كواليس ليلة النطق بالأحكام في قضية بوعشرين…إغماءات وانهيارات ونحيب
حمزة سعود
في تمام الساعة العاشرة ليلا من يوم الجمعة الماضي، فتحت القاعة رقم 8 بمحكمة الاستئناف أبوابها أمام الصحافيين والإعلاميين بعد رفع السرية عن جلسات المحاكمة. حشد كبير دخل القاعة، لانتظار النطق بالحكم، ليضطر عدد منهم دقائق بعد ذلك إلى المغادرة لعدم وجود أماكن داخل قاعة الجلسات.
بعد ساعات.. نطق القاضي بوشعيب فارح، بالحكم الصادر في حق المدير السابق لجريدة «أخبار اليوم»، مشاعر من الفرح والبهجة تظهر على وجه أفراد عائلته ومن يؤازره، القاضي برأ المتهم من جريمة الاتجار في البشر، ليستدرك، موجها كلامه بشكل مباشر إلى عائلة توفيق بوعشرين، «واسمعوا باقي الأحكام بعدا»، لتتوالى بعدها أصوات الاستهجان من طرفهم بسبب ما صدر من أحكام.
صراخ ونحيب، في الداخل والخارج، إغماءات وحالة من الغضب في صفوف عائلة المتهم بعد صدور حكم قضائي أدان المتهم بـ12 سنة سجنا نافذا وغرامات مالية للضحايا، مع تحميله الصائر والإجبار في الأدنى. وفور النطق بالأحكام، سقط المعطي منجب، المتابع بدوره في ملف آخر مرتبط بالمس بسلامة الدولة الداخلية، مغشيا عليه داخل قاعة الجلسات.
*************************
قضت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، صباح أول أمس السبت، بإدانة الصحافي توفيق بوعشرين، مدير النشر السابق لجريدة «أخبار اليوم» وموقع «اليوم 24»، المتابع على خلفية تهم تتعلق بالاتجار في البشر والتحرش والاستغلال الجنسي، بـ12 عاما سجنا. وجاء قرار المحكمة بعد الاستماع للكلمة الأخيرة لبوعشرين، وبعدما أنهت المحكمة الاستماع لدفوعات محاميه ودفاع المطالبات بالحق المدني، كما تم الاستماع لمداخلة ممثل النيابة العامة وتم عرض الفيديوهات التي يتابع على ضوئها بوعشرين بالتهم المنسوبة إليه، وتوصلت المحكمة بخبرة الدرك بشأنها قبل أن تبني قناعتها في الحكم الذي اعتبره دفاع المشتكيات «مخففا»، في الوقت الذي وصفه دفاع بوعشرين بـ«الصادم».
وإلى جانب الحكم بـ12 سنة سجنا، قضت غرفة الجنايات أيضا في الدعوى العمومية، برد الدفع بعدم الاختصاص وجميع الدفوع الشكلية وقضت بغرامة نافذة قدرها 200 ألف درهم مع الصائر والاجبار في الأدنى وإتلاف الأقراص المدمجة وكافة الدعائم الإلكترونية، وبإرجاع ونشر القرار في إحدى الصحف الوطنية، فيما قضت في الدعوى المدنية التابعة بقبولها شكلا وموضوعا وبأداء المتهم لفائدة المطالبات بالحق المدني تعويضات توزعت بين 500 ألف درهم لأسماء الحلاوي، و300 ألف درهم لسارة المرس و300 ألف درهم لخلود الجابري. كما قضت المحكمة بتعويض نعيمة الحروري بـ300 ألف درهم، ووداد ملحاف بـ300 ألف درهم، ووصال الطالع بـ100 ألف درهم، وصفاء زروال بـ100 ألف درهم، ثم كوثر فال بـ100 ألف درهم.
من جانبه، قال محمد الهيني، محامي المطالبات بالحق المدني، إن «المحكمة أدانت المتهم بالاتجار في البشر، وهذه رسالة حتى لا تتكرر هذه الجرائم البشعة، ونعتبر حكم المحكمة من السوابق القضائية»، على حد تعبير الهيني، الذي أضاف، في تصريح للصحافة عقب صدور الحكم، أنه «تم انتهاك كرامة المشتكيات بشخص لا يقبله عاقل، ولم يكن لدى المتهم وازع، و12 سنة سجنا ما هي إلا ثلث العقوبة ولو تم الحكم بالتكييف لقضت المحكمة بـ30 سنة سجنا»، مضيفا أن «التعويضات التي منحتها المحكمة للمشتكيات هي تعويضات هزيلة ولا يمكن أن تجبر ضرر الضحايا».
دفاع المشتكيات: التعويضات زهيدة والحكم مخفف
النطق بالحكم في قضية توفيق بوعشرين، يعني بالنسبة لعدد من المحامين، استئنافه في غضون الـ10 أيام المقبلة، بعد متابعته بما نسب إليه من تهم الاتجار في البشر والاغتصاب.
وأسقطت المحكمة عن المتهم تهمة الاتجار في البشر الموجهة إليه من بعض المطالبات بالحق المدني، (نعيمة.ح، وكوثر.ف، وأسماء.ك، وصفاء.ز، وأمال.ه، وابتسام.م»، فيما أبقت على هذه الجريمة لفائدة كل من «أسماء. ح، وسارة.م، وخلود.ج، وحكمت عليه بـ 12 سنة سجنا وغرامة مالية قدرها 200 ألف درهم.
وفي التفاصيل، أكد محمد الحسني كروط، عن دفاع المطالبات بالحق المدني، أن المحكمة متعت المتهم بكافة ظروف التخفيف، مشيرا إلى أن مبلغ التعويض زهيد مقارنة بحجم وخطورة الأفعال المرتكبة.
وأوضح المتحدث نفسه، في تصريح لـ”الأخبار”، أن التعويض لا يغطي الضرر بالنسبة للاعتداءات المرتكبة من طرف المتهم، في إطار احترام تام للأحكام، معتبرا أن المتضررات تركن انشغالاتهن وتفرغن لحضور الجلسات، ومعتبرا أن دفاع الطرف المدني لا يقلل من قيمة الحكم.
وأفاد محمد الهيني بأن الأمر يتعلق بجريمة لا إنسانية تمس الضمير العالمي، مؤكدا أن هؤلاء النساء مورست عليهم درجات من الاستعباد والاضطهاد الجنسي، ومعتبرا أن المحكمة أرسلت رسالة حتى لا يتكرر ذلك.
هذا وتوبع توفيق بوعشرين من أجل الاشتباه في ارتكابه جنايات الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن طريق الاعتياد والتهديد بالتشهير، وارتكابه ضد شخصين مجتمعين، وهتك العرض بالعنف والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 1-448، 2-448، 3-448، 485- 486 و114 من القانون الجنائي، وكذلك من أجل جنح التحرش الجنسي وجلب واستدراج أشخاص للبغاء، من بينهم امرأة حامل، واستعمال وسائل للتصوير والتسجيل، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 498، 499 ، 1-503 من نفس القانون، وهي الأفعال التي يشتبه أنها ارتكبت في حق 8 ضحايا وقع تصويرهن بواسطة لقطات فيديو يناهز عددها 50 شريطا مسجلا على قرص صلب ومسجل فيديو رقمي.
من جانبه، أشار محمد زيان، عن هيئة دفاع المتهم توفيق بوعشرين، في تصريح لجريدة «الأخبار»، إلى أن الهيئة تعقد آمالها في القضاء خلال الاستئناف، لتبرئة المتهم، مؤكدا أن صدور حكم في محكمة عادية خلال يوم عطلة، يبقى باطلا ومشيرا إلى أن المحاكم الاستثنائية فقط من يحق لها البت في أيام العطل.
وأوضح المتحدث نفسه، أن دفاع المتهم بناء على هذه الأحكام سيطعن بالبطلان، ويكرر المطالب الشكلية، والدفوعات السابقة، في حين أن عفاف برناني، يضيف المتحدث، مصرة على الطعن في المسطرة.
بوعشرين والكلمة الأخيرة قبل رفع السرية
قبل رفع السرية عن جلسات محاكمة توفيق بوعشرين، وخلال الجلسة الأخيرة، صرح دفاع المطالبات بالحق المدني، أن المتهم اعترف بوجود علاقات رضائية بين الأطراف التي تظهر في الأشرطة المعروضة أمام المحكمة.
وأشار دفاع المطالبات بالحق المدني، إلى أن المتهم تحفظ عن الإجابة عن سؤال يتعلق بما إذا كان من يظهر في الأشرطة هو أم شخص آخر، مؤكدا أن توفيق بوعشرين أشار، في الوقت نفسه خلال كلمته الأخيرة أمام المحكمة، إلى أن الاستنتاج من مشاهدة الأشرطة هو علاقات رضائية.
وأوضح دفاع الطرف المدني أن بوعشرين صرح أن محاكمته تجري بخصوص الاتجار في البشر، في حين أن ما دار بين الأطراف التي تظهر في الأشرطة عبارة عن علاقات رضائية بين أطراف متعددة، والذي يظهر بصفة متكررة في الأشرطة.
وأوضح دفاع الطرف المدني، محمد الحسني كروط، أن هذه المعطيات عبارة عن تصريح ضمني، وإقرار بوجود الأشرطة وعلاقات رضائية تشمل ممارسات جنسية، فيما عرض دفاع المتهم معطيات حول ما تضمنته الأشرطة.
وخلص توفيق بوعشرين، حسب دفاع الطرف المدني، في آخر كلمته، إلى أن محاكمته سياسية ولا علاقة لها بما يوجد في الأقراص الصلبة أو الأشرطة المصورة، مشيرا إلى مقالاته السابقة حول السعودية والإمارات العربية المتحدة، لترفع بعدها الجلسة للمداولة والنطق بالحكم.
عفاف برناني.. من مصرحة إلى متهمة
خلال جلسة النطق بالأحكام الصادرة في حق توفيق بوعشرين، جدد محمد زيان مطلب تبرئة عفاف برناني التي مازالت مصرة على الطعن في المسطرة التي سلكها القضاء بخصوص ادعاءاتها بتزوير الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تصريحاتها في قضية المتهم توفيق بوعشرين.
ورغم تجديد عفاف برناني، إحدى المصرحات في ملف المتهم بوعشرين، طعنها في المسطرة، إلا أن المحكمة الابتدائية بعين السبع أيدت الحكم الابتدائي الصادر في حقها والقاضي بحبسها 6 أشهر نافذة، لأجل تهمة «التبليغ عن وقوع جريمة يعلم بعد حدوثها والقذف»، بعدما اتهمت ضابطا في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتزوير تصريحاتها في القضية.
وتحولت عفاف برناني من مستأنس بإفادتها إلى متهمة، مثلت أمام المحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع، في الثالث من أبريل الماضي، من أجل جنحتي الإهانة بالبلاغ الكاذب والقذف في حق الضابطة القضائية.
ووجد الوكيل العام للملك نفسه حينها مضطرا إلى عقد ندوة صحافية بعد تناسل ما وصفه بالإشاعات والروايات غير الحقيقية التي تمس مصداقية النيابة العامة، قبل إعلانه أن النيابة العامة تتوفر على شريط مصور عرضته هذه الأخيرة أمام وسائل الإعلام، تظهر فيه المعنية بالأمر تتلو أقوالها خلال الاستماع إليها في قضية وقَعت محضرها دون أن تبدي أية ملاحظات أو اعتراض بشأنها.
وأكد الوكيل العام للملك، في لقاء صحافي، أن المتهمة تقدمت في وقت سابق بواسطة دفاعها بشكاية في مواجهة ضابط الشرطة القضائية محرر محضر الاستماع إليها، بعد أن ورد اسمها على لسان إحدى الضحايا، متهمة إياه بكونه زور تصريحاتها، وأنها لم تعترف بكونها من بين ضحايا التحرش الجنسي من طرف المتهم توفيق بوعشرين .
وأشار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أن زيف ادعاءات برناني وُوجه بمحضر الضابطة القضائية الذي يتضمن أقوالها بعدما كانت قد وقعته بيدها في وقت سابق خلال استدعائها على ذمة التحقيق.
وورد اسم المشتكية عفاف برناني ضمن لائحة المشتكيات في ملف ضحايا توفيق بوعشرين، مدير النشر السابق لصحيفة “أخبار اليوم”، و”اليوم 24″، فيما قدمت عفاف على خلفية ذلك شكاية تتهم فيها ضابط شرطة بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بالتزوير.
وقررت محكمة النقض من جهتها حفظ شكاية الزور المقدمة ضد الوكيل العام للملك بالدار البيضاء، والتي تقدم بها دفاع المتهم توفيق بوعشرين بتهمة الزور لكونها لا تستند على أي أساس قانوني.
وتأتي متابعة بوعشرين، حسب النيابة العامة، من أجل «جنح التحرش الجنسي وجلب واستدراج أشخاص للبغاء؛ من بينهم امرأة حامل، واستعمال وسائل للتصوير والتسجيل، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 498، 499، 1-503 من القانون نفسه؛ وهي الأفعال التي اتهم بوعشرين بارتكابها في حق 8 ضحايا وقع تصويرهن بواسطة لقطات فيديو يناهز عددها 50 شريطا مسجلا على قرص صلب ومسجل فيديو رقمي».
في المقابل، استنكرت لجنة «الحقيقة والعدالة في قضية الصحفي توفيق بوعشرين» ما اعتبرته «توظيف القضاء في الإجهاز على حرية التعبير وفي تصفية الحسابات السياسية مع الصحفيين المزعجين استجابة لرغبات أطراف خارجية، على حساب تطلعات الشعب المغربي»، حسب اللجنة التي كالت التهم للقضاء المغربي وقالت إن الحكم «يتناقض بشكل صارخ مع خطابات الدولة حول عدم التكرار بعد صدور توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة»، معتبرة أنه «يندرج في إطار التدهور الكبير الذي عرفته الحقوق والحريات في بلادنا في السنوات الأخيرة»، حسب تعبير الهيئة التي نظمت وقفة احتجاجية عشية (الجمعة) أمام البرلمان قبل صدور الحكم في حق بوعشرين .