كورونا تضرب «الديربي»
حسن البصري
ظلت المواجهات الكروية بين الوداد والرجاء مواعيد «مقدسة» في أجندة الرياضيين، وكانت مباريات الغريمين أشبه بمزار يتردد عليه عشاق الفريقين مرتين في السنة أو أكثر، فيمارسون على امتداد تسعين دقيقة طقوس الولاء للأحمر أو الأخضر، ثم يغادرون الملعب سعداء بالفوز أو حزانى للخسارة.
قد يتأجل الامتحان الجهوي أو الوطني، أو تتأجل دورة مجلس المدينة، أو يتأخر موعد مباراة لتوظيف حملة الشهادات، أو يصرف النظر عن تجمع خطابي لزعيم سياسي أو نقابي، فيقبل الناس على مضض قرار الإرجاء أو الإلغاء، لكن أن يسقط موعد «الديربي» من أجندة الرياضيين البيضاويين فهذا القرار يصعب ابتلاعه ولو بمحلول ييسر الهضم.
وحده فيروس كورونا استطاع بـ «جرة ألم» تأجيل المباراة التي لطالما شغلت البال والعباد، وأحالها على المجهول. تنفس رجال الأمن الصعداء وشكر الحكام الله لإعفائهم من تعيين مفخخ، فيما رفع القائد والمقدم أكف الضراعة إلى العلي القدير الذي نجاهما من غضبة جمهور مستعد للموت من أجل كرة محشوة بالهواء الفاسد.
قال بلاغ للوداد إن ظهور حالات في صفوف الفريق حتم عليه اللجوء لخيار تأجيل الموعد الكروي الأكثر دموية في تاريخ الكرة المغربية، وسخر الرجاويون من التأجيل وقالوا: «لماذا يخشى الخصوم مواجهتنا لسنا من فصيلة كوفيد».
حتى في إرجائها إلى موعد لاحق، تنجب قمة الغريمين الرجاء والوداد في حضورها وغيابها شعراء النقائض، حتى وهم ممنوعون من ولوج المدرجات، إلا أنهم يغزون منصات التواصل الاجتماعي ويعلنون فيها انتماءهم لشجرة أنساب جرير والفرزدق والأخطل بصيغة حداثية منقحة.
منذ أن لاح في الأفق طيف المباراة التي تأسر الأنفاس، شرع الوداديون والرجاويون في لعبة المقايضة فتبادلوا ما تيسر من موشحات محشوة بالشتائم، لا أحد يجرؤ على الفصل بين فئتين ينتظران موعد «الديربي» على أحر من الجمر، لإفراغ شحنات الغضب الساطع وإتحاف الجماهير عن بعد بما جاد به قعر قاموس السب والشتم وهلم شرا.
ليست هذه المرة الأولى التي يحكم فيها على «الديربي» بالتأجيل، ولن تكون الأخيرة في تاريخ المواجهات بين الغريمين، حتى في عز الاحتقان السياسي كتب لهذه المباراة أن تجرى، وفي عز الربيع العربي سمحت السلطات العمومية لـ «الديربي» أن يجمع الناس حوله، وعلى امتداد دقائقه تغنى الجمهور بقصائد غاضبة.
تلقت المقاطعة إشعارا بتأجيل المباراة، فسارع الأعوان لوضع حواجز وعلامات تشوير تمنع الكرة في ملعب يعيش مباريات من نوع آخر، في زمن كورونا يتراجع رئيس الفريق وحواريوه إلى الخلف، وعيونهم جاحظة في هاتف قد يحمل بين لحظة وأخرى خبرا يصادر الكرة ويمنع دورانها في الملاعب.
مضامين «السطوريات» التي تملأ منصات التواصل الاجتماعي، في الصراع بين جمهور الوداد والرجاء، تتجاوز حدود المنطق، تحمل كلماتها عيارات بالذخيرة الحية، عباراتها تمرغ المسيرين في الأوحال وتشبه تدبير الناديين بتدبير حضيرة دجاج، وتجمع على تبيض الأموال في الوقت الذي كان اللاعبون منهمكين في «تبييض بعضهم البعض» على رقعة الملعب.
من كان يظن أن «ديربي» الدار البيضاء أصبح بؤرة للوباء، بعد أن كان بؤرة لفرجة يراق حول جوانبها الدم؟ من كان يظن أن المباراة التي أسرت رؤساء وزعماء دول شقيقة قد صادرها فيروس لا لون له ولا رائحة.
حكم الوباء على «كابو» المدرجات بالعطالة، وجرده من الوجاهة ولم يعد له ذكر في أدبيات مباريات الغريمين، بعد أن كان قبل كورونا شخصية عمومية لها من الحصانة ما يمكنها من لعب دور القيادة وتمرير الخطاب، بطريقة لم يصلها بعد كبار زعماء الأحزاب الضالعين في فن الخطابة السياسية.
ولأننا في زمن التعايش مع الجائحة، فقد كشفت مباراة «الديربي» بين الغريمين، عن وجود «كابوهات» فايسبوكية تحت التمرين.