أميمة سليم
شهر أكتوبر، الشهر الوردي، هو مناسبة سنوية للتوعية بمرض سرطان الثدي وتقديم الدعم النفسي للنساء اللواتي يعانين منه، وأيضا فرصة من أجل تشجيع النساء على الكشف المبكر، والتوعية بهذا المرض.
كوثر ارويبعة واحدة من النساء اللائي تغلبن على السرطان. امرأة شجاعة تحدت المرض بابتسامتها المشرقة، التي تبعث الأمل في نفوس من يخضن المعركة ضد سرطان الثدي. شابة في الثلاثينات من عمرها، ازدادت بقرية أولاد تايمة، ثم انتقلت إلى أكادير من أجل إتمام دراستها العليا في المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، لتحط الرحال بعد ذلك بمدينة الدار البيضاء، حيث توجت تفوقها الدراسي باشتغالها إطارا في مؤسسة مالية. وبهذه المدينة المليونية بدأت مسيرة إثبات الذات، مثلما بدأت أيضا معركتها مع سرطان الثدي.
اشتهرت كوثر ارويبعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمحتواها الهادف، إذ تسعى إلى التعريف بمرض السرطان، وتقديم كل المعلومات حوله.
كرست جل وقتها بين تلقي العلاج وبين التحضير لمحتوى هادف، تقدمه بكل حب إلى الأشخاص الذين يمرون من التجربة نفسها، وتعطيهم جرعة الأمل للاستمرار في المعركة ضد السرطان دون خوف أو استسلام.
اكتشاف الورم الخبيث
في يوم السابع من شهر يوليوز من السنة الماضية، تلقت كوثر خبر وجود ورم في ثديها الأيمن، نزل عليها الخبر كالصاعقة، تصف كوثر تلك اللحظة بهذه الكلمات: «حسيت بحال تسونامي لي ضربني، مافهمتش كيفاش يجيني السرطان لي كنت كنظن أنا بعيدة عليه، أو معمرني غادي يجي «يسكن» معايا فالجسد ديالي…». لقد كان كابوسا حقيقيا، لكنها لا تستطيع الاستيقاظ منه، فبعد شعورها بالصدمة والإحباط، كان لا بد لها أن تتقبل حقيقة مرضها، وبدلا من الهروب قررت مواجهته ومحاربته بكل ما أوتيت من قوة، لتصبح قدوة لنساء يخضن المعركة ذاتها، لكن ربما لا يمتلكن نفس العزيمة والإصرار والطاقة الإيجابية لمواجهة سرطان الثدي، فهي تبعث فيهن الأمل وحب الحياة مرة أخرى. المرض ابتلاء من عند الله، لكن يجب التحلي بالقوة والصبر والروح المعنوية للتغلب عليه.
بداية رحلة العلاج
بدأت كوثر رحلة العلاج الطويلة، ورغم تعب المرض لم تفارق الابتسامة محياها للحظة واحدة، فهي تقول إن «سلاحها هو الابتسامة». وتصف تجربتها الصعبة بهذه العبارات: «أيام من بعد تشخيص الحالة ديالي، بديت سلسلة فحوص باش الأطباء يحددو بروتوكول العلاج، والصراحة كنت كنتمنى من قلبي أنني مايكونش عندي الكيماوي … العلاج لي كنت كنسمع عليه غير حوايج كتخلع …». بيد أن نوع السرطان الذي كانت تعاني منه يتطلب بالضرورة العلاج الكيميائي، لكنها تقبلت الخبر بصدر رحب قائلة: «لكن اكتشفنا أن السرطان لي كان عندي شرس، وبلي ضروري أنني ندوز من العلاج الكيماوي، باش نتشافى من المرض. هاد الخبر تقبلتو بصدر رحب، وقررت أنني نخوي راسي من كل معلومة سلبية، كنت سمعتها من قبل على الكيماوي…».
وتصف كوثر شعورها في أول حصة من العلاج الكيميائي: «مشيت أول حصة ديالي وأنا ضاحكة، معمرة قلبي بالإيمان أنني غادي نكون أقوى من «الألم» ديال الكيماوي».
