عندما كانت مدينة طنجة تعرف اندلاع «انتفاضة الشموع» ضد الشركة الفرنسية المفوض لها تدبير قطاعي الماء والكهرباء إبان سنة 2015، حيث هاجم المسؤولون أنفسهم السكان الذين وصفوهم بقيادتهم للفتنة ضد المدينة، كما قاد المنتخبون أنفسهم حملة ضد سكان عاصمة البوغاز، نتيجة خروجهم للتظاهر ضد الشركة الفرنسية، التي وجهت صفعة لـ»البيجيدي» بمقاطعة أنشطة المجالس الجماعية غداة الانتخابات التشريعية الأخيرة.
السياسيون هم أكبر من يمارس رياضة ركوب الأمواج، وما يحدث في الحسيمة موجة مثالية لبعض السياسيين الذين يبحثون عن لي ذراع الدولة لاستعادة مواقعهم الضائعة والعودة إلى الأضواء.
تقول الحكاية إنه في إحدى المقابر المغربية كان نفر من المشيعين يدفنون أحد أموات المسلمين، فمر بالقرب منهم أحد العابرين وسألهم من يكون الميت، فأجابه أحدهم بأنه سياسي نظيف.
فابتسم مستغربا وسألهم كيف تدفنون رجلين في قبر واحد ؟ فأجابوه مندهشين من كلامه بأنهم لا يدفنون رجلين في قبر واحد وإنما رجلا واحدا فقط. فقال لهم إن الرجل في المغرب لا يمكن أن يكون سياسيا ونظيفا في الوقت نفسه.