اضطراب توهم المرض هو أحد الاضطرابات النفسية الصعبة التي تصيب بعض الأشخاص بسبب بعض العوامل. واضطراب المرض هو حالة تسبب الشعور بالإصابة بمرض ما، وهو شعور غير صحيح بالطبع لهذا يسمى «اضطراب توهم المرض»، بحيث يشعر الشخص بأنه يعاني من حالة مرضية ودائما ما يرغب في زيارة الطبيب بل ويشعر بالراحة إذا أخبره الطبيب أنه مصاب، ولا يكون في أحسن أحواله في حال أخبره الطبيب أنه لا يعاني من أي مرض.
اضطراب توهم المرض يحمل اسما طبيا آخر هو «الاضطراب الجسدي الكامل»، وكما ذكرنا فإن الشخص يشعر بأنه مصاب بمرض خطير للغاية، أو أنه سيصاب به مستقبلا، ودائما ما يعيش في حالة نفسية سيئة ظنا منه أنه مصاب بأحد الأمراض. وهو ما يفسر زياراته المتكررة للأطباء والمعالجين وبحثه الدائم عن الاستشارات الطبية، إذ إنه كلما أخبره الطبيب أنه لا يعاني من أي مرض، يشعر بأن هذا الأخير يخفي عنه الحقيقة، لهذا تجده دائما يبحث عن جواب شاف وكاف يشرح حالته المرضية ويعطيها تعريفا، ودائما ما يشعر بأن مرضه الخطير لم يتم اكتشافه بعد.
الاضطراب الجسدي الكامل
اسم الاضطراب الجسدي الكامل لم يأت من فراغ بل جاء من بعض الخصائص التي يحملها المرض بعينه، وبعض الأعراض التي تميز المرض النفسي هذا عن أمراض نفسية أخرى، أن المريض دائما تجده يبحث في جسده عن بعض علامات المرض أو عن علامات خطيرة تؤكد له أنه مصاب بمرض خطير ودائما ما تجده يقلق من أشياء بسيطة جدا قد تظهر على جسده، ناهيك عن أن هذا المريض دائما ما يبحث عن المعلومات المتعلقة بأشياء يشك بأنه مصاب بها، إما في النت أو في الكتب الطبية وغيرها. وعلى العموم، فالمريض يعتقد دائما أنه مصاب بمرض جسدي، وبالتالي فكل علامة بالنسبة له هي علامة مرضية وعليه مراجعة الطبيب على الفور.
علاقة الفيروس بالتوهم
من بين أكثر الأعراض الظاهرة التي يشعر بها المريض النفسي المصاب بتوهم المرض، شعوره الدائم والمستمر بأنه، لا محالة، يعاني من مرض خطير، وأن أي وباء أو مرض انتشر في المجتمع كيفما كان نوعه، وأن أي تفش لمرض أو وباء، فهو، لا شك، يدخل في خانة المرضى والمصابين.
وهي الحالة نفسها بالنسبة لتفشي وباء «كورونا» اليوم، حيث إن المرضى المصابين بحالة توهم المرض وجدوا أنفسهم يعيشون حالة نفسية جد صعبة وجد مضطربة، لأنهم يشعرون بأنهم مهددون أو مصابون بالفيروس بالرغم من التزامهم الكامل والكلي بإجراءات الحجر الطبي..، ليس هذا فحسب، بل تجدهم أكثر الأشخاص عناية بصحتهم ويهتمون بغسل أيديهم والتعقيم الكلي، ويحاولون ما أمكن أن يلتزموا بشروط الحماية، لكنهم مع ذلك يعيشون صراعا نفسيا خطيرا جدا، إذ يشعرون بأنهم مصابون ودائما تجدهم يتصلون بأرقام الطوارئ للإبلاغ عن حالتهم. أما في حال قاموا بالعطس أو السعال أو لمس أي سطح كيفما كان، فمباشرة بعدها يعتقدون بأنهم أصيبوا بالعدوى وبأنهم حاملون للفيروس.
دائما ما تجد هؤلاء يحاولون الانعزال عن الآخرين حتى لا يصابوا بالعدوى. بل أكثر من هذا دائما ما تجدهم يشعرون بالأعراض نفسها التي تتحدث عنها جميع وسائل الإعلام والأطباء الخاصة بالمرض، يشعرون بها كما لو أنهم فعلا مصابون، وذلك راجع بالأساس لكونهم يتوهمون إصابتهم بالمرض، فيبحثون في النت عن جميع الأخبار المتعلقة بالفيروس وكل الأعراض الظاهرة والنادرة وغير الظاهرة، مثلا خلال الحديث عن ظهور أعراض تشمل فقدان حاستي الشم والذوق، ستجد منهم من يعتقد أنه فقد حاستي الشم والذوق، وفجأة يشعر بأنه يحمل الأعراض، وبالتالي يعتقد بشكل ملموس بأنه مصاب.
المرض والقلق
توهم المرض مرض نفسي منفصل كليا عن اضطرابات القلق، ولكن دائما ما تجد أن الأشخاص المصابين بتوهم المرض أشخاص قلقون للغاية، فمثلا عند ظهور وباء كورونا، وانتشاره بهذا الشكل الكبير وغير المسبوق في العالم، أصيب الكثير من الأشخاص بالقلق، وهو أمر طبيعي كرد فعل نفسي وكشكل من أشكال الخوف على النفس والغير، ولكن المصابين بتوهم المرض يصابون في العادة بقلق كبير جدا عند انتشار الأوبئة، لأنه دائما تسيطر عليهم فكرة أنهم مصابون بالمرض ودائما ما يشعرون بأنهم مرضى، وبالتالي فلا يمكن أبدا التخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يشعرون به، حتى وإن تم التأكيد على أنهم لا يحملون الفيروس، لكنهم يشككون دائما في النتائج والتحاليل.
إن هؤلاء الأشخاص المصابين بهذه الحالة المرضية النفسية الصعبة، يشعرون، غالبا، في هذا الوقت من انتشار الوباء، بأنهم ليسوا في حالتهم الطبيعية، وكما ذكرنا فحتى إن كانت استشاراتهم الطبية أكدت لهم مرارا وتكرارا أنهم ليسوا مرضى، فهم لا يصدقون ذلك وحتى إن قاموا بالتحاليل يشعرون بالفعل بأنهم مرضى ويكذبون التقارير الطبية ويصدقون حالتهم النفسية، ودائما ما تكون استشاراتهم الطبية متكررة.
وعموما غالبا ما تجد هؤلاء الأشخاص يبحثون عمن يؤكد مرضهم، ولا يشعرون أبدا بالراحة عندما يخبرهم الطبيب أنهم غير مرضى، بل يبحثون عن طبيب يؤكد لهم أنهم مصابون بالعدوى، ولأنهم اليوم غير قادرين على زيارة الطبيب بشكل متكرر، فإن سبيلهم الوحيد لتأكيد مرضهم هو الاتصال المتكرر بالأرقام التي وضعتها الحكومات في العديد من الدول، ليقوم المرضى أو عائلاتهم أو المشكوك في إصابتهم بالاتصال بأرقام الطوارئ للتأكد من إصابتهم بالعدوى، وفي حال لم يتم تحقيق رغبتهم يكررون الاتصال دون توقف للبحث عمن يخبرهم أنهم فعلا مرضى.
عواقب نفسية
يعيش المصابون بتوهم المرض في هذه الفترة العصيبة بالذات حالة نفسية صعبة للغاية، حيث يعيشون دائما تحت ضغط نفسي كبير جدا لأنهم يعتقدون بأنه لم يتم الاهتمام بهم طبيا وأنه تم إهمال حالتهم النفسية والصحية، كما يشعرون دائما بأن الطبيب أهملهم ولم يمنحهم العلاج اللازم الذي يحتاجونه، وأنهم سيكونون عرضة للوفاة بسبب خطأ طبي أو استشارة طبية خاطئة، واليوم يعتقد هؤلاء المرضى بأن هذا الفيروس القاتل سيفتك بحياتهم.
دور الأسرة
للأسرة دور كبير في التخفيف عن مرضاهم، بحيث يحتاج المريض في الغالب إلى الدعم الأسري للتخفيف عنه، ويجب على الأسرة أن تحاول أن لا تهول من الأمر أمامه بالحديث عن الوباء وعن انتشاره الكبير وعدد الوفيات والإصابات في العالم. وفي المقابل، من المهم أن تعمد إلى طمأنته حول الوضع وإخباره أن التواجد في المنزل والالتزام بالحجر الصحي أمر كاف للتخفيف من انتشار المرض، وأنه في حال الالتزام بشروط النظافة يكون الشخص قد حمى نفسه ومن حوله من العدوى.
من المهم حث المريض على ممارسة التمارين الرياضية حتى داخل المنزل خلال فترة الحجر الصحي، فالتمارين الرياضية تساعد بشكل كبير على تخفيف حدة التوتر والقلق التي يشعر بها المرضى.