سلاحها في المعركة ضد المرض الخبيث، هو الابتسامة والقوة التي تستمدها من داخلها، تقول كوثر في هذا الصدد: «الحاجة لي ساعداتني أنني نكون قوية، هي أنني نكون بوحدي فداري… كان هذا شرط من الشروط لي حطيتها على العائلة أو الأصدقاء ديالي، حيت مبغيتش نشوف نظرات التعاسة أو الحزن فعينيهم، وكنت بغيت نقوي راسي براسي… نهار آخر حصة كيماوي، كنت فرحانة بزاف أنني ساليت العلاج الصعيب…». بيد أن القدر كان يخبئ لكوثر في هذا اليوم خبرا صادما، وهو اكتشاف إصابة أغلى إنسان في حياتها بالسرطان وهو والدتها.
مرضى السرطان ونظرة المجتمع
صرحت كوثر غير ما مرة بأنها لا تحبذ نظرة الشفقة التي يظهرها أفراد المجتمع تجاه المصابين بالسرطان، وعبرت عن ذلك بقولها: «الصراحة، النظرة ديال المجتمع لمرضى السرطان باقي خاصها بزاف باش تقاد، كنظن كاين:
– الناس لي كيشفقو على مريض السرطان: مسكين، حرام يجيه هاد المرض ماشي ديالو…
– الناس لي كيخافو من المرض أو كيظنو أنه كيعادي …
أنا شخصيا معمرني ماعمرت راسي بهادشي… النظرة الوحيدة لي كتهمني هي النظرة لي عندي على راسي براسي».
الحيوانات في حياة كوثر
اشتهرت كوثر بعشقها للحيوانات، فهي تملك 4 قطط واسمهم: جاو- جويس- جوي والأخير لم تطلق عليه اسما بعد. ويرجع حبها لهذه الكائنات، إلى كونها ترعرعت في البادية، ما زرع فيها حب الطبيعة والحيوانات قائلة: «قصتي بدات من الطفولة ديالي، حيت كبرت في مزرعة مع بزاف ديال الحيوانات، وهكذا اكتسبت التعاطف ديالي مع هاد الكائنات… الحيوان كائن يمكن نتعلمو منو بزاف بزاف ديال الحوايج… وكنفرح منين كندير الخير فالحيوان. وعندي مأوى ديال القطوط، أنا عندي ربعة ولكن ديما غادي تلقاو عندي 5 ولا 6 فالدار، حيت كندير عمليات الإنقاذ وكنربيهم ولا كنعطيهم لعائلات استقبال، دابا حاليا عندي 5 ديال القطوط فالدار». الإنسانية والبساطة والنقاء الذي يغلب على طبع كوثر، جعل منها رمزا للعطاء.
السفر وتأثيره في حياة كوثر
سافرت كوثر إلى 26 دولة حول العالم، وجدير بالذكر أنها تهوى السفر بمفردها، لتكتشف عوالم أخرى وتنهل من ثقافات متنوعة، والسفر بالنسبة إليها هو المغامرة والاكتشاف، اكتشاف الأماكن والناس والتاريخ والطبيعة. «السفر هو التخلص من الأحكام المسبقة، وتعلم قيم التسامح…». وكان للسفر تأثير بارز في شخصيتها، فقد تعلمت منه معنى الحياة، وتحدت من خلاله جميع الصعاب، فأصبحت تملك شخصية قوية لا يهزها سقم أو غيره من نوائب الحياة، فقد تعلمت الكفاح والاعتماد على الذات حتى في أصعب المواقف. تشير كوثر إلى أنها تحتفظ بصداقات في جميع الأماكن التي زارتها إلى حدود الآن، لكنها تتذكر موقفا صعبا تعرضت له في الفيلبين: «كنت فواحد الجزيرة بعيدة بزاف ولكن كانت عامرة، حيت كان فيها واحد المهرجان، ركبت مع واحد السيد عندو موطور وداني لواحد بلاصة بعيدة تقريبا شي ساعة على المدينة، حيت تماك فين كان عندي السكن، لكن كنتفاجأ وكنلقى بلي وقع مشكل في الحجز وكاين ناس ساكنين… لقيت راسي فالليل بوحدي معرفتش فين نبات ولا فين نمشي والظلام والخلا.. وواحد السيدة نصحاتني نمشي نبات فواحد «السبا» ديال الكوريين كيخدمو 24 ساعة على 24 ساعة، وفعلا مشيت وصلني داك السيد مول الموطور ودوزت الليلة تماك. الحمد الله ما وقع ليا والو خايب… وهذا موقف من بين بزاف، ولكن الحمد الله كنعتمد على راسي، وكنحاول نخرج راسي براسي من أي موقف صعيب كنتعرض ليه… وهذا هو السفر كيعني المغامرة».
وتواصل كوثر رحلاتها المتعددة، ولكن داخل أرض الوطن، إلى حين إعادة فتح الحدود التي أغلقت بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومات، من أجل الحد من انتشار وباء فيروس كورونا الذي ضرب العالم بأسره، وأسفر عن إغلاق الدول لحدودها إلى حين الخروج من هذه الأزمة الصحية الخانقة.
الحب في حياة كوثر
لا تستطيع كوثر أن تحيا بدون حب. حب الناس والأهل والأصدقاء والحيوانات، خاصة القطط، أي الحب بمعناه الشامل… ولأنها شديدة التعبير عن حبها لأهلها وأصدقائها ولقططها، فإنها تتلقى الحب أضعافا مضاعفة، سيما في أوقاتها الصعبة مثل لحظة تشخيص إصابتها بمرض السرطان، «لقد كانت لحظة صادمة وصعبة، تقول كوثر، لحظة نفقد فيها حس العقل والمنطق…». ولكن تلقت جرعة هائلة جدا من الدعم والحب من طرف أصدقائها، الذين عاشوا معها هذه التجربة.
«دير الخير تلقاه»، بهذه الكلمات تلخص كوثر علاقتها مع الآخرين. فقد تميزت بسخائها الكبير في العطف والحب، وهذا ما حصلت عليه في المقابل في أصعب مراحل حياتها.
رسالة كفاح.. وأمل
سلاحها الابتسامة، ابتسامة أمل وتفاؤل في وجه من يعانون وهن المرض وابتسامة تحد في وجه المرض ذاته، رسالتها واضحة توجهها من القلب إلى القلب، سوف ننقل لكم كلماتها كما عبرت لنا عنها: «عارفة وحاسة أن المشوار ماشي ساهل، ولهاد السبب لازم علينا نديرو مجهود كل يوم… كل دقيقة… كل ثانية… باش نكونو مزيان ومنستسلموش للألم.. لعلاج المرض والآثار الجانبية للأدوية المجهدة بزاف، ولي كتتطلب وقت طويل كيوصل لشهور وسنوات ما بعد انتهاء العلاج، وهادشي ماشي ساهل، أنا كملت العلاج ديالي ولكن مازال كنحس بالآلام في الجسم ديالي كامل، وهادشي كيضر، ولكن ما عندنا ما نديرو من غير نحافظو على الأمل حيث معندناش الخيار، وكذلك نكونو متفائلين».
وتضيف في رسالتها المفعمة بالأمل: «بغيت نقوليهم كذلك، يردو بالهم من نظرة المجتمع، وشنو يمكن للآخرين يفكرو فينا سواء من ناحية المظهر، والشفقة لي غادي تبان لك في عينيهم، خاصنا نبقاو أقوياء».
«المؤثرة» بمواقع التواصل الاجتماعي
عندما قررت كوثر ولوج مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت في مجال السفر الفردي، حيث كانت تشجع الشابات المغربيات على خوض تجربة السفر بمفردهن وكذلك الشباب. إذ تعتبرها تجربة فريدة من نوعها، ومغامرة تفتح آفاقا جديدة.
لقد كان محتواها يهم مواضيع السفر وشعارها الأسمى هو التسامح، ومساءلة بعض المعتقدات والأفكار المسبقة حول الثقافات والتفكير النقدي، وكذا الاستقلالية والاعتماد على الذات، والتعاطف مع الآخر رغم الاختلاف، وكلها أشياء اكتسبتها من السفر الفردي، حسب تعبير كوثر، وكان ذلك زادها في رحلتها مع السرطان.
لقد ساعد تطبيق «إنستغرام» في تسهيل المهمة على كوثر، حيث إنه يقدم إمكانية ضم الصوت إلى الصورة، والفيديوهات التي من شأنها أن تسهل تداول المعلومات الهادفة بشكل سلس. وتطلب ضيفتنا من متابعيها استعمال مواقع التواصل الاجتماعي باعتدال، والتشبث بالانتقائية في اختيار المحتويات وتفضيل تلك التي تساعد على النضج في الحياة بشكل إيجابي.
أصبحت كوثر تقدم في الآونة الأخيرة، وصفات طبيعية وصحية جدا عبر صفحتها على «إنستغرام»، وتبرر هذا التوجه بقولها: «منين كتاشفت المرض ديالي، بديت كنقلب على أسباب الإصابة بالسرطان، ولقيت من بينهم التغذية، واخا كنت نباتية وكنرد البال بزاف للماكلة ديالي، ولكن لقيت بلي خاصني ندير مجهودات إضافية فهاد النقطة، وأول حاجة تخلصت بصفة نهائية من المعلبات، ومنين درت الأبحاث ديالي لقيت أنه من الممكن تحضير أطباق شهية خالية من المواد المصنعة والحافظة، والسكريات المضافة. وأنا كنشجع الناس باش يتهلاو فراسهوم ويديرو الرياضة، وينتابهو للأكل ديالهم، وخاص الواحد يتجنب ما أمكن الضغط. والوصفات لي قدمت، كان الهدف منها هو نبين أنه يمكن ناكلو أكل لذيذ وصحي».
في إجابتها عن سؤال «ما هو الأثر الذي تريدين أن تتركيه لدى متابعيك؟»، تقول كوثر ارويبعة: «سؤال مهم صراحة، لأنه حتى بعد تشخيص الإصابة بمرض السرطان كنسولو راسنا، شنو هو الأثر لي بغينا نخليو فهاد الحياة؟ قلبت على الجواب وحاولت نلقى خيارات واحتمالات نقدر نديرها، ولكن في الأخير توصلت إلى أن الأثر كاين في القيمة المضافة لي كتعطيها للمحيط لي قريب لك.. في الحومة ولا فالعائلة ولا فالحياة ديالك وفبلادك، باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي، ولا فالخدمة ديالك. بغيت نبعث رسالة تفاؤل وأمل، بغيت الناس تكون فرحانة، ويلقاو سبب باش يبتاسمو ويضحكو كل نهار، وننساو جميع الكراهية والغضب والضغط والمشاعر السلبية لي هي جزء من الحياة، ولكن متكونش طاغية على الحياة اليومية.. بغيت نكونو جميع فرحانين وهادشي لي كنتمنى ليا وللناس كاملين، وهادشي لي كنحاول نوصل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي».
مرض الأم
في اليوم الذي أنهت فيه كوثر آخر حصة من العلاج الكيميائي، تم تشخيص إصابة والدتها بسرطان آخر وهو سرطان الكبد، رغم صعوبة الموقف وحساسية الوضع، تحمل كوثر في داخلها آمالا بالشفاء، فلكل محنة مخرج، بالتفاؤل والأمل، تقول كوثر: «هناك أمل، مغاديش نخلي هاد الخبر يدمرني، منخبيش عليك قاصحة بزاف تشوف ماماك فحالة صعيبة، منقدرش ننكر.. ولكن كنقول الحمد الله كلشي غادي يدوز مزيان، معنديش خيار آخر».
رسالة للمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي:
«ألف شكر على الحب والرسائل والدعاء» تقول كوثر، لقد أعطاها متابعوها سببا آخر من أجل خوض هذه المعركة الشرسة ضد المرض، من أجلها ومن أجلهم، ويعود لهم الفضل ولعائلتها وأصدقائها الذين زودوها بالحب والمشاعر الإيجابية، من أجل إسدال الستار على ذلك الفصل الصعب من حياتها.
بالأمل نحيا وما دام الإنسان على قيد الحياة، فلا وجود للاستسلام والخوف في قاموس كوثر. بشعر خفيف وابتسامة بريئة تنبض بالحياة، انتصرت كوثر على المرض الخبيث، في انتظار أن يتخلص جسم والدتها منه كذلك.
وبمناسبة شهر أكتوبر الوردي نحث جميع النساء على القيام بالكشف المبكر، الذي من شأنه أن يساعد في علاج السرطان بشكل فعال.