بعد توجيه الاتهام رسميا إليه، على خلفية دفعه أموالا لممثلة إباحية لشراء صمتها، مثل دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، أول أمس الثلاثاء، أمام المحكمة الجنائية بمانهاتن في نيويورك. وقرر القاضي الإفراج عنه في اليوم نفسه، بعد الاستماع إلى لائحة من الاتهامات الجنائية التي رفعت السرية عنها، في انتظار انطلاق محاكمته التي قد تبدأ في يناير 2024، حسب قرار القاضي.
سهيلة التاور
تم استدعاء الرئيس الأمريكي السابق إلى مقر المحكمة الجنائية في مانهاتن بنيويورك، وغادرها أول أمس الثلاثاء من دون أن تفرض عليه أي شروط أو مراقبة قضائية، في انتظار انطلاق محاكمته التي قد تبدأ في شهر يناير 2024. وذلك بعد مثوله التاريخي في قضية احتيال على صلة بدفعه أموالا لشراء صمت ممثلة إباحية في العام 2016.
وفي الجلسة غير المسبوقة، التي أصبح فيها ترامب أول رئيس أمريكي يوجه إليه اتهام جنائي، دفع ترامب ببراءته من كل التهم التي وجهها إليه المدعي العام في مانهاتن ألفين براغ، والبالغ عددها 34 تهمة، وذلك في ختام تحقيق استمر خمس سنوات.
وغادر موكب ترامب، بحراسة الخدمة السرية المكلفة بحماية الرؤساء، برج ترامب وسط مانهاتن، بعد الساعة الواحدة ظهرا.
وعندما وصل موكبه إلى المحكمة، لوح ترامب للحشد والكاميرات قبل دخول قاعة المحكمة لتسليم نفسه.
وكان الرئيس السابق دخل قاعة المحكمة الجنائية، حوالي الساعة 2:30 بالتوقيت المحلي، مرتديا بذلة وربطة عنق حمراء، وفق أسوشيتد برس. وبعد أكثر من ساعة من وصوله، دخل ترامب قاعة المحكمة حيث كان قاض يشرف على جلسة استدعائه.
ولم يسمح بتسجيل الفيديو في قاعة المحكمة، ولكن سمح لعدد قليل من المصورين بالتقاط الصور لفترة وجيزة. وتظهر إحدى الصور ترامب جالسا على طاولة الدفاع، محاطا بمحاميه.
وواظب ترامب على الإصرار على براءته وندد بالتحقيق الذي أجراه المدعي العام لمنطقة مانهاتن باعتباره «مطاردة ساحرات» ذات دوافع سياسية.
وكان ترامب كتب عبر منصة التواصل الاجتماعي التي أسسها «تروث»: «سوف يعتقلونني. لا أصدق أن هذا يحدث في أمريكا».
في غضون ذلك، قال البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن عرف عن قضية ترامب من الإعلام، في إشارة إلى عدم التدخل في القضاء. وأضاف البيت الأبيض أن مثول ترامب أمام المحكمة ليس أولوية بالنسبة للبيت الأبيض.
كواليس القضية
بعد تحقيق طويل، استغرق قرابة خمس سنوات، في أموال دفعت بشكل سري في العام 2016 لامرأتين هددتا بفضح العلاقات التي ادعتا أنهما أقامتاها مع ترامب، صوتت هيئة محلّفين كبرى، يوم الخميس الماضي في نيويورك، على توجيه الاتّهام إلى دونالد ترامب في قضية دفع مبلغ 130 ألف دولار إلى ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، لشراء صمتها قبل الانتخابات الرئاسية في نونبر 2016.
واستمعت الهيئة إلى الشاهد الأساسي في الملف، وهو محامي ترامب السابق مايكل كوهين، الذي أصبح عدوه اللدود، وهو الذي دفع المبلغ لستورمي دانيالز عام 2016 وأعيد تسديده له لاحقًا.
وبعدما قضى عقوبة بالسجن، تعاون كوهين مع التحقيق اعتبارًا من نهاية 2018 وأدلى بشهادته مرارًا أمام هيئة المحلفين الكبرى.
وأقر محامي ترامب السابق، مايكل كوهين، بأنه دفع ما مجموعه 280 ألف دولار للعارضة السابقة بمجلة «بلاي بوي» الإباحية، كارين ماكدوغال، والممثلة الإباحية ستورمي دانيالز لشراء صمتهما خلال الحملة الانتخابية.
واعترف كوهين، كذلك، في يناير، بأنه دفع أموالًا للتلاعب باستطلاعات للرأي، بحيث تبدو نتائجها لصالح الملياردير في بداية حملته الانتخابية عام 2016، إضافة إلى قضية التهرب الضريبي والإدلاء بشهادات كاذبة لمؤسسة مالية، والحصول على مساهمات غير قانونية للحملة الانتخابية الرئاسية والإدلاء بإفادات كاذبة للكونغرس. وشدد كوهين، حينها، على أن عمله كان التغطية على أفعال موكله «القذرة».
تعهدات ترامب بالانتقام
في بيان من خمس فقرات، صدر في غضون دقائق من انتشار الأنباء عن قرار الاتّهام، تعهد ترامب بالانتقام، في وقتٍ يُخطط للعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2024.
وصرح ترامب «الديموقراطيون كذبوا وخادعوا وسرقوا في هوَسهم بمحاولة «اصطياد ترامب»، لكنّهم الآن فعلوا ما لا يمكن تصوّره – توجيه اتّهام إلى شخص بريء تمامًا، في تدخّل فاضح في الانتخابات».
وأضاف أن «استخدام نظامنا القضائي سلاحًا لمعاقبة خصم سياسي، صادَفَ أنه رئيس للولايات المتحدة، والمرشح الجمهوري الأبرز لمنصب الرئيس، لم يحدث من قبل على الإطلاق». وتابع «أعتقد أن هذه الملاحقة سترتد عكسيا وبشكل هائل على جو بايدن».
وشدد ترامب، الذي نظم أول مهرجان انتخابي له، نهاية الأسبوع الماضي، على «أننا سنهزم جو بايدن ونطرد فلول هؤلاء الديموقراطيّين المحتالين من البيت الأبيض».
انتقادات السياسيين
انتقد إريك، نجل دونالد ترامب، الادعاء العام، واصفا القضية بأنها ذات دوافع سياسيّة.
وقال إريك، الابن الثاني لترامب، على «تويتر»، «هذا سوء تصرّف قضائي ينتمي إلى دول العالم الثالث. إنّه استهداف انتهازيّ لخصم سياسي في عام الحملات الانتخابيّة».
من جهته، اعتبر رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري كيفين مكارثي، يوم الخميس الماضي، أن قرار توجيه الاتهام إلى ترامب ألحق بالبلاد «أضرارا لا يُمكن إصلاحها»، في وقتٍ يشن حلفاء الرئيس السابق هجوما عنيفا على الديموقراطيّين والمسؤولين القضائيّين.
وقال مكارثي إن المدعي العام في مانهاتن، الديموقراطي ألفين براغ، «أضر ببلادنا بشكلٍ لا يمكن إصلاحه، في محاولة للتدخل في انتخاباتنا الرئاسيّة». وأضاف «الشعب الأمريكي لن يتسامح مع هذا الظلم، ومجلس النوّاب سيُحاسب ألفين براغ واستغلاله غير المسبوق للسلطة».
بدوره، انتقد رون ديانتيس، المنافس الأبرز لترامب لنيل ترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات 2024 الرئاسية، يوم الخميس، توجيه الاتهام للرئيس السابق، واصفا الأمر بأنه «منافٍ للقيم الأمريكية».
وقال ديسانتيس، حاكم فلوريدا حيث مقر إقامة ترامب، إنه «لن يساعد في طلب تسليمه بالنظر إلى الظروف المشكوك فيها» للائحة الاتهام التي وصفها بأنها جزء من «أجندة سياسية».
وفي المقابل، صرح محامي نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، يوم الخميس الماضي، بأن توجيه الاتهام إلى الرئيس السابق يظهر أن «لا أحد فوق القانون».
وقال كلارك بروستر إن «اتهام دونالد ترامب ليس مدعاة للفرح»، مضيفا «الآن لندع الحقيقة والعدالة تسودان».
قضايا أخرى تلاحقه
يواجه ترامب تحقيقين جنائيين؛ الأول يتعلق بما إذا كان حاول بشكل غير قانوني قلب هزيمته في انتخابات 2020 في ولاية جورجيا، والثاني احتفاظه بسجلات حكومية، بعضها مصنف على أنه سري للغاية، في منزله في «مار آلاغو» بمنتجع بالم بيتش في فلوريدا، بعدما انتهت ولايته.
وكشفت شبكة «سي إن إن» عن حوالي ثلاثين تهمة تتعلق بمخالفات بهدف إخفاء عملية دفع مبلغ 130 ألف دولار. وقبل ترامب، لم يواجه أي رئيس أمريكي سابق أو حالي اتهامات جنائية من قبل.
وحققت لجنة برلمانية حلتها الأغلبية الجمهورية في دور دونالد ترامب في الهجوم الذي نفذه أنصاره على مبنى الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير 2021، في حين كان المشرعون يصادقون على فوز جو بايدن في انتخابات 2020.
وفي تقريرها النهائي، قالت اللجنة إن ترامب يجب ألا يشغل وظائف عامة جديدة بعدما حرض أنصاره على التمرد. كما أوصت بأن يطلق القضاء الفدرالي ملاحقات ضده، خصوصا لدعوته إلى العصيان.
وفي يناير، فرض على منظمة ترامب في نيويورك دفع غرامة قد تصل قيمتها إلى 1,6 مليون دولار بتهمة الاحتيال المالي والضريبي، في أول عقوبة جزائية للمجموعة التي تنتظر محاكمة مدنية أكبر في الخريف.
فقد رفعت المدعية العامة لولاية نيويورك، النائبة الديمقراطية ليتيسيا جيمس، دعوى مدنية ضد ترامب وأبنائه ومجموعته التجارية بتهمة التلاعب «عن عمد» بتقييم أصول المجموعة للحصول على قروض بفائدة ميسرة من البنوك أو تخفيض ضرائبها.
ونجا الرئيس السابق من محاولتين من الكونغرس للإطاحة به من المنصب، واحدة بسبب هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول، والأخرى بسبب تحقيق استمر لسنوات بشأن اتصالات حملته الانتخابية بروسيا في عام 2016.
الاستمرار في السباق الرئاسي
لو تمت الإدانة لا يمكن الجزم بعواقبها المحتملة على مسيرة ترامب، في حملته لتولي فترة رئاسية جديدة. وقد أكد أنه لا يعتزم سحب ترشحه حتى إذا تمت إدانته، في ظل إمكانية مضي مرور شهور، أو سنوات في بعض الحالات، قبل أن يصدر الادعاء الاتهام.
وإلى جانب ذلك، فإن الإدانة لا تمنع ترامب قانونيا من الترشح في انتخابات الرئاسة لعام 2024، لكن، وفقا للأعراف الانتخابية، فإنها قد تكون مادة للتراشق الانتخابي بين المتنافسين على كسب ود القواعد المؤيدة للحزب الجمهوري، وسط جدل قد يرافق أي مرشح مدان بتهم تقديم مبالغ مالية مشبوهة.
ويُعتقد أن ترامب هو الأوفر حظا بفارق كبير للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2024.