أثار تصريح الوزير المنتدب في النقل، نجيب بوليف، بخصوص البحث عن ربان قادر على قيادة سفينة المنتخب الوطني مكان بادو الزاكي، ما لم يثره تصريح بنكيران عندما وصف إلياس العماري رئيس جهة الشمال بالبانضي.
ورغم أن ما قاله بنكيران خطير فعلا، حيث إن رئيس الحكومة يقول لنا إن رئيس الجهة الذي كان يخطب أمام الملك في الحسيمة بمناسبة أداء رؤساء الجهات للقسم، «بانضي»، وهي المناسبة التي غاب عنها بنكيران، إلا أن شيئا لم يحدث، وكأن كلمة «بانضي» التي تعني بالفرنسية اللص وقاطع الطريق، هي في الحقيقة كلمة للمدح وليس للقدح.
ويبدو أن الوزير المنتدب في حوادث السير ترك قطاع النقل ومشاكله التي لا تعد ولا تحصى، وحشر أنفه في مشاكل جامعة الكرة ومدربها الشبح الذي يتقاضى ثلاثين مليونا في الشهر دون أن يحرز أي نصر في أية مباراة.
أعتقد جازما أن ملايين المغاربة شعروا بعد نهاية مباراة المنتخب المغربي ضد نظيره الغيني، بوخز مؤلم في جانبهم الأيسر، تماما مثلما حدث مع الوزير بوليف، الذي نخشى على صحته حتى لا يقع له ما وقع له قبل سنتين واضطر إلى دخول المستشفى العسكري بالرباط.
وطبيعي جدا أن يشعر المغاربة بالوخز، فكل الذين تابعوا مباراة المنتخب الوطني ضد المنتخب الغيني عانوا من ارتفاع معدل ضربات القلب طيلة ساعتين ووجدوا أنفسهم يقشرون فصوص الثوم ليأكلوا بعضها حتى ينزل ضغطهم، ومنهم من سيضع حبتي الثوم في أذنيه حتى يزول عنهما ذلك الطنين المزعج الذي يشبه طنين النحل.
وشخصيا أتجنب متابعة مباريات الفريق الوطني لهذا السبب بالضبط. فكنت كلما تابعت إحدى مبارياته في الماضي أشعر بقلبي يكاد يخرج من مكانه، وأشعر بقطرات العرق الباردة تنزل من ظهري، مع أن المفروض أن يعرق لاعبو المنتخب وليس أنا، وأكتشف أن قبضة يدي مشدودة وكأنني أخوض مباراة غير منظورة في الملاكمة مع أشباح يتقافزون أمامي.
فقلت مع نفسي ذات يوم «ومالي أنا على حالتي، غادي نبقا تابع هادو حتى شي نهار يشدني بوفالج»، وقررت أن أنقطع عن مشاهدة مباريات المنتخب الوطني، وأن أكتفي بالنتائج في التلفزيون. والحمد لله «من ديك الساعة وليت لاباس».
وأعتقد أن المشاركة الأخيرة للمنتخب المغربي ضد منتخب غينيا أعطت الدليل القاطع على أن الكرة المغربية تعاني من ضعف مزمن، وأنها أصبحت خطرا على المغاربة، لأن مشاهدة مباريات المنتخب أصبحت تشكل تهديدا للصحة العامة. ولست أنا من يقول هذا بل تقوله أحدث دراسة علمية ألمانية بمستشفى ميونيخ الجامعي أجريت خلال مونديال صيف 2006، وأثبتت أن الأهداف التي سجلت في مرمى الألمان أو سجلوها هم في مرمى الآخرين قد حطمت قلوب البعض بسبب التوتر الذي يشد المتفرجين ويؤدي إلى زيادة مخاطر الجلطات الدموية وارتفاع مريب في دقات القلب وارتفاع ضغط الدم. وحسب الدراسة، فإن الجلطات القلبية تتركز خصوصا أثناء تنفيذ ضربات الجزاء، فهي الأخطر من غيرها على قلوب المشجعين.
المشكلة أن ارتفاع الضغط الدموي الذي يصاب به المغاربة عندما يتفرجون على كوارث المنتخب الوطني، تكون له أعراض جانبية أخرى زيادة على «طلوع الدم». فقد سبق وأن كشف مدير العمليات الطبية بمختبرات «فايزر» بالمغرب، عن رقم مذهل للمغاربة المصابين بالعجز الجنسي، والذين وصل عددهم إلى ثلاثة ملايين مغربي. والسبب، حسب الأخصائيين، يرجع إلى مخلفات داء السكري، الناتجة عن ارتفاع الضغط الدموي والاكتئاب والتدخين وإدمان الكحول.
وحسب دراسة المختبر الأمريكي، فالمغاربة المصابون بالعجز الجنسي يتضاعفون، وهذا طبيعي بالنظر إلى كل الكوارث الاجتماعية والسياسية والرياضية التي تحدث في المغرب كل يوم.
لكن رغم كل الكوارث فكرة القدم تحتل مركز الصدارة في اهتمام الشعب، فهي المخدر الأكثر قدرة على «تبنيج» العقول، ولذلك فالسياسيون يتنافسون عليها ويبحثون لكي يجعلوا من هذه الرياضة، وجمهورها تحديدا، سندا لهم في حروبهم الحزبية.
قصة الحب بين الكرة والسياسيين ليست وليدة اليوم، فقد كانت الرياضة وكرة القدم باعتبارها اللعبة الأكثر قربا من الشعب، في نهاية القرن الماضي، تنسج علاقات الحب مع المخزن وتتبادل النظرة والابتسامة مع السلطة الحاكمة. إذ كان رجالات المخزن يتحصنون بالفرق الرياضية ويحولون قلاعها إلى ما يشبه الثكنات.
هكذا أصبح لكل مسؤول أمني فريقه الذي لا يقهر، يرعب عمال الأقاليم قبل الخصوم ويتسابق المنتخبون لاستضافة لاعبيه خوفا من غضبات سلطة فيها بأس شديد.
بنى إدريس البصري فريق النهضة السطاتية، أو كما كان يحلو له تدليعه باسم «النهيضة»، وحوله إلى نادٍ محصن ضد غارات الحكام، ومنحه مستشهرا كبيرا من قيمة «الخطوط الجوية الملكية»، ووظف عددا من لاعبيه في سلك الشرطة.
أما الجنرال الدليمي فقد حول فريق اتحاد سيدي قاسم إلى ملحقة أمنية، وكلف والده لحسن برعاية فريق أرعب الجميع لأن راعيه الرسمي اسمه الدليمي، إلى درجة أن الحكام كانوا يصابون برعب ظاهر كلما عينتهم الجامعة لمباراة في الملعب البلدي لسيدي قاسم.
أسس محمد المديوري قلعته الرياضية في مراكش، وأصبح رئيسا للمكتب المديري للكوكب، وألحق لاعبين بمدرسة الشرطة، كما حول الجمهور إلى أنصار مهادنين يرددون كلما حل المديوري بملعب الحارثي أغنية «أمراكش أسيدي كلو فارح بيك»، وهي أغنية كان المقصود بها الحسن الثاني.
في السياق ذاته، أعد محمود عرشان فريق الاتحاد الزموري للخميسات بخلطة بوليسية، وقس على ذلك من التحصينات الرياضية لرجال الأمن.
تغيرت الأمور في عهد الملك محمد السادس، غادر الجنرال حسني بنسليمان رئاسة الجامعة الملكية لكرة القدم، وغادر بعده ساعده الأيمن الجنرال مصمم الكرة وجهاز الدرك، وأصبح الزعماء السياسيون يبحثون عن موقع في مدرجات الملاعب، ويسابقون الزمن من أجل كسب جمهور خام له قابلية غريبة لارتداء لون سياسي دون التفريط طبعا في لونه الرياضي.
حاول حزب الاستقلال ضم نجوم الرياضة المغربية ومنح شباط بطاقة العضوية لهشام الكروج، أملا في الركض نحو كراسي الحكومة، قبل أن يكتشف أن الرياضات الفردية كالجري لا توفر قواعد جماهيرية كالكرة، لذا انفتح على المغرب الفاسي وجر رئيسه السابق مروان بناني قبل أن يكتشف أن رجل الصفقات والتعشير لا يدخل السياسة بدون رسوم. فكانت الوجهة الاستقلالية نحو تطوان لجر آل أبرون إلى ملاعب السياسة واستثمارالجمهور الواسع للمغرب التطواني، رغم أن تطوان كانت تاريخيا من قلاع حزب الشورى والاستقلال.
ظل الرجاء البيضاوي محسوبا على الاتحاد الدستوري لسنوات، فالمعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي ومحمد فردوس ومحمد أبيض، أعادوا طلاء جدران الرجاء باللون البرتقالي، ونظفوا الرجاء مما تبقى من شوريين زرعهم الرئيس السابق للفريق عبد الواحد معش الأمين العام السابق.
الرجاء اليوم يحكمه في الكواليس «طاشرونات» يترددون في الولاء لهذا الحزب أو ذاك، لا يحسمون الانتماء إلا مع الاستحقاقات الانتخابية، بعد أن ظلوا يفاضلون بين حزب «البام» والتجمع الوطني للأحرار الذي يقوده رجاوي سابق اسمه صلاح الدين مزوار، ويتواجد في مكتبه التنفيذي وزيران سابقان للرياضة نوال المتوكل ومنصف بلخياط.
لكن الرجاء هو أقرب إلى النقابة من الحزب، حيث تأسس من طرف قيادة «ليمتي»، وكان اللاعبون يتنقلون إلى المدن البعيدة عبر حافلة النقابة، ويقضون لياليهم في فنادق تابعة للأعمال الاجتماعية لشركات تشكل الذراع النقابي للاتحاد العام.
أما الوداد الذي كان اسمه مرتبطا بحزبي الاستقلال والشورى، فقد ركب صهوة الأصالة والمعاصرة بوجود أربعة مسيرين لهم حضور وازن في تنظيمات هذا الحزب، بل إن أبرز مستشهريه لهم علاقة بالأصالة والمعاصرة.
لهذا نفهم لماذا يترك وزير في الحكومة أشغاله كلها لكي يتفرج على مباراة في كرة القدم ويعلق عليها في صفحته الفيسبوكية المليئة بالمواعظ الدينية، ويطالب برحيل مدرب المنتخب، ويصف اللاعبين بالأشخاص الذين يدخلون المعلب للسياحة وليس للعب.
فكرة القدم ليس رياضة بل هي فن إجادة سياسة «كور وعطي لعور» في نهاية المطاف، هناك اللاعبون وهناك الجمهور، وهناك الصفقات التي تعقد وراء ظهر الجمهور واللاعبين.