شوف تشوف

الرئيسيةخاص

كواليس طرق اشتغال خبراء معهد علوم الأدلة الجنائية

حمزة سعود
قضايا معقدة وغامضة.. يكشف معهد علوم الأدلة الجنائية وحده الحقيقة حول ظروف حدوثها. المعهد التابع لجهاز الدرك الملكي أحدث سنة 1989، ويعد الأول إفريقيا والـ16 دوليا في هذا المجال، وقد بات يتصدى لحل العديد من الجرائم الغامضة المعروضة أمام القضاء المغربي. شيكات وعقود مزورة. أسلحة وجرائم إرهابية. عينات من مسرح الجريمة ومتفجرات، ترد إلى المعهد من مسارح الجرائم ليبحث منها عن الحقيقة أو عن آثار كامنة وبصمات خفية عالقة عليها.

الأبحاث المنجزة بالمعهد تصدر في عدد من المناسبات في جرائد ومجلات دولية متخصصة في المجالات العلمية وتنشر بشراكة مع الجامعات الرائدة، وكذا بصفة داخلية من طرف الأساتذة الباحثين ممن يشتغلون في المعهد. في هذا الروبورتاج نتتبع مسار عمل عين محاكم المملكة في فك ألغاز جرائم وقضايا معقدة لدى المحاكم المغربية..

معهد علوم الأدلة الجنائية. الرباط. الثامنة صباحا. ترد في هذه الأثناء ملفات من محاكم مختلفة بالمملكة. قضايا جديدة لا علم للتقنيين وأطر المعهد بتفاصيلها. علب وملفات مشمعة. بعد قليل سيجري أخذ صور لمستندات ووثائق على أن تتم موافاة الجهات المعنية بالنتائج، في غضون ساعات.

سنتتبع تفاصيل ملفات صادفنا ورودها للتو إلى المعهد، تتعلق بوثائق مزورة تعود لإحدى السيارات، وملفات أخرى.. إلى غاية مغادرتها معهد علوم الأدلة الجنائية.

بعد المعالجة، بمصلحة استلام وتدبير العينات، يبدو أن هذه القضايا وصلت للتو من إحدى محاكم جهة فاس مكناس. السر المهني يفرض إحاطة الموضوع بالسرية الكاملة. وثائق، وأوراق بنكية مزورة. بصمات مشكوك في هوية أصحابها. هنا تفك خيوط كل قضايا محاكم المملكة.

سيتم أخذ هذه الملفات إلى مختبر الوثائق. من أجل التأكد من صحتها وهوية أصحابها. من بين الملفات سيارة مشكوك في وثائقها التعريفية، أخذت إلى هنا للحسم في ذلك. أبحاث أخرى تجري تزامنا مع من حجزت بحوزتهم الوثائق المزورة لمعرفة مزيد من التفاصيل.

للوهلة الأولى يظهر أن هذه النسخ الرقمية مزورة تعود إلى أصول ثبوتية خاصة بإحدى السيارات، وبنك المعلومات الذي بحوزة المعهد يسمح حاليا بتوفير معطيات دقيقة حول هذا الملف ومعه ملفات مشابهة، مرت من هنا.

الحشرات الجنائية تفك ملف وفاة غامضة في منطقة جبلية

يشير فريد مالك، رئيس قسم تحليل الوثائق والكتابات والتوقيعات بمعهد علوم الأدلة الجنائية للدرك الملكي، إلى أن الملف يتعلق بسيارة مشكوك في وثائقها التعريفية، وأن غياب بعض العلامات المرئية في الوثائق يؤكد للوهلة الأولى أنها مزورة، مشيرا إلى أن السرعة والضغط وتموضع الخطوط والشكل العام جلها عوامل يتم أخذها بعين الاعتبار.

بالموازاة مع سير إجراءات عدد من الملفات بمعهد علوم الأدلة الجنائية، هنا تقنيون آخرون في طور معالجة قضايا أخرى تتعلق بشيكات مزورة، توصيلات كراء وعقود أنجزها موثقون مشكوك في صحتها. منها شيك مزور دخل قبل أسابيع إلى المعهد. صاحب الشيك يقر بأن المبلغ الذي يتضمنه مجانب للمبلغ المضمن فيه حاليا، المبلغ الأولي كان 90 ألف درهم. قبل أن يصبح أزيد من 700 ألف درهم.

بالتزامن مع سير هذه القضايا. تقنيون آخرون يجتازون اختبارات كتابية، ستليها أخرى في شكل عروض في اليوم الموالي، حول مهامهم المستقبلية، تبعا لفرق مختلفة كل حسب مهامها، ضمنهم فرق مسرح الجريمة.

