شوف تشوف

الرأي

كمال داوود وطارق رمضان: ها «الخير».. ها «الشر»

الأول صحافي وكاتب جزائري، يوقع منذ 17 سنة في صحف جزائرية مثل «لوكوتيديان دوران» «يومية وهران» أو صحيفة «لوسوار دالجيري». الثاني مفكر إسلامي من جنسية سويسرية وأصول مصرية. الأول مغاربي والثاني مشرقي. أوجه الاختلاف بينهما أكثر من وجوه الائتلاف. عدا قاسم لغة الكتابة والتخاطب، اللغة الفرنسية. يقرآن كتابات بعضهما. لكن، وإلى الآن لم يتم أي لقاء ولا نقاش بينهما. تحول الاثنان في المدة الأخيرة إلى مادة إعلامية وسجالية، وبالأخص في الصحافة المكتوبة الفرنسية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إلى درجة أنهما يشغلان قلب السجال السياسي ـ الثقافي في فرنسا.
الأول هو كمال داوود والثاني طارق رمضان. عرف الأول بمقالاته اللاذعة والساخرة عن سريالية وعبثية الحياة والعيش في الجزائر. لم يتعرف عليه القراء الفرنسيون عبر منابره الصحفية بقدر ما تعرفوا عليه من خلال روايته «مرسولت، تحقيق مضاد»، (صدرت بالجزائر عن منشورات «برزخ» ثم عن منشورات «سندباد» لاحقا)، وحاز جائزة «الغونكور» لأول رواية. وقد أشاد الإعلام الفرنسي بل العالمي بهذا العمل الذي هو محاكاة ساخرة وعبثية لغريب كامي. يفصح كمال داوود عن المسكوت عنه في رواية كامي بتسميته للعربي الذي قتل بخمس رصاصات في رواية كامي من دون أن يحظى بأي اسم. منحه كمال داوود هوية، عنوانا شخصيا. أطلق عليه كمال داوود اسم موسى وأعطى الكلمة لأخيه هارون الذي يتكلم عن والدته وعن نفسه. تتأتى جاذبية كمال داوود أيضا من تحويله لعبد العزيز بوتفليقة إلى مسخرة وتوصيفه له كشبح يسكن ويؤرق دواخل الجزائر والجزائريين. بعد جائزة «الغونكور» تحول الكاتب إلى أيقونة إعلامية، لا في فرنسا، بل في أمريكا أيضا. إذ علاوة على مقالاته بأسبوعية «لوبوان» الفرنسية يوقع أيضا مقالات في صحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية. وقد تم اختياره أحسن صحفي لعام 2016. إلى الآن لا غبار على هذا الاستحقاق، لكن الرجل تعدى مساحة المعالجة الأدبية ليرتمي إلى مجال السياسة والدين. الشيء الذي أثار عليه سخط المؤسسة العسكرية والدينية، حيث اتهم بالزندقة وأباح أحد الشيوخ دمه. وكانت الفرصة ذهبية ليركب كمال داوود الموجة ويقدم نفسه كضحية محاصرة من طرف الملتحين الذين يتربصون به ويرصدون تحركاته لفصل رأسه عن جسده..
ويتقاسم داوود مع رشيد بوجدرة وبوعلام صنصال هاجس الضحية. وجد هذا الفانتازم في الأوساط الحقوقية والإعلامية الغربية صدى قويا، الشيء الذي دفع بالصحف والقنوات الغربية والفرنسية على وجه التحديد إلى تخصيص مساحات وفضاءات واسعة لـ«محن معبئي حرية الرأي والتعبير» من أمثال كمال داوود. تحت رعاية هذه المظلة أرخى الأخير العنان لمخياله الخصيب لتسخين كليشيهات ذابلة عن العنف المحايث للعرب والمسلمين، عن اللغة العربية «البائدة»، عن الشره الجنسي الذي «يتحلى» به المسلمون. وهذا ما أعرب عنه في المقالة التي نشرها بصحيفة «لوموند» على خلفية الاعتداءات التي طالت فتيات ونساء ألمانيات ليلة رأس السنة الجديدة بمدينة كولونيا الألمانية. هذه الكليشيهات هي نفسها التي مطرقها اليمين المتطرف غداة الاعتداءات. أحيا كمال داوود نفس الفانتازمات الاستشراقية التي تدغدغ بشكل بافلوفي الرأي العام الفرنسي والغربي.
هكذا أصبحنا نتوفر في مشارق الأرض ومغاربها على كتاب ومثقفين إسلاموفوبيين، أمثال بوعلام صنصال، كمال داوود، رشيد بوجدرة، أدونيس… يختزلون الإسلام في سلوكات وتصورات العنف والدم والتخلف وهو ما يحبذه ماركوتينغ الثقافة والإعلام. على الطرف النقيض، تتعامل السلطات الفرنسية ومعها مؤسسات ووسائل إعلام نافذة، مع طارق رمضان وكأنه جسم دخيل يهدد كيان الأمة. المعنى المسرب في الخطابات وبين الأسطر يوحي بأن رمضان «جرثومة فتاكة». علاوة على عداوة السياسيين، من ساركوزي إلى مانويل فالس، مرورا بألان فينكلكروت، وكارولين فوريست والمجلس اليهودي للديانة اليهودية إلخ..
أطلق العديد من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي العنان للقذف والشتم بمجرد إعلان طارق رمضان عن رغبته في طلب الجنسية الفرنسية ردا على قانون إفساخ أو إسقاط الهوية الذي لا يزال مثار جدل حاد. اعتبر طارق رمضان أن من حقه الحصول على الجنسية الفرنسية بحكم أن زوجته فرنسية ويتمتع أطفاله بالجنسية نفسها. وبمجرد إعلانه عن هذا الطلب طرحت على المواقع الاجتماعية عرائض تقارن بين غيبلز النازي ورمضان.. وإن دافع هذا الأخير عن قيم الجمهورية ودعا إلى نبذ التطرف والإرهاب و..و.. فإن خصومه لا ينظرون له سوى كـ«دجال متطرف» يتحايل على شباب الضواحي وعلى الجالية الإسلامية بأوروبا بنشره لأفكار «خطيرة».
مشكل فرنسا اليوم هو أنها لا ترغب في الاعتراف بعناصر ذات ثقافة إسلامية متينة ونافذة، بل تزكي أئمة أميين مثل الإمام حسان الشلغومي أو «تطبل» لكتاب ومثقفين إسلاموفوبيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى