كورونا وإعادة الاعتبار للزراعة
عماد شقور
رغم أن مضار ومساوئ وباء كورونا، وما ألحقه ويلحقه وسيلحقه من نتائج سلبية تكاد لا تحصى على حياتنا في العديد من المجالات، والكثير جدا من الأصعدة، إلا أن التدقيق في الأمر كله، ومن جميع جوانبه ومستوياته، يكشف لنا بعض النتائج المترتبة التي يمكن اعتبارها في غاية الإيجابية.
إحدى هذه النتائج، وقد تكون أهمها بالنسبة إلينا كفلسطينيين وعرب ودول وشعوب ومجتمعات في العالم الثالث، (حتى لا أقول «الثالث عشر»)، هي جرنا جرا إلى إعادة الاعتبار للزراعة وتربية المواشي والدواجن، لنضمن لأنفسنا الحد الأدنى من متطلبات الحياة، اعتمادا على أنفسنا.
يقول شاعر العرب أبو الطيب المتنبي، في بيت الشعر الأخير من قصيدته ذات المطلع «لا خيلَ عندك تُهديها ولا مالُ..»، يقول:
«ذِكرُ الفتى عمرُه الثاني، وحاجتُه//
ما قاتَه، وفُضولُ العيش إشغالُ».
بمعنى أن المتطلبات الأساسية لاستمرار الحياة هي القوت، (دون التقليل من الأهمية المطلقة للعلم والبحث للصناعة والتطور والتقدم).
أين نحن في فلسطين، وفي كل العالم الثالث التابع، من هذا القوت والطعام؟
أذكر من أيام الدراسة الابتدائية في مدرسة البنين «و» في الناصرة، (وبالمناسبة: كانت مدرسة «مختلطة»، أيام كان الاختلاط مسموحا قبل «عصر» كورونا، وأذكر من بين بنات صفي الطالبتان: مها الفاهوم، وعائشة الزعبي، والدة حنين الزعبي..)، أذكر أن أستاذنا لمادتي التاريخ والجغرافيا، جريس الحاج، كان يفتح ذراعيه وهو يشرح لنا مدى اتساع ما كان يسميه «سهول وسهوب حوران في بلاد الشام» التي كانت تنتج القمح أساسا، والعديد العديد من المزروعات، التي كانت تكفي لإطعام كامل العالم العربي، والتصدير والتبادل والمقايضة مع الهند وغيرها بالتوابل، وأن أرض السودان، اذا تمت زراعتها كافية لإطعام كامل العالم العربي على مدى القرون المقبلة.
في مطلع كل عام ينشر المشرفون على قاموسي أوكسفورد الإنجليزي والأمريكي، أهم عشر كلمات جديدة تم نحتها وإدخالها للاستعمال في الحضارة البشرية، (وعلى سبيل المثال قبل بضع سنين كانت الكلمة الأولى الجديدة في ذلك العام، هي كلمة «سيلفي» للتدليل على التقاط الشخص لصورة ذاتية)، وفي سنة 2003 أو 2004، (لا أذكر الآن أيهما بدقة) كانت الكلمة التي أضيفت إلى الحضارة البشرية، هي كلمة «لوكافور»، لتدلل على مجموعات بشرية في عالم اليوم، لا تأكل إلا ما تنتجه المنطقة التي تعيش فيها، حيث يبررون ذلك بأن تلك المنتجات من حبوب وبقول وفواكه ولحوم وألبان وبيوض، تكون قد تعرضت لما تعرضوا هم إليه من شعاع شمس ورياح وأمطار، وهي الأكثر ملاءمة لأجسامهم.
أين نحن من هذا؟
نصيحتي للأخ الرئيس أبو مازن، وللأخ الصديق محمد اشتية: اهتماما كثيرا بهذا الموضوع، فهو عامل حاسم في مواجهة كل ما نحن فيه، على أصعدة كثيرة جدا.
أخيرا: أما كفانا تأخيرا في العمل على سن قانون يفرض «الخدمة المدنية الإلزامية المتبادلة: 18/18» على كل شاب وفتاة عند بلوغ الثامنة عشر من العمر، في المناطق التي تخضع للسلطة الوطنية الفلسطينية؟.وأكرر: لا يجوز أن يعيق اهتمام بباب، اهتماما بأي باب.
نتذكر في هذا السياق الحكمة الخالدة التي أطلقها قبل قرن من الزمان، المفكر والأديب والشاعر اللبناني، جبران خليل جبران: «ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تنسج».
حين أتحدث، في هذه المرحلة الصعبة بالذات، ومستفيدين من دروس وباء كورونا، عن الزراعة وتربية المواشي والدواجن، في فلسطين وعالمنا العربي، فإنني لا أقصد فقط السهول والسهوب في بلادنا، بل يشمل ذلك كل قطعة أرض صالحة أو قابلة للاستصلاح، مهما كانت مساحتها ضيقة، حتى وإن كانت حديقة/ حاكورة البيت، أو سطوح البيوت أيضا. لا نلغي زراعة الورد في هذه المساحات، ولكننا نتجاوب بحب لا حدود له، مع شاعرنا الفلسطيني العربي الراحل الكبير، محمود درويش: «إنا نحب الورد، لكنا نحب القمح أكثر.. ونحب عطر الورد، لكن السنابل منه أطهر».