عبد الحميد الاسطنبولي، مدير معهد علوم الأدلة الجنائية، يتابع كل صغيرة وكبيرة بخصوص تفاصيل سير الامتحانات، قبل الالتحاق بقسم تحليل الوثاثق والكتابات والتوقيعات، للإشراف أيضا على نتائج قضايا تتعلق بشيكات وعقود مزورة تجري معالجتها بالمعهد.

التقنيون بقسم البصمات في طور أخذ صور توثيقية لمذكرة حفظ

طعن في وثيقة عرفية
بالتزامن مع التحقيق في قضايا المعهد المختلفة، يرد على مصلحة استلام وتدبير العينات ملف عقد عرفي، تطعن فيه سيدة مدعية عدم تواجدها بعين المكان لحظة إنجاز هذه الوثيقة. تطعن أيضا في بصمة تدعي أنها لا تعود إليها. البصمة واردة في الوثيقة العرفية. وتم سحب مذكرة الحفظ وإخضاعها هنا للتدقيق والمعالجة بغرض المطابقة. يجري إشعار قسم البصمات بالمستجدات، من أجل التحقق من هوية صاحب هذه البصمة.

الدكتور نور الدين التيجاني، رئيس مصلحة البصمات، بصدد أخذ صور توثيقية للملف، والغاية كشف الآثار الكامنة الخفية عن العين المجردة، والتي تتضمنها صفحات المذكرة، فللفيزياء والكيمياء رأي في عدد من القضايا المستعصية القادمة من محاكم المملكة، وهنا تَفك المعادلات الرياضية خيوطها بشكل دقيق.

داخل هذه الآلة يتم الكشف عن جل البصمات الواردة في الدعامات الورقية وغيرها ضمنها مذكرة حفظ موضوع خبرة جنائية. بمساعدة آلات أخرى، البصمات الخفية غدت بادية تماما.

الدكتور نور الدين التجاني بصدد توثيق كل هذه النتائج في خوادم وسيرفرات تشكل بنك معلومات بالمعهد بغاية التعرف على قضايا مشابهة مسقبلا يكون أطرافها من تخصهم التوقيعات الواردة في الوثيقة.

اختبار نموذجي لإطلاق خرتوشة أطلقت من سلاح للصيد بغاية المطابقة

مسرح الجريمة..أدلة غريبة
عدد الملفات التي حسمتها أبحاث قسم البصمات تتجاوز 400 قضية منذ شروع المعهد في التوصل بملفات المحاكم. هذه المصلحة تشتغل على عدة ملفات قادها البحث إلى هنا.

بعد التأكد من وجود بصمات أحد المشتبه فيهم في إحدى القضايا على سطح قنينة ستسلك هذه الأخيرة مسارا آخرا نحو مصلحة السموم الجنائية. الغاية التأكد من سمية سائل استهلكه أحد المواطنين خلال تواجده بالشارع.

مولاي احمد بليمام، رئيس مصلحة السموم الجنائية، يشرف في هذه الأثناء على تحديد مدى سمية المحلول الذي تضمنته القارورة. في حال نتائج إيجابية بوجود إحدى المخدرات مثلا، سيتعذر إنجاز تقارير نهائية بخصوص أسباب الوفاة، احتمالات متعددة تفرض ذلك، بسبب ما تواجد في دم الضحية قبل وفاته.

هل كان تركيز إحدى المخدرات سببا في الوفاة، أم أن الحقيقة العلمية تقود إلى أشياء أخرى؟ بعد ساعات من الإشراف على كواليس وتفاصيل هذا البحث، يشير بليمام، رئيس مصلحة السموم الجنائية، إلى أن محتويات القارورة السامة سبب رئيسي في الوفاة، على أن يتم إجراء اختبارات أخرى بمصلحة المخدرات للحسم وفك خيوط القضية.

قسم المخدرات.. كواشف كيميائية
مادة بيضاء وُجدت في جيب الضحية، الذي توفي بسبب المادة السامة التي استهلكها من القنينة، التي حجزت بمسرح الجريمة. المادة البيضاء تفرض البحث في تفاصيلها هنا لتحديد مدى خطورتها. التحاليل التأكيدية لقسم السموم تنضاف إليها الآن تحاليل قسم المخدرات، الذي يدخل على الخط لتحديد نوعية هذه المادة. هل يتعلق الأمر بالكوكايين أو الهيروين أو ما شابههما؟ العملية تقتضي أيضا البحث عن جميع الآثار المتعلقة بالمخدرات على ملابس الضحية.

تحاليل توجيهية باستخدام كواشف كيميائية، وأخرى تأكيدية، يتم إجراؤها فيما بعد للتوصل إلى نتائج نهائية، تفيد صحة المعطيات. الملازم نزهة فتوخ، رئيس قسم المخدرات بمعهد علوم الأدلة الجنائية، تشير إلى أن الكواشف خلال المرحلة الأولية تؤكد أن الأمر يتعلق بالكوكايين.

التحاليل داخل هذا القسم تجرى بآليات عالية الدقة. لتحديد مدى خطورة المواد المخدرة ونوعية المادة والمواد المضافة إليها من أجل زيادة المحتوى قصد الربح المادي.

وفاة غامضة أثناء حفر بئر.. للمتفجرات علاقة؟
من مصلحة السموم الجنائية، يتلقى مولاي احمد بليمام في هذه الأثناء إشعارا من قسم المتفجرات. المصلحة توصلت للتو من قسم استلام وتدبير العينات بالمعهد بإحدى القضايا تعود لوفاة ناجمة عن انفجار خلال حفر إحدى الآبار، بفعل إحدى الصواعق المدنية. التقنيون بالقسم للبحث في التربة عن الأدلة اللازمة، وسبب الوفاة.

العينات ستسلك تسلسلا زمنيا خاصا. لتحليل المواد المتفجرة والشظايا المتواجدة في التربة. خيوط معدنية تؤكد الفرضية أوليا. فرضية الوفاة جراء انفجار حدث أثناء حفر إحدى الآبار.

بوعيون توفيق، مهندس رئيس ممتاز، رئيس مصلحة الحرائق والمتفجرات، يقود تفاصيل البحث في هذا الملف، بغاية تحديد سبب الوفاة. هل للانفجار علاقة بالموضوع أم أن الحادث عرضي؟

تجري في هذه الأثناء مطابقة المعايير الدولية المعتمدة في الصواعق المدنية والمواد المتفجرة مع نظيرتها المستخرجة من التربة والتي عثر عليها بعين المكان. بعد دقائق من تحليل المعطيات بواسطة آلات معدة لهذا الغرض يظهر أن الانفجار حدث بناء على استخدام أحد الصواعق المدنية.

يؤكد رئيس قسم المتفجرات ظهور إحدى المواد المعدنية، في النتائج النهائية، بناء على محلول خاص بالشظايا المعدنية، وتدعى PETN-C، والمعروفة بقوتها التفجيرية. النتائج النهائية تؤكد استعمال صاعق مدني في حفر البئر وأودى بحياة شخص. نتيجة الخبرة العلمية سيتم موافاة قسم استلام وتدبير العينات بها بعد قليل.

سلاح للصيد.. خرتوشة وقتيل
رئيس قسم الأسلحة النارية يتوصل بقضية جديدة. إطلاق نار بواسطة سلاح للصيد أودى بحياة شخص. ثلاثة أشخاص الآن يشتبه في كونهم وراء عملية القتل. الأبحاث ستقول الحقيقة في غضون ساعات.

مختلف المراحل التي ستسلكها بندقية الصيد ومعها الخرتوشة التي وجدت في مسرح الجريمة، إلى غاية التأكد من أن الرصاصة نفدت بها. ستتم داخل هذه المصلحة. جرى سحب بعض العينات البيولوجية من أيادي المشتبه فيهم.

المراحل الأولية الهدف منها تحديد آخر تاريخ لاستخدام السلاح. حسب المعطيات البيانية يظهر أن السلاح استعمل حديثا. وبالضبط لمدة أقل من أسبوعين. سيجري اختبار إطلاق رصاصات بغاية المطابقة مخبريا. بواسطة السلاح موضوع الخبرة التقنية.

يشير عبد الواحد دحروش، رئيس قسم الأسلحة، إلى أنه يمكن استخدام حوضين لاختبار السلاح، الأول به القطن، مخصص للأسلحة التي لا تتجاوز سرعة أعيرتها النارية 500 متر في الثانية. فيما يخصص حوض مائي ثان للأسلحة التي تفوق سرعتها 500 متر في الثانية.

النتائج النهائية تشير إلى تطابق الخرتوشة التي تمت بها عملية القتل مع نظيرتها التي شملتها عمليات المطابقة.

معهد علوم الأدلة الجنائية..اختصاصات بالعشرات
تزامنا مع سير ملفات، ترد على المعهد قضايا تتعلق بعظام بشرية وجدت في إحدى المناطق الجبلية. أولا تجري عمليات الفرز، قبل استئناف الخبرة العلمية لتحديد أسباب وتاريخ الوفاة.

الأبحاث الأولية تدل على وجود كسور بهذه العظام البشرية التي تم سحبها من منطقة غابوية. الطبيب الشرعي ستتعذر عليه الإجابة عن سؤال تحديد تاريخ الوفاة، ومن أجل ذلك ستتم الاستعانة بقسم الحشرات الجنائية. فعدد من القضايا التي ترد على المعهد، تفك الحشرات خيوطها. اليرقات تقود عادة الفريق التقني للإجابة عن سؤال تاريخ الوفاة، عبر استخراج بعض الأعضاء وتصنيف الحشرات التي انتشرت في البقايا سابقا.

للمعهد تخصص أيضا في تحديد أسباب نفوق قطعان الماشية، وحوادث السيارات والحوادث العرضية الغامضة. للكاتيونات والكاتيودات، وبعض المعادلات الكيميائية رأي في حل قضايا محيرة ومعقدة، يتم من خلالها تحليل ومطابقة بعض العينات.

داخل أقسام المعهد أيضا، مهام دقيقة في المجال البيئي، مياه الاستحمام بالشواطئ. ونظيرتها في الآبار والوديان والأنهار. بالإضافة إلى تلوث الهواء والتربة، جلها قضايا يبحث فيها تقنيو المعهد.

القضية التي دخلت المعهد قبل أيام، بخصوص بصمة واردة في إحدى صفحات مذكرة الحفظ، تم فكها. النتائج الآن جاهزة، وستجري موافاة المصالح المعنية بها في غضون الأيام المقبلة، تعود الملفات بعد الخبرة إلى قسم استلام وتدبير العينات قبل أن تغادر صوب محاكم المملكة.

عبد الحميد الاسطنبولي : لم يسبق لمحاكم المملكة الطعن في الخبرات المنجزة
أكد عبد الحميد الاسطنبولي، مدير معهد علوم الأدلة الجنائية التابع للدرك الملكي، أن إحداث المعهد يعود إلى سنة 1989 حينما أصدر الملك الراحل الحسن الثاني تعليماته السامية بتدشين هذا الصرح العلمي قصد مواجهة خطر المد الإرهابي، بإنشاء وحدة متخصصة في تحليل المتفجرات وأنواعها، مشيرا إلى أن دعم الملك محمد السادس لهذه المنشأة متواصل.

واعتبر الاسطنبولي أن القضاء عرف قفزة نوعية جد هامة منذ سنة 1990 إلى حدود اليوم، بارتفاع عدد القضايا التي تتوافد على المعهد من جل محاكم المملكة، مشيرا إلى أن القضاء يلجأ إلى وحدات مسرح الجريمة، لأخذ العينات حسب المعايير الدولية المعتمدة في الدول الرائدة في هذا المجال ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية.

وثمن مدير معهد علوم الأدلة الجنائية حصول هذا الصرح العلمي على شهادة الجودة إيزو 9001، كما يجري التحضير للحصول على معيار الجودة 17025، التي تبقى بمثابة اعتراف دولي بكفاءة الأطر والخبراء داخل هذا النوع من المؤسسات العلمية.

وأوضح الاسطنبولي أن دور المعهد يرتكز على 3 أدوار رئيسية، منها الخبرة التي تعتمد على الدليل المادي لتنوير القضاء في ملفات غاضمة، والتكوين بانخراط المعهد في تأهيل الأطر والتقنيين لحسن إدارة وتدبير مسرح الجريمة، بشكل يشمل كافة الأطر ضمنهم المنسقين في مسرح الجريمة. والبحث العلمي عبر شراكات مع مختبرات جامعية وطنية ودولية، يتم عبرها تحضير دكتورات في العلوم الجنائية، ضمنها أبحاث علمية صدرت في مجلات علمية دوليا.

وكشف مدير معهد علوم الأدلة الجنائية التابع للدرك الملكي أن القضاء المغربي لم يسبق له أن طعن في إحدى ملفات الخبرة التي أنجزها المعهد، ما يؤكد مصداقية هذه المؤسسة، مضيفا : «هذا لا يعني عدم بحث المعهد على تطوير الجودة. فمن الضروري المشاركة على أساس سنوي في اختبارات تشمل جميع الاختصاصات، سواء مع الوكالة العالمية للطاقة النووية أو المنظمة العالمية لمحاربة الأسلحة الكيماوية».

وأفاد الاسطنبولي بأن المعهد يحتل مراتب متقدمة في مجال البحث العلمي، ويلجأ باستمرار لاقتناء تمارين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، تهم تقنيات في السيارات وصباغتها وتركيبها وعلوم الحشرات الجنائية، وغيرها من المجالات.

مدير معهد علوم الأدلة الجنائية التابع للدرك الملكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى