أزمة المراهقة أو المراهقين هي عبارة يتم استخدامها للحديث عن المشاكل التي يعيشها المراهقون، والمقصود بها تحديد جميع المشكلات والسلوكيات الصعبة كتقلبات المزاج، والمواقف الجريئة، ومعارضة الوالدين، والسلوك المفرط، وما إلى ذلك، والتي تحدث أحيانا أثناء الفترة الانتقالية بين الطفولة والبلوغ.
يستخدم الباحثون والمختصون مفهوم الأزمة لأن مرحلة العبور بين الطفولة والبلوغ ليست أمرا سهلا. إذ يحدث البلوغ تغيرات كبيرة سواء جسديا أو هرمونيا، أو حتى نفسيا وعصبيا. هذا التغيير السريع في حد ذاته ظاهرة عنيفة، فالمراهق يفقد ملامح الطفولة. ويمكن أن يكون هذا المرور مؤلما وقد يعبر عنه المراهق من خلال أنماط مختلفة من التعبير مجمعة حول فكرة أزمة المراهقين.
الإفراط في الحديث عن السلوكيات المتطرفة
يمكن أن يمر العديد من الآباء والمراهقين بهذه الفترة على أنها فترة أزمة وقلق ويصعب التغلب عليها. ويمكن أن تتجلى أزمة المراهقين في سلوك متطرف، كالهروب، التعرض لبعض المشاكل كشرب الكحول، تناول المخدرات، فقدان الشهية المرضي وغيرها. العنف الذي يتجه نحو الآخرين كالانحراف، الألعاب الخطرة أو الانقلاب على الذات كمحاولة الانتحار.
تثير هذه السلوكيات والحديث عنها بشكل مفرط في العديد من وسائل الإعلام قلقا شديدا للعائلات، لكنها بعيدة كل البعد عن كونها الحقيقة المطلقة، إذ لا يدخل جميع المراهقين في أزمة المراهقة، ويميل عالم الإعلام أحيانا إلى الخلط بين فئة عمرية بأكملها وسلوك متطرف وسلوك أقلية.
المراهقة وفترة الانحدار
الاضطراب الجسدي في سن المراهقة هو بنفس شدة الاضطراب الذي يمر به طفل صغير على مدى سنوات عديدة.
بالنسبة للمحللين النفسيين، فإن هذه الفترة تعيد تنشيط الحركات الغريزية للطفولة المبكرة. وغالبا ما يصاحب مواجهة المجهول المتمثل في التحول في الجسد وعالم البالغين تراجع مرتبط بضرورة استعادة الأمان لطرق التفكير الطفولية في مواجهة الشعور بفقدان الاتجاهات. لكن هذه الحركات الارتدادية ليست سهلة دائما ويمكن أن تؤدي إلى سلوك معارض، أو علاقة صعبة مع الجسم أو النظافة، أو حشمة كبيرة تجاه الوالدين من الجنس الآخر أو التنافس مع الوالد من نفس الجنس مثلا.
قد يكون من الصعب بشكل عام على المراهقين استيعاب تغير الجسد، فقد يظهر في هذه المرحلة أن المراهق يقضي ساعات أمام المرآة، ويولي أهمية كبيرة لمظهره والطريقة التي ينظر بها الآخرون إليه، وفي أسوأ الأحوال قد تظهر عليه سلوكيات مدمرة للذات، كفقدان الشهية والشره المرضي، التسمم عن طريق استهلاك الكحول أو المخدرات.
يشهد العديد من المراهقين بشكل يومي، من خلال سلوكهم، على ازدواجية مواقفهم تجاه آبائهم. وبالتالي فقد يكونون في حاجة إلى العطف والعناق، وفي الوقت نفسه قد يظهرون مواقف المعارضة والرفض، كما لو كانوا يلعبون لعبة التأكيد والتمايز داخل الأسرة.
شخصيات مقلقة
في عام 2013، أجرى فريق المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية مقابلات مع ما يقرب من خمسة عشر ألف شاب فرنسي تتراوح أعمارهم بين ثلاثة عشر وثمانية عشر عاما، وأظهرت نتائج هذه الدراسة الكثير عن حياة المراهقين في القرن الحادي والعشرين.
النقطة الأولى تتمثل في أن كثيرا ما يتساءل المراهقون عن أنفسهم والعالم من حولهم، بينما ينظرون إليه غالبا بتشاؤم. 38 في المائة يعتقدون أن الحياة لا تستحق العيش. النتائج التي يمكن أن تكون مقلقة بشكل أكبر، لأنه في الأوقات الصعبة، يفضل معظمهم العزلة والانسحاب إلى أنفسهم بحثًا عن الدعم الخارجي. 75 في المائة من الفتيات و57 في المائة من الأولاد يقولون إنهم يفضلون هذا الحل على الاستماع إلى الموسيقى أو رؤية الأصدقاء أو ممارسة ألعاب الفيديو.
يمكن أن يؤدي هذا الميل إلى الانسحاب، في أقلية من الحالات، إلى أعمال خطيرة ويائسة. وهي أرقام مقلقة للغاية، فـ 7.8 في المائة من المراهقين حاولوا الانتحار بالفعل و9 في المائة يعانون بشكل كبير جدا من علامات إيذاء الذات في أجسامهم كخدوش وحروق، فيما يصيب الاكتئاب ما يقرب من 20 في المائة من المراهقات.
نقطة أخرى مهمة تتجلى في أن صورة جسم المراهق غالبا ما تكون إشكالية. بحيث يقول 40 في المائة من المراهقين إنهم يشككون في صورتهم أمام المرآة، أو يقولون إنهم حزينون عند النظر إلى أنفسهم.
بالنسبة للفتيات، مثل الأولاد، فإن أكثر جزء يزعجهن في أجسادهن هو بروز البطن، يليه بروز الفخذين والأنف والثديين.
أزمة مراهقين أم فترة تغيير؟
بالنسبة لآلان براكونير، الطبيبة النفسية المتخصص في مرحلة المراهقة، ومؤلفة كتاب “المراهقة وعلم الأمراض النفسية”، يجب وضع فكرة الأزمة في منظورها الصحيح. فبالنسبة لها، فإن فكرة أزمة المراهقين هي نوع من أنواع المشاكل.
ويعاني 10 إلى 15 في المائة فقط من الشباب من ضائقة كبيرة، ومعظمهم في حالة جيدة وليسوا في حاجة للذهاب لاستشارة طبيب نفسي.
اختلاف الأعراض بين الجنسين
يميل الأولاد في أزمة المراهقة إلى التعبير عن عدم ارتياحهم من خلال الشجار أو الهرب أو الهروب من المدرسة. وبالتالي، فإن العدوان يسقط عموما للخارج بدلا من أن ينقلب على الذات، وبالتالي فإن محاولات الانتحار أقل تكرارا من الفتيات.
يعد تعاطي المخدرات ظاهرة يغلب عليها الذكور وتنتشر بشكل متزايد. من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أنه خلافا للاعتقاد السائد، لم يزد استهلاك الكحول خلال العشرين عاما الماضية.
العنف ينقلب على الذات
تغيرت مظاهر المعاناة النفسية لدى المراهقات بشكل كبير خلال العشرين سنة الماضية، ويوضح الطبيب النفسي كزافيي أنه منذ عشرين عاما، كان الاضطراب الرئيسي لدى الفتيات الصغيرات هو نوبة التشنج. اليوم اختفى هذا تقريبا. وبدلا من ذلك، سنجد اضطرابات أخرى مثل إيذاء الذات. في الواقع، عند الفتيات، يتم التعبير عن الانزعاج قبل كل شيء من خلال الأفعال الذاتية والميل الأكبر للاكتئاب.
ومما يثير القلق بشكل خاص، تزايد محاولات الانتحار من قبل الفتيات المراهقات في السنوات الأخيرة، وظهور اضطرابات الأكل كفقدان الشهية والشره المرضي، وهي أيضا علامات على العنف الموجه نحو جسد المرء.
إذا كانت هذه الاضطرابات تزيد نسبتها بالنسبة للمعالجين، فمن الصعب التحقق منها من وجهة نظر إحصائية، فبحسب ماري شوكيه من المستحيل معرفة ما إذا كانت هذه الاضطرابات تتطور أو تتراجع، إذ ليست هناك بيانات إحصائية. من ناحية أخرى، يبدو أن تشويه الذات يتزايد أكثر فأكثر بين الفتيات الصغيرات.
متى تجب استشارة الطبيب النفسي
يجب الانتباه إلى الأعراض منذ سن البلوغ، فمن المرجح أن تمر العديد من الاضطرابات النفسية دون أن يلاحظها أحد. هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الإشارات غير المباشرة التي يجب أن تثير انتباه الوالدين، كالشكاوي الجسدية الصداع، آلام المعدة، الأرق، قلة الرغبة، زيادة الوزن بسرعة، مشاكل سلوكية مثل الأرق، العصبية، الانسحاب واللامبالاة، الميل إلى الانسحاب في كثير من الأحيان، العزلة أو العدوانية والتجاوزات، الاستفزازات، العنف وأخيرا مشاكل المدرسة كتدني الدرجات والتغيب عن المدرسة وعدم الانضباط وغيرها.
القلق في سن المراهقة
القلق هو أحد المشاعر الأكثر شيوعا في مرحلة المراهقة، ويمكن أن يتخذ أشكالا مختلفة ومتفاوتة الشدة، تتراوح بين القلق ونوبات الهلع إلى القلق المزمن أو الرهاب الاجتماعي.
في معظم الأحيان، يأخذ هذا القلق جوانب ملتوية. عند الفتيات، يتم التعبير عن القلق من خلال القلق بشأن الأمراض أو الجسم، في حين يتم التعبير عنه في كثير من الأحيان من خلال السلوك المحفوف بالمخاطر لدى الأولاد. ولدى الأولاد والبنات على حد سواء، نجد الاستهلاك المحفوف بالمخاطر، كتدخين السجائر والمخدرات أكثر بين المراهقين.