شوف تشوف

الرأيتقاريرمجتمع

كوسطة يا وطن

حسن البصري

مقالات ذات صلة

 

من بين ضحايا حادثة السير المأساوية، التي عرفتها ضاحية خريبكة، لاعب ناشئ كان يحمل في حقيبته الرياضية حلم الانضمام إلى فريق اتحاد الفقيه بن صالح، قبل أن يجد نفسه ملفوفا في الجبس الطبي، فيما ماتت السيدة التي كانت تجلس إلى جانبه وتمطره بدعواتها.

كان الولد يحمل أحلامه بين يديه، فداس عليها سائق الحافلة في لحظة تهور، ليرديها قتيلة قبل أن تحلق فوق سماء الملعب. في موقع الحادثة عثر على حقيبة يدوية، بها حذاء وقميص وجوارب.

حين استفاق من غيبوبته اطمأن على يسراه التي يعول عليها في البحث عن لقمة عيش، قبل أن يسأل عن هاتفه المحمول وحقيبته وعن السيدة العجوز التي كانت تجلس بجانبه.

آمن الولد أن اختيار الطريق قبل الفريق أحيانا، وشكر الله لتخلف صديقه عن رحلة الموت ونجاته من فاجعة بولنوار، وقرر الاعتزال المبكر للكرة إلى أن يصلح حال حافلاتنا وطرقنا.

أصدر الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، وهو في عز عطلته، بيانا يدعو فيه إلى مساءلة وزير النقل ومدير الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، فبيانات الاستنكار أضحت فرض عين في قبة البرلمان.

في مثل هذه المواقف يتم تعيين لجنة لتقصي الحقائق، وتتحول إلى خلية أزمة، تعيد استنساخ بيانات حوادث مماثلة، ثم ينتهي كل شيء إلى النسيان.

في موتهم، يمتاز الرياضيون عن باقي الأموات، تخصص لهم دقيقة من عمر أول مباراة، يقرأ فيها اللاعبون الفاتحة على روح الفقيد، ثم تعلن صافرة الحكم عن استمرار الحياة.

في فاجعة طانطان سنة 2015، التهمت ألسنة النيران حافلة كان في جوفها لاعبون ناشئون يلفون أعناقهم بميداليات، تفحمت أجسادهم وسط مدربهم البطل العالمي لحسن اسنكار، سجلت الجريمة ضد مجهول، وفي اليوم الموالي أصدر مجلس النواب بيان عزاء ووعد بتعيين فرقة تحقيق خاصة حلت بوادي شبيكة، وسجلت الجريمة ضد مجهول. في السنة نفسها فازت أغنية «بغينا السلامة» بجائزة السلامة الطرقية، ورقص الحاضرون على إيقاعاتها.

ما ميز هذه اللجنة عن باقي اللجان أن أعضاءها اتفقوا على وضع صورة المحرقة في بروفايلات هواتفهم الذكية، وتنافسوا على نشر التعابير المشيعة لأرواح فتيان سكنهم حلم البطولة، وأصدروا توصية شديدة اللهجة للرياضيين يدعونهم لحمل أكفانهم في حقائب السفر، ومن لم يفعل فلن تقبل منه شكاية.

فقدت الرياضة المغربية عشرات النجوم ومشاريع أبطال، بسبب حرب الطرقات التي تحصد الأرواح بشكل يومي، أسماء رحلت في عز شبابها وأخرى ماتت فور اعتزالها، فكان نصيبها تعزية ودقيقة صمت.

يموت الرياضيون البسطاء في حوادث البر، ويقضي مسؤولو الرياضة حتفهم في حوادث الجو، قد نسائل ديمقراطية الموت، لماذا مات وزير الرياضة الأسبق منير الدكالي في مطار روما، ومات البطل العالمي سيردان، حين اصطدمت طائرته بصخرة جبل طارق؟ وحين يموتون في حوادث سير طرقية، يقال إن الحادث مفتعل.

في ذكرى اليوم الوطني لسلامة الطرقات، يتلقى الأطفال دروسا في احترام قانون السير، ولسان حالهم يقول: «فهمنا مداخلاتكم، لكن هل فهم السائقون والمسؤولون عن الطرقات وأساطيل الحافلات واستوعبوا الدرس؟».

لا فرق بين ميت وميت إلا بمراسيم التأبين وممون الحفلات. لا فرق بين ضحايا حوادث السير، إلا في وسيلة النقل، فحوادث «الكيران» للبسطاء، مهما كتب على ظهر الحافلات من عبارات توهم الركاب بسفر على جناح السلامة، قبل أن ينكسر الجناح عند أول منعرج.

ذات يوم دعا عزيز رباح، حين كان وزيرا للنقل، عددا من الفنانين واقترح عليهم الانخراط في حملة تحسيسية للحد من حوادث السير، وبعد أيام نجت عائلة فنان من الموت في جوف حافلة.

نادرا ما يتغنى الفنانون بموت الطرقات، وحدها العيطة خلدت فاجعة حافلة «نقل عريبات»، حين قالت:

«شيفور عريبات الله يرحمو مات».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى