شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاص

كواليس تعثر مشروع «الحاضرة المتجددة» بمراكش

7 ملايير درهم من المال العام في مهب الريح بدون محاسبة

بعدما تعاقبت عليه ثلاثة مجالس جماعية، يواصل المشروع الملكي «مراكش الحاضرة المتجددة» إثارة الجدل، في ظل خروج عدد من الجمعيات، المدافعة عن حقوق الإنسان وحماية المال العام، للتنديد بالتأخر الكبير الذي لا زال يطول أشغال هذا المشروع الذي كلف ما يناهز سبعة ملايير درهم دون حصول أي تغيير ملموس في صورة المدينة الحمراء، حيث ما زالت الأشغال مستمرة بالرغم من الخروقات والاختلالات المسجلة في هذا المشروع، الذي حددت دفاتر التحملات إتمامه مع بداية عام 2017.

 

محمد وائل حربول

 

وفقا لما حصلت عليه «الأخبار» من وثائق خاصة من مصادر حقوقية و»مراسلات للوالي السابق للجهة، وعدد من المخططات الهندسية والمعمارية»، فقد عرفت مشاريع «مراكش الحاضرة المتجددة» مطبات وخروقات كثيرة تم رصدها من قبل الجهات المختصة والهيئات المدنية الفاعلة، على غرار ما جرى بمنطقة «العزوزية» في ما يخص المشروع المتعلق بـ «محطة الحافلات» و»الباركينغ» الخاص بسيارات الأجرة بالمنطقة ذاتها، إضافة إلى المشروع الكبير المعروف بـ «دار زنيبر» قرب المعلمة التاريخية قصر الباهية. غير أن ما يميز مشروع «الحاضرة المتجددة» عن غيره هو عدم محاسبة المتهمين بإفشاله إلى حدود اليوم، والذين أجرت معهم عناصر الشرطة المكلفة بجرائم الأموال التابعة للفرقة الجهوية للشرطة القضائية بولاية أمن مراكش تحقيقاتها تحت إشراف النيابة العامة المختصة، بخصوص عدد من الاختلالات التي شابت مجموعة من الصفقات العمومية، الخاصة بمشاريع ثقافية وتنموية بمراكش، وهي الاختلالات التي رصدتها الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان في شخص رئيسها، لدى استجوابه من أعضاء الفرقة الوطنية بمدينة الدار البيضاء.

ومن الخروقات المسجلة ما يتحمل مسؤوليته منتخبون وبرلمانيون، ضمنهم برلماني سابق عن حزب العدالة والتنمية، ومستشار حالي عن حزب الاتحاد الدستوري، وسماسرة معروفون داخل المدينة، وهو ما جعل عددا من الحقوقيين المتابعين للشأن العام المحلي يتساءلون عن مدى جدوى المبدأ الدستوري المتمثل في «ربط المسؤولية بالمحاسبة» عبر بلاغات متتالية لهم، توصلت «الأخبار» بنسخ خاصة منها. إذ وإلى حدود الساعة، وبالرغم مما تم إثباته من خروقات، من خلال مجموعة من لجان التحقيق وقضاة المجلس الأعلى للحسابات، عبر تقاريرهم السنوية في هذا المشروع، والتي من ضمها ما أقره مجلس الحسابات بخصوص «انعدام التفاصيل المتعلقة ببرنامج الاستثمار الأولي في النقل الحضري وطريقة تنفيذه، وانتشار الأصول المالية مقارنة بالأصول الثابتة»، حيث كشف المجلس أنه وعوض «تحسين جودة النقل العام الحضري، شارك صاحب الامتياز في عمليات استثمار مالي متجاهلا شروط العقد».

