كواليس اتفاق جمع بوتفليقة مع الجنرالات قسموا خلاله الجزائر بينهم
يونس جنوحي
بوتفليقة لم يكن متحمسا للحكم؟ هذا ما يقوله هشام عبود في هذه المذكرات حسب اللقاء الذي جمعه به سنة 1989 في الفيلا التي لم تكن تبعد عن القصر الرئاسي إلا بأمتار قليلة. وبعد تسع سنوات فقط، أصبح بوتفليقة رئيسا للجزائر. رغم الانتقادات الكبيرة التي وجهها في تلك الجلسة إلى الجنرالات، حيث قال في معرض حديثه، الذي نقله عنه هشام عبود، إنه مارس السياسة عندما كانت في مجدها خلال الستينيات والسبعينيات، ويقصد عهد الهواري بومدين، وأنه ليس مستعدا أبدا للعودة إلى الساحة السياسية التي أصبح فيها دور السياسيين تلميع أحذية الجنرالات. ماذا حدث إذن لكي تتغير مواقف عبد العزيز بوتفليقة سنة 1998، ويغدو مستعدا لكي يصبح رئيسا للبلاد في السنة التي بعدها.
يقول هشام عبود إن الأمر يتعلق بصفقة مع الجنرال العربي بلخير. هذا الأخير، كما سبقت الإشارة، كان على أبواب الإحالة على التقاعد، وكان يرمي إلى تعبيد الطريق لتبقى سالكة أمام مافيا الجنرالات، ويضمن بالتالي لنفسه تقاعدا مريحا من الجيش فقط، وليس من الساحة السياسية في الجزائر.
الصفقة
هذه الصفقة تقوم أساسا، كما يشرح هشام عبود، على حاجة الجنرال العربي بلخير إلى وجه «عالمي» يحظى بسمعة دولية. عبد العزيز بوتفليقة هو الوحيد الذي كانت تتوفر فيه هذه الشروط على اعتبار أنه كان وزيرا للخارجية الجزائرية منذ استقلالها ولديه علاقات مع نخب الاشتراكيين والجمهوريين الفرنسيين رغم أنهم لم يكونوا على وفاق معه. بالإضافة إلى أنه كان حاضرا خلال أهم القمم العربية التي مثل فيها الجزائر خلال الأزمات العربية، ويجر وراءه تاريخا من العلاقات مع رؤساء عرب وأجانب، تجعله مؤهلا لإخراج الجزائر من العزلة التي وضعها فيها الجنرالات عندما جعلوا من سفارات الجزائر في الخارج مجرد أماكن لقضاء الجنرالات لعطل طويلة، بدون أي أهداف سياسية.
هذه العزلة التي كانت تعيشها الجزائر، زادت من حدتها أزمة العشرية السوداء، حيث أصبحت البلاد في أعلى اللائحة السوداء للدول التي لا تنصح دول الغرب مواطنيها بزيارتها بسبب عدم الاستقرار السياسي والتهديد الأمني، خصوصا وأن الإعلام الدولي كان يتحدث عن مجازر جماعية تُرتكب يوميا في الجزائر وسط اتهامات للنظام بالضلوع وراءها، واتهامات الإسلاميين، خصوصا المنفيين في الخارج، للجنرالات بفبركتها ونسبها للجماعات الإسلامية داخل البلاد.
كان عبد العزيز بوتفليقة الاسم الذي وقع عليه الإجماع، رغم أنه جاء إلى السلطة على أنقاض اليمين زروال الذي هدده الجنرالات وكانوا سوف يُزيحونه بالطريقة المذلة نفسها، الأنسب لكي تخرج الجزائر من دائرة العزلة التي وضعها فيها الجنرالات منذ 1979.
المثير أيضا أن بوتفليقة كان محط انتقاد من الصحافة الفرنسية عندما وصل إلى رئاسة الجزائر، بسبب ملف علاقته، وهو وزير للخارجية، بعدد من الشخصيات العربية والدولية التي أصبحت مطلوبة بتهمة الإرهاب. فكيف، إذن، جاء به الجنرالات لتهدئة الأوضاع الداخلية للجزائر.
يقول هشام عبود: «بوتفليقة لم يصبح رئيسا رغما عنه، بل كان فعلا يريد ذلك المنصب. كان لديه دور تاريخي يريد استعادته. بإمكانه التعايش مع المافيا، لكي تطلق له العنان في الحقل الاقتصادي، والذي يأمل بواسطته أن يصبح «الرجل الذي يحظى بالعناية الإلهية». هذا الطموح انتبه له الجنرال بلخير. دعا أتباعه إلى منزله لكي يلتقوا بالمرشح الجديد. ظهرت بوادر اعتراض وممانعة لدى بعض أعضاء مافيا الجنرالات، واعتبروا أن هذا الرهان محفوف بالمخاطر. يتعين على بوتفليقة أن يلعب بقوة».
بعد ذلك الاجتماع السري لأعضاء المافيا، عُقد اجتماع آخر، بينهم وبين بوتفليقة هذه المرة، حيث كان الجنرال بلخير يقود اللقاء، وتم الاتفاق، كما يقول هشام عبود، على أن يتسلم عبد العزيز بوتفليقة تدبير اقتصاد الجزائر والسياسة الخارجية. بينما يتكلف الجنرالات بالجيش والأمن. البلد كان في وضع الحرب، وعلى بوتفليقة، حسب الاتفاق دائما، أن يفوت وزارة الدفاع ومنصب القيادة العليا للقوات المسلحة للجنرال محمد العماري، تماما كما فعل الرؤساء من قبله.