شوف تشوف

الرئيسيةبانوراما

كواليس حرب خفية على المعادن النادرة بين بكين وواشنطن

سهيلة التاور

تعتبر المعادن النادرة «فيتامينات الكيمياء»، وذلك نظرا لندرتها وأهميتها الكبيرة في عدة صناعات ثقيلة. وهي عبارة عن مجموعة من العناصر المستعملة في تصنيع عدة تجهيزات، باستعمال كميات محدودة ذات فعالية ناجعة. وتستخدم المعادن النادرة (مثل لانثانوم، نيوديميوم، براسيوديميوم، غادولينيوم، يوروبيوم) على نطاق واسع في تصنيع الهواتف الذكية، والبطاريات، والليزر، والمدافع الكهرومغناطيسية، وكذلك في تصنيع الصواريخ، وأجهزة استشعار الأسلحة المتقدمة، وتكنولوجيا التخفي، وتقنيات التشويش، وغير ذلك من التجهيزات الضرورية الحساسة.
وتعتبر الصين أهم دولة تتوفر على المعادن النادرة، حيث إنها استأثرت بإنتاج أكثر من 90 في المائة من حاجيات العالم من هذه العناصر على مدى العقد الماضي، علما بأن هذه النسبة تراجعت إلى 71.4 في المائة العام الماضي.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، توفر الصين 80 في المائة من احتياجاتها للمعادن النادرة المستخدمة في تصنيع ألواح الطاقة الشمسية، والطواحين الهوائية، وبطاريات السيارات الكهربائية، والهواتف المحمولة، وأجهزة الحاسوب، وأنظمة الدفاع الوطني، والمعدات الطبية، وحتى في صناعة تكنولوجيا النفط والغاز.
ففي 2018، حددت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية 35 معدنا نادرا مهما لاقتصاد البلاد وأمنها القومي. وتعتمد أمريكا بشكل كبير على واردات هذه المعادن، لأنها لا تنتج سوى عُشر إمدادات العالم، بينما تستورد نصف ما تستهلكه. وهذه التبعية المعمقة، تعكس ضعف الولايات المتحدة، وقد تزيد من هيمنة الصين في المستقبل.
كما أن هذه الوضعية تضع الولايات المتحدة في موقف خطر، خاصة في ظل التوترات التجارية القائمة بين البلدين بشكل متواصل. وفي ذروة الحرب التجارية السنة الماضية، أثارت زيارة الرئيس الصيني إلى مصنع مغناطيس المعادن النادرة شكوكا حول إمكانية لجوء الصين إلى قطع الإمدادات من هذه المواد الحيوية عن الولايات المتحدة، وما يمكن أن ينجم عن ذلك من شلل محتمل لقطاعات كبيرة من الصناعات.
ومن المتوقع أن تتضاعف صناعة المعادن النادرة العالمية من 8.1 مليارات دولار عام 2018 إلى 14.4 مليار دولار عام 2025، في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على المركبات الكهربائية والهواتف المحمولة والشرائح الإلكترونية.
واستباقا لهذا النمو الهائل، تعهد جو بايدن بإنشاء أكثر من 500 ألف محطة شحن جديدة للسيارات الكهربائية بحلول 2030، التي يبلغ عددها حاليا 26 ألف محطة.

الاستثمار في مشاريع التعدين
قررت أمريكا تخفيف اعتمادها الكلي على الصين، وذلك من خلال الاستثمار في مشاريع التعدين في كندا لإنتاج المعادن الأرضية النادرة الضرورية للقطاع الصناعي، وقد استأنفت أيضا استغلال المنجم الوحيد الموجود في كاليفورنيا، الذي توقف نشاطه منذ عام 2015.
وعقدت وزارة التجارة الأميركية يوم 18 مارس الماضي اجتماعا مع مجموعات التعدين الأمريكية وكبرى الشركات الصناعية مثل «تسلا tesla»، من أجل تشجيعها على الاستثمار في إنشاء طاقة إنتاجية جديدة للمعادن الثمينة في كندا.
كما أعلنت شركة «رير إيرث الأمريكية USA Rare Earth» في 11 مارس المنصرم عن الاستثمار في شركة «سيرتش مينيرال Search Minerals» الكندية المتخصصة في التعدين، للعمل بشكل مشترك على استغلال منجم مستقبلي يقع في جزيرة نيوفاوندلاند (شرق كندا).
وتنقب شركة «سيرتش مينيرال» عن المعادن الثمينة في منطقة غنية بالمعادن يبلغ طولها 63 كيلومترا، في حين لا يتجاوز عرضها كيلومترين. ويمكن للشركتين العمل معا في ولاية تكساس والتسويق للمعادن الثمينة. وقد صرحت الشركتان في بيان مشترك بأن الهدف هو «تطوير سلسلة توريد للمواد الحيوية في أمريكا الشمالية».
كما تعهد جو بايدن بدعم الاستكشاف المتزايد لليثيوم والنحاس والنيكل والمعادن النادرة الأخرى، لتوفير احتياجات البلاد من المعادن الضرورية لصناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والمركبات الكهربائية. وكثفت حكومة الولايات المتحدة من جهودها لتوسيع دائرة التنقيب عن المعادن النادرة.

إعادة التدوير
في حالة قيام الصين بحظر تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة دون سابق إنذار، فإن البلاد تستطيع أن تعول على بلدان أخرى مثلما فعلت اليابان قبل عقد من الزمان، أو بإمكانها إعادة تدوير المعادن المستعملة.
ومع أن عملية التدوير تبقى محدودة جدا في الوقت الحاضر، فإن إمكانيات الولايات المتحدة في هذا المجال واعدة، إذ يمكن أن تتطور نسبة التدوير من 1 إلى 20 في المائة وحتى 40 في المائة، وهو ما يعادل 5 في المائة من احتياجاتها من هذه المعادن، أو ما يقرب من نصف إنتاج المناجم السنوية في الولايات المتحدة، وذلك حسب ورقة نشرت عام 2014.
وحسب سايمون جويت، الأستاذ المساعد في جامعة نيفادا بلاس فيغاس، يمكن للولايات المتحدة إعادة تدوير أكثر من 40 في المائة من عناصر المعادن النادرة اعتمادا على معدلات اعتماد تقنيات مثل المركبات الكهربائية.
ولكن إعادة تدوير هذه الكمية من المعادن النادرة ليست بالأمر الهين. فإعادة تدوير الأنواع المتنوعة من الإلكترونيات لن توفر بالضرورة ما يكفي من المعادن النادرة. وفي كثير من الحالات، لا يتحمل المصنعون عادة مسؤولية إنجاز عمليات التدوير، مما يعني أنهم قد يجهلون ربما طبيعة المكونات التي تحتوي عليها هذه المواد.
وتحتاج الولايات المتحدة في مجال المعادن النادرة إلى اتباع النهج الأوروبي، حيث إن «توجيه النفايات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية» الصادر عن الاتحاد الأوروبي لا يفرض على مصنعي الأجهزة الإلكترونية إعادة تدوير تلك الأجهزة أو تمويل هذه العملية فحسب، بل يقضي أيضا بمطالبة البائعين بتقديم خدمة جمع النفايات الإلكترونية بالمجان.

الصين تفوز
تحتكر الصين فعليا إنتاج المعادن الأرضية النادرة. وعلى خلفية تصاعد التوترات التجارية، هددت بكين واشنطن في العديد من المناسبات بفرض حظر على توريد المعادن النادرة، الشيء الذي من شأنه أن يخلق تحديات هائلة أمام المصنعين.
وبما أن الصين تحتكر المواد النادرة المهمة في صناعة الهواتف الذكية والتكنولوجيا الخاصة بها، فهي تسبق حاليا الولايات المتحدة بأنظمة ترددات الجيل الخامس للإنترنت (5G)، الذي يتوقع أن يحدث ثورة في العالم وخاصة في مجال الرقمنة على إنترنت الأشياء وإنترنت الاستشعار وإنترنت الحواس.
وما زالت الشركات التكنولوجية الأمريكية متأخرة كثيرا عن نظيرتها الصينية في التوصل إلى بناء معدات وأنظمة قادرة على توفير سرعة الإنترنت التي تقدمها الشركات الصينية، وأبرزها «هواوي».
وتأمل الصين في أن تصبح المورد الرئيسي لتكنولوجيا الجيل الخامس، وكل المواد اللوجستية المتعلقة بهذه التكنولوجيا، وهي تحث زبائنها على اعتماد رؤية للشبكة تقارب رؤيتها.
كما تدعو الصين دول العالم إلى استخدام «السور الرقمي العظيم» الذي تتصدره مجموعة «هواوي»، هذه الشركة التي ما برحت واشنطن تضغط على حلفائها من أجل إقصائها، بحجة تجسس الشركة لحساب بكين.
ومن جهة أخرى، سجلت الصين نسبة نمو بلغت 2.3 في المائة خلال العام الماضي، وهي واحدة من دول قليلة جدا حول العالم التي تسجل نموا إيجابيا في أسوأ الأعوام على مستوى الاقتصاد العالمي، منذ الكساد الكبير عام 1929.
ومنذ سبعينات القرن الماضي حتى نهاية 2019، لم تسجل الصين نموا أقل من 5 في المائة سنويا، بينما لم تسجل الولايات المتحدة نموا فوق 5 في المائة، إذ منذ عام 1984 لم تحقق الأخيرة نموا فوق 5 في المائة، بحسب بيانات النمو التاريخية.
وفي نهاية العام المنصرم، قال مركز رائد للأبحاث الاقتصادية إن الصين ستصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2028، متفوقة بذلك على الولايات المتحدة، قبل خمس سنوات مما كان متوقعا في السابق.

أمريكا في موقف ضعف
اقترحت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية في يناير الماضي خطة لتقييد استخراج وتصدير 17 معدنا أرضيا نادرا في الصين، التي تستحوذ على 90 في المائة من الاحتياطي العالمي من هذه المعادن النادرة.
وعندما سأل مسؤولون حكوميون وزارة الصناعة عن مدى تأثر الشركات الأمريكية والأوروبية وضمنها شركات صناعة الأسلحة، في حال فرضت بكين هذه القيود، خلال أزمة محتملة مع إحدى هذه الدول. كان الجواب هو أن الحكومة أرادت أن تعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة ستواجه مشاكل في صناعة مقاتلات «إف- 35»، في حال فرضت الصين حظر تصدير المعادن، مضيفة أن الحكومة أرادت أيضا معرفة مدى سرعة الولايات المتحدة في تأمين مصادر بديلة للمعادن الصينية.
وتتطلب صناعة طائرة واحدة من مقاتلات «إف- 35» 417 كيلوغراما من معادن نادرة، تستخدم في تطوير معدات أساسية في الطائرة، من قبيل نظام الطاقة الكهربائية وقطع المغناطيس. وتدخل هذه المعادن أيضا في صناعة منتجات تكنولوجية أخرى، ضمنها الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والتوربينات الريحية.
وقال زانغ روي، الخبير في وكالة «أنتايك» الصينية للاستشارات المدعومة من الحكومة، إن «شركات صناعة الأسلحة الأمريكية توجد على رأس قائمة الشركات المستهدفة بقيود التصدير».
وحذر مسؤولون في الحكومة الصينية من أن القيود قد تدفع خصوم بكين إلى تسريع تطوير قدراتهم الإنتاجية الخاصة، والحد من هيمنة بكين على الصناعة. وقال زانغ روي إن «خطة تقييد الصادرات تعد سيفا ذا حدين، ويجب تطبيقها بحذر كبير».
وأصبحت وزارة الدفاع الأمريكية قلقة بشكل متزايد من اعتماد صناعة السلاح الأمريكية على المعادن الصينية النادرة، التي تبقى ضرورية في صناعة معظم الأسلحة الأمريكية، من الصواريخ الموجهة إلى الطائرات المسيرة.
وحذرت إلين لورد، وهي مسؤولة بارزة في البنتاغون، الكونغرس الأمريكي في أكتوبر الماضي من أن الولايات المتحدة قد تحتاج إلى تجميع مخزون من بعض المعادن النادرة، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة «في موقف ضعف حقيقي» أمام الصين.

الصين تحتكر المواد النادرة المهمة في صناعة الهواتف الذكية والتكنولوجيا الخاصة بها، فهي تسبق الولايات المتحدة بأنظمة ترددات الجيل الخامس للإنترنت، الذي يتوقع أن يحدث ثورة في مجال الرقمنة على إنترنت الأشياء وإنترنت الاستشعار وإنترنت الحواس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى