كنس السلالم يبدأ من الأعلى
عندما قلنا مرارا إنه يستحيل إيجاد حلول لقطاع التعليم في ظل الهيكلة الوزارية الحالية، وفي ظل المسؤولين الحاليين، اتهمنا بالعدمية. فما نلاحظه الآن هو ارتجالية حقيقية تعم كل القطاع، والأنكى هو وجود إصرار على تكرار الأخطاء نفسها التي ارتكبت منذ ثلاث عشرة سنة، التي بدأ فيها تطبيق الميثاق.
فالهيكلة الوزارية الموجودة على الورق ليست هي الهيكلة التي يتم العمل بها فعليا، ولا أرى غير العجز والكسل يحولان دون اتخاذ قرارات في هذا الشأن، مع أنها لا تتطلب إلا حزمة إجراءات إدارية محدودة، ومنها تقليص عدد المديريات التي تفوق العشرين مديرية مركزية إلى خمس أو ست مديريات كافية لوحدها لتدبير القطاع، سيما عندما نلاحظ أن هناك مديرين مركزيين يرون في استمرار التمركز الإداري والتعثر في التطبيق الفعلي للجهوية تهديدا لوجودهم. لذلك نراهم كل مرة يخرجون مذكرة أو مذكرتين في السنة، يتدخلون بها في صلب صلاحيات الأكاديميات بموجب قانون 007.
أما الوجه الآخر للارتجالية، فهو أن تتكرر أخطاء البرنامج الاستعجالي، حيث يستأثر كل مدير مركزي بإجراء من إجراءات «التدابير ذات الأولوية»، تماما كما كان عليه الحال سابقا. ومثلما كان أغلب المديرين المركزيين أنفسهم يقولون كل شيء ليرضوا اخشيشن والعابدة، وبعدهما محمد الوفا، فإنهم يكررون التملق ذاته مع الوزير الحالي، مكتفين بالتطبيل للفتح المبين الذي سيأتي مع هذه الخطوات، ولا أحد منهم يجرؤ على قول الحقيقة في وجهه، ومنها أن تصحيح الوضع يتطلب أولا تصحيحا لهيكلة وزارية فقدت كل صلاحياتها، هيكلة تسمح بصراع الصلاحيات بين المديريات والأقسام، وبين هذه والأكاديميات. وثانيا تحديدا دقيقا للمسؤوليات، ومنها مراجعة القانون المنظم للمجالس الإدارية للأكاديميات.
فمن أوجه الارتجالية على المستوى المركزي مثلا، أن قسم استراتيجية التكوين يتبع على الورق لمديرية تدبير الموارد البشرية، لكنه يتبع في الواقع لمدير مركزي يبدأ مهمة إشرافه على التكوين بعد انتهاء عمله الأصلي كمدير للمركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب، وغالبا بعد نهاية دوام عمله الرسمي. فبدل أن يتم خلق مديرية مستقلة لتكوين الأطر كما كان عليه الحال أيام «العز» في وزارة التربية الوطنية، أو أن يتم إرجاع تكوين الأطر لمديرية التدبير، فإن الوزير الحالي مستمر في تجاهل الارتجالية التي تسود عمل الأجهزة المركزية لوزارته. وهاهو المدير المركزي المسؤول عن تدبير الموارد البشرية يخرج بمذكرة للحركة الجهوية تسمح بالانتقال للمراكز الجهوية دون أن يعلم بذلك المدير المكلف بهذه المراكز. وكأننا دول داخل دولة واحدة. وما يقع من ارتجالية أيضا في تعيين خريجي الإدارة التربوية هذه الأيام، إلا دليل آخر على أن الإصلاح مستحيل في ظل وجود هيكلة وزارية سوريالية، تسمح بصراعات صبيانية على النفوذ.
فالكل يتذكر تدخل مديرية المناهج في عمل مديرية التقويم، عندما أخرجت الأولى في نونبر الماضي ما سمته نتائج دراسة دولية، تؤكد ضعف التلاميذ المغاربة في القراءة، والكيفية التي أخرج بها مدير مديرية المناهج هذه «الحقائق»، والتي تدخل في باب تحصيل حاصل. والأهم هو الطريقة أيضا التي تلقف بها الوزير الحالي هذه الأرقام، مع أن الدراسة الدولية إياها لم تكن علمية إطلاقا، بدليل الاكتفاء باستبيانات جزئية في جهة معينة، وإسقاط نتائجها على كل الجهات. ليظهر في ما بعد أن مدير المناهج يسعى فقط إلى ركوب موجة إرضاء الوزير الجديد. وهو ما حصل فعلا، وهاهو سعادته «يرتجل» كما يحلو له في التدبير الأول المتمحور حول إصلاح مناهج التعليم الابتدائي، دون حتى أن يعرف رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين في الموضوع.