سهيلة التاور
بعد أن كان بيل غيتس نجم التكنولوجيا في العالم، أصبح في زمن كورونا «نجم المؤامرات»، حيث أصبح اسمه يأتي وراء أخطر الإشاعات حول فيروس كورونا. فقد اقتنع جزء كبير من العالم بأنه هو من اخترع الفيروس، وأنه ينوي زرع شرائح دقيقة في جسم الإنسان للتحكم في البشر وغيرها من الاتهامات التي طالته فقط، لكونه الملياردير الذي يهتم باللقاحات ويساهم بأموال طائلة للصحة العالمية.
لم يسلم بيل غيتس، صاحب شركة «ميكروسوفت»، من نظريات المؤامرة التي تباينت ما بين أنه الرجل الذي «اخترع كوفيد- 19» ويريد إفراغ الأرض من سكانها، وأنه «زرع شرائح إلكترونية في البشر». وأصبح الملياردير الأمريكي الشهير الهدف المفضل لأصحاب نظريات المؤامرة، الذين يستفيدون من خلال منشوراتهم في زيادة عدد المشاهدات مع تفشي الوباء.
وشرح روري سميث، وهو مدير البحوث في «فيرست درافت»، وهي شبكة من وسائل إعلام تقوم بمشاريع لمكافحة التضليل عبر الإنترنت، أن غيتس الذي أصبح فاعل خير استحال «دمية فودو يزرع فيها المتآمرون من جميع المشارب»، مثل الإبر، «نظرياتهم المختلفة».
ووصفت ويتني فيليبس، من الجامعة الأمريكية في سيراكيوز، الملياردير الأمريكي الذي انخرط منذ 20 عاما عبر مؤسسة غيتس في حملات التلقيح ومكافحة الأوبئة، بأنه يستخدم كـ«فزاعة».
تصريحات بيل غيتس
أعلن «غيتس» خلال مقابلة تلفزيونية عزم مؤسسته الخيرية «بيل وميليندا غيتس» إنفاق مليارات الدولارات، لتطوير لقاح ضد «فيروس كورونا». وكان قبل ذلك قد كشف عن إمكانية اعتماد «شهادات رقمية» تظهر الحالة الصحية لصاحبها، وتساعد الجهات المعنية في تعقب الحالات المصابة، وبالتالي احتواء الوباء بشكل أسرع وأكثر فاعلية، وذلك خلال جلسة «رديت: اسألني أي شيء» (Reddit: Ask Me Anything).
الشهادات الرقمية سالفة الذكر هي ما بات يعرف بـ«الهوية الرقمية 2020» (ID 2020)، وهي عبارة عن مشروع مبتكر من قبل شركة «مايكروسوفت» بالتعاون مع أربع شركات أخرى، وهي بمثابة رقائق إلكترونية دقيقة يمكن زرعها في جسم الإنسان، بحيث تقوم برصد ليس فقط حالته الصحية، ولكنها تحوله إلى أداة طيعة يمكن التحكم فيها بكبسة زر.
لكن هذا الابتكار لا يعد الإنجاز الوحيد من نوعه لـ«بيل غيتس»، فقد قامت مؤسسة «غيتس» الخيرية بتمويل مشروع آخر يرمي إلى زرع شرائح دقيقة في جسد الإنسان تهدف إلى تحديد النسل، وتسمح للنساء بالتحكم في هرمونات منع الحمل في أجسادهن. وهو المشروع الذي تم إنجازه بالفعل، قبل قرابة ست سنوات، داخل مختبرات معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.
زرع شريحة «ID2020»
من يروجون لهذه الفكرة يستندون إلى أن بيل غيتس ألقى محاضرة مدتها 9 دقائق، من خلال منصة «تيد توك» الشهيرة عن الأوبئة في 2015، ويتعاملون مع هذا الحدث على أنه دليل الإدانة الدامغ في حقه. وهذا ليس بغريب، فعادة نظريات المؤامرة هي أن تأخذ معلومات قليلة من الواقع حتى تكتسب بعض المصداقية وتنسج باقي القصة من الخيال.
وحتى تكتمل فصول القصة المثيرة فإن باقي الرواية المزعومة تقول إن غيتس سينتج اللقاح الذي سيبيعه ويكسب مئات المليارات من خلال هذه الشريحة الموجود بها اللقاح، التي سيتم زرعها داخل أجسامنا حتى يسيطر علينا جميعا من خلالها.
وبالتالي، فهو كان في هذا الخطاب الشهير يدق ناقوس الخطر ويتحدث عن الدروس المستفادة من مواجهة وباء «إيبولا» في غرب إفريقيا في 2014، وكيفية تفادي الأخطاء ذاتها ونستعد في حالة ظهور وباء جديد، من خلال خطوات مثل توفير تمويل أكبر للبحث العلمي واكتشاف اللقاحات. ولكن للأسف دعوته لم تؤخذ على محمل الجد، وعليه فكما رأينا فإن معظم دول العالم لم تكن مستعدة في البداية للتعامل مع وباء كورونا.
الشركة تنفي الإشاعة
في الواقع، «ID2020» هي شركة يتعاون معها بيل غيتس تعمل على «تحسين الحياة من خلال الهوية الرقمية»، وفقا لما تعرف بنفسها في موقعها الإلكتروني. وتحالف «ID2020» مجموعة تتكون من مجلس تنفيذي وأربع لجان استشارية تضم خبراء متخصصين، وشركاء وسكرتارية. التحالف يوفر التمويل وأشكالا أخرى من الدعم المادي لمشاريع الهوية الرقمية… والتي تحمي الخصوصية وتركز على المستخدم.
بعد انتشار المزاعم المتعلقة بالرقاقة «ID2020»، «تلقى العاملون في مؤسسة ID2020 ومقرها نيويورك، تهديدات بالقتل»، وفقا لتقرير نشره موقع The New Humanitarian في 15 أبريل 2020. وينقل عن داكوتا غروينر Dakota Gruener، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة «ID2020»، أن هذه التهديدات مرتبطة بنظريات المؤامرة «الكاذبة تماما» حول فيروس كورونا.
وفقا للموقع، المؤسسة «لا تعمل على الرقائق المضمنة». وينقل عن غروينر أن «ID2020 لن تفكر في الرقائق أو المستزرعات»، لأنه يمكن استخدامها من دون موافقة المستخدم. وأشارت إلى أنه «لا ندعم (تقنية) التعرف إلى الوجه للسبب ذاته».
وأصرت على أن رؤية «ID2020» هي «عكس» أنظمة المراقبة واسعة النطاق «المخيفة للغاية»، موضحة أن «ID2020» تحاول جعل الشخص مسؤولا عن بياناته، والسماح له باستخدام الشهادات الرقمية كوثائق اعتماد، مثل القيادة أو المؤهلات المهنية أو سجلات التطعيم.
نسبة مشاهدات صاروخية
حصد مقطع فيديو بالإنجليزية يتهم بيل غيتس، من بين أمور أخرى، بالرغبة في «القضاء على 15 في المائة من سكان العالم» عن طريق اللقاحات وزرع رقائق إلكترونية في أجساد البشر، ما يقرب من مليوني مشاهدة على «يوتيوب» في أقل من شهرين. حيث حقق مقطع فيديو من الأرجنتين على «يوتيوب» يؤيد النظرية 1.3 مليون مشاهدة. ويكرر مقطع فيديو آخر على «فيسبوك» من باكستان هذه المزاعم، وقد تم مشاهدته حوالي 650 ألف مرة، منذ نشره في ماي الماضي.
وقد وضعت نسخ من النظرية لمساتها المحلية الخاصة بها. ففي النسخة العربية، أطلق على الشرائح الدقيقة الخيالية اسم «رقائق المسيح الدجال» في مقطع فيديو حقق أكثر من 375 ألف مشاهدة على «يوتيوب» والعديد من المشاركات على «فيسبوك». ورصدت «بي بي سي نيوز» البرازيل نسخة من نظرية «الشريحة» في الرسائل المتداولة على «واتساب» و«فيسبوك» بالبرتغالية. ويقوم المستخدمون بنسخ ولصق جزء من النص الذي يبدأ بكلمات: «يجب أن أعترف، بيل غيتس عبقري شرير حقا، ومن السهل التحكم في الأشخاص المستسلمين».
وتحتوي الشبكة الدولية لتدقيق الحقائق «آي إف سي إن IFCN»، على قاعدة بيانات مع تدقيق للحقائق حول فيروس كورونا. وقد أظهرت الشبكة أن مدققي الحقائق في 14 دولة على الأقل قد فضحوا النسخ المحلية من نظرية الشرائح الدقيقة، بما في ذلك في اليونان، كازاخستان، الفلبين والمكسيك.
وتمضي الرسالة لتزعم أن بيل غيتس يضع اللمسات الأخيرة على خطط «لقاح على شكل شريحة بحجم طابع بريدي، توضع تحت الجلد»، وأن هذه سيتم ربطها بملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي للفرد، من أجل السيطرة عليه عبر تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات.
استغلال الفرصة
«بهدف زرع شرائح إلكترونية لتتبع الأفراد»، هكذا يرى 44 من الجمهوريين جهود بيل غيتس، قطب التكنولوجيا ومؤسس شركة «مايكروسوفت»، لإيجاد لقاح لفيروس كورونا المستجد، وفق استطلاع أجرته «ياهو نيوز» و«يو غوف».
فقد أشار تقرير نشره موقع «بزنس إنسايدر» إلى أن هذه الفرضية، التي تندرج تحت «نظريات المؤامرة»، اكتسبت رواجا بين العديد من المحافظين ومجموعات انتقدت جهود غيتس لإيجاد لقاح لكورونا. وأشارت بيانات الاستطلاع إلى أن 26 في المائة من الجمهوريين لا يدعمون هذه الفرضية، فيما يتابع أكثر من نصف داعمي الفرضية قناة «فوكس نيوز»، كمصدر رئيسي للأخبار.
وأشار الاستطلاع إلى أن هذه الفرضية لا تلقى رواجا لدى الجمهوريين فقط، إذ إن 19 في المائة من الديمقراطيين و24 في المائة من المستقلين، و15 في المائة من متابعي شبكات «سي إن بي سي» يؤمنون بهذه النظرية أيضا.
والاستطلاع الذي أجرته «يو غوف» اعتمد على آراء عينة ممثلة على المستوى القومي الأمريكي من 1640 شخصا من البالغين، شاركوا في الاستطلاع خلال يومي 20 و21 ماي الماضي.
والغضب على بيل غيتس ليس حكرا على الأمريكيين، إذ أوقفت السلطات الأسترالية في ملبورن عشرات الأشخاص الذين تظاهروا ضد القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، فيما حمل البعض لافتات غاضبة على غيتس وتحمل شعارات «أوقفوا بيل غيتس!»، كما كانت قد رفعت شعارات مناهضة له في ألمانيا أيضا.
ودمجت نظرية الشرائح الدقيقة مع مؤامرات الجيل الخامس في البرازيل على يد آلان دوس سانتوس، وهو مؤيد قوي للرئيس بولسونارو، والذي يحقق معه مكتب التحقيقات الفيدرالي البرازيلي في قضايا تتعلق بنشر «أخبار مزيفة».
ففي تغريدة حظيت بأكثر من 14 ألف إعجاب، اقتبس سانتوس عن معلق باكستاني قوله إن بيل غيتس يريد زرع شريحة متناهية الصغر عبر لقاح ضد الفيروس للسيطرة على البشر من خلال الجيل الخامس للاتصالات؛ ومحاولا النأي بنفسه عن هذه المزاعم، يضيف متسائلا: «هل هذا عبث؟ من الضروري مناقشة ذلك».
اتهامات سابقة
قال سيلفان ديلوفي، الباحث في علم النفس الاجتماعي في جامعة رين: «لم يصبح نجم نظريات المؤامرة، فقد كان كذلك منذ فترة طويلة».
فقد اتهم بيل غيتس في السابق بالوقوف وراء وباء زيكا، كما قال هذا الاختصاصي في نظريات المؤامرة، لكن بفضل الأزمة الصحية الحالية غير المسبوقة، يحطم بيل غيتس المستويات القياسية. وتابع روري سميث: «هذا ليس مفاجئا، نظرا إلى أنه مرتبط بقضايا الصحة العامة بطرق مختلفة مع المشاريع التي أطلقها حول العالم».
ومن بين النظريات، أن بيل غيتس هو من صنع الفيروس و«الدليل؟»، لديه «براءة اختراع» و«تنبأ بالوباء» خلال مؤتمر في العام 2015. في الحقيقة، قدم معهد بحثي تلقى تمويلا من مؤسسة غيتس، براءة اختراع لفيروس كورونا حيواني المنشأ. ومثل جزء من المجتمع العلمي، كان بيل غيتس قد عبر عن قلقه من احتمال تفشي جائحة ما.
كبش فداء
يمكن العثور على الادعاءات المضللة في أرجاء العالم وبكل اللغات على «فيسبوك» و«إنستغرام» و«تويتر» و«واتساب» و«4 تشان» و«ريديت»… فقد ظهر أكثر من 12 منشورا، حقق نسب مشاهدة عالية بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والبولندية والتشيكية.
ومن خلال الاقتباسات المحرفة وتركيب الصور والاختصارات المضللة، تتهمه هذه المنشورات برغبته في إعطاء لقاح مسموم للأفارقة، من خلال شل مئات الآلاف من الأطفال، والسيطرة على منظمة الصحة العالمية، واستخدام أدمغتنا لإنشاء عملات افتراضية.
وإن كان جزء كبير منها متداولا قبل تفشي فيروس كورونا المستجد، فإن الادعاءات التي تستهدف بيل غيتس تشترك في نقطة واحدة: اتهامه بالرغبة في الاستفادة من الوباء مثل شخصية «المستفيد من الحرب»: السيطرة على العالم، أو زيادة ثروته من خلال بيع اللقاحات.
وقال سميث: «هذه النظريات يمكن أن تقلل من ثقة الناس في المنظمات الصحية وتخفض معدلات التلقيح، وهو أمر مثير للقلق».
وأوضحت الباحثة كينغا بولينتشوك ألينيوس على مدونة لجامعة هلسنكي: «يجب على أي نظرية مؤامرة أن تكشف مطلقها»، مضيفة: «لأنه انتقد إدارة ترامب ولأنه قطب تكنولوجيا تحول إلى فاعل خير وهو مروج كبير وممول لحملات التلقيح والمؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، فهو كبش فداء مثالي للأزمة».
الاهتمام بمجال الصحة
وكان بيل غيتس، الملياردير الأمريكي مؤسس شركة «مايكروسوفت»، قد أعلن أن مؤسسته الخيرية ستركز كل مواردها على مكافحة فيروس كورونا. وأوضح غيتس، في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن مؤسسة «بيل وميليندا غيتس» التي لديها ما لا يقل عن 40 مليار دولار تحت تصرفها، ستولي «اهتماما كاملا» بالجائحة التي أودت بحياة أكثر من 200 ألف شخص، وتسببت في اضطراب الاقتصادات حول العالم. وأضاف غيتس أن تلك الجائحة يمكن أن تكبد الاقتصاد العالمي «عشرات التريليونات من الدولارات».
فى الوقت ذاته ذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أن تلك المؤسسة أسهمت بـ250 مليون دولار للمساعدة في التصدي لفيروس كورونا، وتعيد تنظيم وتوجيه أهداف وحدات أخرى مخصصة لمكافحة أمراض أخرى لتنضم إلى المعركة ضد جائحة كورونا.
كما دافع غيتس عن منظمة الصحة العالمية في وجه الاتهامات التي وجهها إليها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
وقال غيتس: «منظمة الصحة العالمية مهمة جدا جدا بشكل واضح، وينبغي أن تحظى حقا بدعم إضافي، لدورها أثناء الجائحة».
بالإضافة إلى أن مؤسسة بيل غيتس تعهدت بالتبرع بـ1.6 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة، من أجل توفير التطعيمات لـ30 مليون طفل في البلدان الفقيرة والمحرومة حول العالم. هذا فضلا عن 300 مليون دولار التي كرستها المنظمة بالفعل لتطوير وإنتاج لقاحات فيروس كورونا. ما يعني أن الرجل يتبرع بأموال طائلة من أجل محاربة الأوبئة ولا يتربح منها، فبيل غيتس هو من أكثر أغنياء العالم كرما في هذا المجال.
ويعمل بيل غيتس على إيجاد لقاح للمرض من خلال مؤسسته غير الربحية «مؤسسة بيل وميليندا غيتس» التي تعمل منذ عام 2000 على العديد من المشاريع الخيرية، ومن أبرزها محاربة الأمراض والأوبئة. فقد كانت مؤسسته من أهم الشركاء في القضاء على مرض شلل الأطفال حول العالم.