 

أهداف المشروع الخمسة لم تتحقق

بالعودة إلى أهم التفاصيل والأهداف التي تم إحداث المشروع الضخم من أجلها، والمتمثلة في «الموروث الثقافي وتحسن النقل الحضري والإدماج الحضري وترسيخ الحكامة الجيدة والمحافظة على البيئة»، فإن أيا من الأهداف الخمسة المذكورة لم يتم تحقيقها. وبالرجوع إلى التقارير التي تم رصدها في هذا الصدد، فقد تم إثبات أن هذه المشاريع «فشلت فشلا ذريعا من جهة، وشهدت خروقات وهدرا للمال العام تجاوز كل الحدود من جهة أخرى»، بحسب ما جاء في البلاغات والبيانات التي أصدرها حماة المال العام في المغرب، وعدد من الجمعيات الحقوقية بمدينة مراكش. وكان من ضمن هذه المشاريع «مشروع الحافلات الكهربائية» الذي خصص له مبلغ فاق 24 مليارا بدون دراسة واقعية وملموسة، وبعد الشروع في أشغال إنجاز المشروع التي نغصت على المراكشيين حياتهم اليومية، كانت النتيجة هي الفشل وعدم اعتماد المواطنين عليه، وما الأرقام التي تم الإعلام عنها إلا دليل على هذا «الفشل»، وهو الشيء نفسه الذي ينطبق على ملفات البيئة والنظافة والإدماج الحضري.

وكشفت التحقيقات التي قامت بها الجريدة في هذا الصدد، أن عددا من المشاريع الصغرى التي تتفرع من المشروع الأم، تم إنجازها بدون دراسات. واستنادا إلى المراسلات والشكايات التي حصلت عليها الجريدة، فإن بعض مشاريع إعادة تهيئة المدينة العتيقة تمت بدون الرجوع لدراسات خاصة، وأخرى تم إسنادها لمكتب دراسات واحد، فيما كانت الصفقات التي يبرمها المجلس الجماعي مع الشركات النائلة تتجه لبعض الشركات المملوكة لرجال أعمال تربطهم علاقة خاصة ببعض البرلمانيين والمستشارين، والتي من ضمنها مشروع إعادة تهيئة المدينة العتيقة، وخاصة سوق «السمارين» المعروف وسط المدينة، والذي تضرر مجموعة من تجاره الذين يفوق عددهم 300 تاجر وصانع تقليدي.

وبمقاطعة المنارة بمدينة مراكش، وتحديدا بمنطقة تاركة، تم تفويت العقار المملوك للدولة ذي الرسم العقاري 5938/م، لفائدة أحد منتخبي المجلس الجماعي لمراكش، بثمن زهيد لا يتعدى 620 درهما للمتر المربع الواحد، من أجل تشييد تجزئة سكنية، وهو المشروع الذي تمت المصادقة عليه من طرف لجنة الاستثناءات. وقد عملت إدارة الأملاك المخزنية على طرد مجموعة من الأسر والعائلات التي كانت تستغل العقار وتؤدي واجبات الكراء لفائدة الإدارة المذكورة، وعند اعتراض أصحاب هذه الأسر على عملية الطرد التي لم تراع أوضاعهم الاجتماعية، تمت متابعة بعضهم.

 

توقف مشاريع كلفت الملايير

تواصل مجموعة من اللجن الموفدة من قبل وزارة الداخلية التحقيق في مجموعة من المشاريع بمراكش، والتي تمت إعادة إحيائها من جديد وتم صرف الملايير عليها بدون أية نتيجة تذكر. وأكدت مصادر خاصة أن لجانا من الداخلية حطت الرحال مؤخرا بالمدينة الحمراء رفقة قضاة المجلس الأعلى للحسابات للبحث والتحقيق في مصير عدد من المشاريع، والتي من ضمنها الاختلالات المالية والإدارية التي وقعت فيها مديرية الثقافة بالمدينة الحمراء، خاصة ما تم رصده في عدد من الصفقات العمومية التي جرى إبرامها في وقت سابق، والمرتبطة بالمشروع الملكي «مراكش الحاضرة المتجددة» والتي توجد من ضمنها صفقات تهم ترميم وإعادة بناء عدد من أحياء المدينة القديمة لمراكش.

عبد الإله طاطوش، الناشط المدني المحلي، أكد أن جمعيات حقوقية وعددا من الخبراء رصدوا مجموعة من المشاريع الفاشلة والمسكوت عنها والتي تدخل في إطار الحاضرة المتجددة، بالرغم من الزخم و «البروباغندا» التي رافقت إنجازها من أجل التغطية على فشلها، وهو ما جعل نشطاء المدينة يطالبون بضرورة خروج المجلس الجماعي للمدينة للتواصل ووضع المواطن المراكشي في الصورة، وتوضيح الوضع بشأن المشاريع التي لا تزال مستمرة ويهدر عليها قدر كبير من المال العام، حيث طالبوا بالموازاة مع هذا الكشف عن كل المبالغ التي تم تخصيصها منذ بداية المشروع، قبل أن يقوموا بالدعوة لتفعيل المبدأ الدستوري المتمثل في «ربط المسؤولية بالمحاسبة» في حق كل من ثبت تورطه في الاختلالات التي تزال تظهر بين الفينة والأخرى، وضمنها ما عرت عليه الأمطار الأخيرة بالمدينة العتيقة لمراكش.

ومن جهته، قال الحقوقي محمد الهروالي، المنسق الجهوي للمرصد الوطني لمحاربة الرشوة وحماية المال العام، الذي فجر عددا من القضايا المتعلقة بالمشروع، خاصة منها المتعلقة بالصفقات التي أبرمتها مندوبية الصحة، إن «مشروع الحاضرة المتجددة الذي استبشر المراكشيون به خيرا بعدما رصد له مبلغ بقيمة 6.3 مليارات درهم (764 مليون دولار)، لم يكن له أي أثر يذكر، ما عدا أثر الخيبة والحسرة والتألم»، حيث أوضح أن ما أحز في نفوس المراكشيين هي كمية اللعب على الشعارات التي تم رفعها من قبل كل المجالس المنتخبة التي مرت عليه، إذ كان هذا الأمر من بين الأسباب المباشرة والغير مباشرة للعديد من الأزمات والاحتقانات المجتمعية التي عرفتها المدينة، إذ اصطدم المشروع بالعديد من العقبات والمطبات التي كشفت بالملموس أن إرادة المنتخبين وممثلي المدينة لا تساير الهمة الملكية و لا تجاريها في نفس الإرادة و الطموح ولا تساير تطلعات المواطنين، بل تساير فقط  الجشع الحاصل والذي تم إثباته بوثائق كثيرة، من خلال التفويتات الكبيرة التي تم التوقيع عليها للخواص وللشركات.

 

تحقيقات وشبهات فساد مالي

اعتبر الهروالي أن المشروع الذي يجب أن يقوم بإظهار المدينة والتعريف بها كعاصمة عالمية تحول إلى حديث لوسائل الإعلام والرأي العام حول تحقيقات وشبهات فساد مالي وتسيير كارثي كلف لحدود الساعة ما يقارب 8 مليارات درهم دون طائلة أو تغيير جذري يذكر،  وهو الشيء الذي جعلنا كحقوقيين نطالب بربط المسؤولية بالمحاسبة والصرامة في تنفيذ الأحكام، مع توجيهنا لنداء خاص لكافة الحقوقيين وحماة المال العام والإعلاميين لفضح الخروقات الأخرى والتي عرت عليها الأمطار الأخيرة التي هطلت على المدينة.

وأوضح المتحدث ذاته أن دورهم كحماة للمال العام حتم عليهم التقدم بمجموعة من الشكايات للسلطات الوصية، إذ أن هذه الشكايات ولحدود الساعة لا يعرف مآلها، مضيفا أنهم أصدروا بالموازاة مع هذا العديد من البيانات التي لم يسمع بتحريك الدعوى العمومية فيها، مؤكدا تقدمه بطلبات للولوج إلى المعلومة في هذا السياق، وهو الشيء الذي أكد على أنه ألزم عليه اللجوء للقضاء رغم ما لذلك من تكلفة مادية و معنوية في أي ملف نواجهه يتعلق بالمال العام أو التسيير، في حين كان من الممكن تفادي إرهاق المجتمع المدني بالتقاضي بدل أن يقوم بدوره في التأطير وتفادي العشرات من لجان التحقيق، لو اهتم القائمون على الشأن العام بنشر جميع المعلومات والوثائق حول المشاريع و ظروف إنجازها و الشركات النائلة و ظروف نيلها وغيرها من التجاوزات التي أظهرتها التحقيقات التي قامت بها وزارة الداخلية وقضاة المجلس الأعلى للحسابات.

 

حبر على ورق

يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري، أن المملكة المغربية تمتلك دستورا فريدا من نوعه ومتفردا، إذ إنه الدستور الوحيد في العالم الذي يحتوي على صيغة ربط المسؤولية بالمحاسبة، معتبرا أن هذا المبدأ جاء لشرح الواضحات وهو لا يتحقق ويكاد يكون منعدما إلا في بعض الحالات.

وقال العلام إنه يكفي أن نعطي مثالا واضحا لأحد المشاريع التي يحتوي عليها «مشروع الحاضرة المتجددة» والمتمثلة في الخط الذي تم إنجازه وسط الطريق الذي تمر منه حافلات كهربائية تكاد تكون فارغة من الركاب طيلة اليوم، محطات قليلة ومتباعدة، بمبلغ فاق 24 مليار سنتيم، إضافة إلى مصاريف شحن البطارية التي تكلف شهريا ما يفوق 6 ملايين سنتيم، وأكثر من ذلك أنه عوض أن يرتقي بخدمات المدينة فإنه فعل العكس من ذلك، من خلال تضييقه على المواطنات والمواطنين، حيث هدرت فيه أموال طائلة دون نتائج تذكر ودون أن يقدم خدماته المرجوة.

وأضاف الأستاذ الجامعي: «من سيحاسب من؟»، معتبرا في هذا الصدد أنه يمكن الرجوع إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي كانت قد تطرقت لهذا المشروع برمته من جهة وعرت عن حقائق كثيرة وكشفت مجموعة من الاختلالات من جهة أخرى، غير أن هذه التقارير «تبقى حبرا على ورق لا غير، بحيث لا يتم تفعيل المحاسبة وتنزيل العقوبات بالرغم من كافة الأدلة التي تم إثباتها وفقا لوثائق واضحة».

وتساءل عبد الرحيم العلام: «ما الغاية من هذه التقارير السنوية التي يتم إنجازها؟ هل الغاية إخبار المواطنين بوجود سرقات بالمكشوف ووجود فساد بالمكشوف؟» ليستدرك بالقول إن «الأمر أصبح يتعلق باستفزاز لمشاعر المواطنين، فهناك بالفعل إشكال حقيقي، فالتشخيص بالفعل موجود وهو ما يقوم به المجلس الأعلى للحسابات على أحسن وجه، بل إنه يقوم بتشخيص جيد. لذلك فالمشكلة هنا هي أن المسؤولية مشتتة»، مشيرا إلى أنه كان قد أوضح هذا الأمر بالقول إن «المشرع الدستوري تفنن في تشتيت المسؤولية، حتى إنه لا يمكن أن تضبط مسؤولا متلبسا بما يقوم به من مخالفات».

وأضاف المتحدث ذاته أن المسؤولين بالمدينة الحمراء أصبحوا يتفننون في كيفية إرضاء الجهات التي يمكن أن تنتقدهم، وذلك من خلال قطع الأصبع الذي يشير إلى الفساد، وهي الطريقة المبتكرة، خاصة عند المسؤولين المحليين، وهو ما يبقي المحاسبة بعيدة جدا ولا تتحقق بالرغم مما تم إثباته من خروقات في هذا الصدد، وبالرغم من المشاريع التي لم تكتمل في وقتها المحدد بل تجاوز موعدها الأربع سنوات، وبالرغم من الملايير التي بذلت في هذا المشروع والتي لم تعط ثمارها.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري أنه و«بالرغم من أن هذا المشروع كان الهدف منه تنمية مدينة مراكش، إلا أن المدينة تتخلف يوما بعد يوم، وتعود للقهقرى، بل إن المدينة أصبحت من أكثر المدن تلوثا في المغرب»، مشيرا إلى أنه يكفي أن «نعطي مثالا بوجود البناء العشوائي داخل أرقى مناطق المدينة، وأكثر من هذا فهذه الظاهرة أصبحت منتشرة كما أن منح التصريحات يكون عشوائيا للغاية، يكفي أن نعطي مثالا أيضا بعدد المدارس الخاصة التي تم إنشاؤها داخل مناطق سكنية غير مسموح باحتوائها لمثل هذه المشاريع وغيرها الكثير من التجاوزات التعميرية التي لا يتم منعها أو التدخل لمنعها، ولا يتم محاسبة من منح ترخيصا غير قانوني لها، فما بالك بمشروع بحجم كبير على غرار مراكش الحاضرة المتجددة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى