سهيلة التاور
بعدما بدأت حملات التلقيحات ضد فيروس كورونا في كل أنحاء العالم، أصبحت فكرة اعتماد جواز السفر الصحي لا غنى عنها بالنسبة لعدة دول. وحاليا، تعمل العديد منها على جواز سفر خاص بها وبدأت بعض شركات الطيران بدورها تعتمده بالإضافة إلى تطبيقات على الهاتف معتمدة دوليا، غير أن هناك تحديات تقف أمام فرض هذا الجواز من بينها بيعه مزورا في السوق السوداء.
شرعت أغلب الدول حول العالم في توفير اللقاح ضد كورونا لمواطنيها. وللحد من انتشار الفيروس أصبح تلقي اللقاح أحد أبرز الشروط المؤهلة للسفر، وبدأت العديد من شركات الطيران العالمية تشترط حصول المسافر على جرعتي اللقاح، قبل أن تسمح له بالصعود إلى طائراتها. كما يتوقع أن لا يتمكن أي شخص من السفر خلال الأشهر القادمة في حال لم يكن قد تم تلقيحه.
وبدوره، بدأ الاتحاد الدولي للنقل الجوي «IATA» وعدد متزايد من شركات الطيران العالمية تجربة ما يطلق عليه «جواز السفر الصحي»، والذي يعتمد بشكل أساسي على معلومات خاصة بالمسافر، منها: إن كان أصيب سابقا بفيروس كورونا، وإن كان تم تلقيحه بالفعل، وبأي لقاح، ومتى جرى التلقيح. وجواز سفر إلكتروني يحتوي على شهادة التطعيم، والفحوص الطبية، والوثائق اللازمة للسفر، وسِجل المتطلبات الصحية اللازمة، ومراكز التطعيم والفحص في المناطق المختلفة، بالإضافة إلى مشاركتها مع شركات الطيران.
وأصدرت المؤسسة الدولية للحاسبات الآلية «IBM» جواز سفر إلكتروني يركز على عودة الموظفين إلى أماكن العمل، بالإضافة إلى ما يحتاجه المسافرون.
وتعمل العديد من الدول حاليا على جواز سفر خاص بها، فجواز السفر الصحي الماليزي أصبح معتمدًا لدخول سنغافورة، واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، بداية شهر مارس، جواز سفر خاص لاستخدامه في أوروبا، وعبر مسؤولون في الاتحاد الأوروبي عن أملهم بأن تكون «الشهادات الإلكترونية الخضراء» جاهزة للاستخدام في بداية يونيو القادم، ليسهل على المسافرين تأكيد تطعيمهم وخلوهم من الفيروس.
فرض الجواز..عقبات في الطريق
قالت المنظمة الدولية للنقل الجوي إن التحدي الذي يواجه انتشار جوازات السفر الصحية هو التناقض العالمي في متطلبات التصاريح الصحية. وأكد نائب رئيس المنظمة، نيك كارين، عدم وجود معيار للشكل الذي ستبدو عليه العناصر الأساسية لشهادة تلقي اللقاح، والذي ستتبعه الدول لرقمنة الشهادة، ولهذا فإن الخطوة الأولى هي العمل مع مشَرعَين أو منظمَين لوضع شكل واحد، وهو عمل مستمر، متوقعا اكتمال العمل بنهاية ماي، بعد صدور قرار رسمي من منظمة الصحة العالمية بشأن معايير الشهادات الرقمية.
ونشرت «واشنطن بوست» تقريرا حول عمل حكومة الرئيس جو بايدن على تطوير طريقة موحدة لشهادات التطعيم الخاصة بالأفراد، وأشارت إلى أن هناك 17 مبادرة على الأقل لجوازات سفر صحية قيد التنفيذ، لكنها مليئة بالتحديات.
وأشار مختصون إلى أن جواز السفر الصحي لا يعني الحصانة أو المناعة، فما زال من غير الواضح المدة التي يبقى بعدها الشخص محصنا بعد تلقي اللقاح، أو بعد الإصابة بفيروس كورونا، ولهذا ما زالت المدة التي يمكن للأشخاص فيها نقل الفيروس دون ظهور الأعراض عليهم غير معروفة.
وأشارت عالمة الأوبئة في مركز «تافتس» الطبي في بوسطن، شيرا دورون، إلى حاجة معظم الناس لتلقي اللقاح قبل الوصول إلى الحصانة، وأضافت أن «المناعة وحدها لا تعني إمكانية سفر الشخص الذي تلقى اللقاح لأنه لن ينشر الفيروس. وحتى بعد الحصول على اللقاح، لا نعرف إن كان من الممكن أن ينقل الأفراد العدوى لهؤلاء الذين لم يتلقوا اللقاح».
وبالإضافة لإمكانية نقل الأشخاص الذين تلقوا اللقاح للفيروس، فإن المختصين أشاروا إلى أن الحصول على جواز سفر صحي يمكن أن يخلق حافزًا غير أخلاقي لإعطاء اللقاح للمسافرين قبل السكان المعرضين للخطر، وبالأخص في البلدان الفقيرة التي تحمل فرصًا أقل في الحصول على اللقاحات. وأوصت منظمة الصحة العالمية بعدم فرض جوازات السفر الصحية لهذا السبب، خاصة بعد تحذير الأطباء من أن سكان واحدة من كل أربع دول في العالم لن يحصلوا على اللقاح خلال العام الحالي.
تطبيق » «Common Pass
بدأ استخدام تطبيق الهواتف «Common Pass» المجاني، منذ أكتوبر 2020، لتقديم نتائج فحوص الإصابة بفيروس كورونا، أو شهادة التطعيم دوليا، بالإضافة لتفاصيل رحلة السفر. ورغم أن البرنامج ما زال قيد التجربة، إلا أنه يجري استخدامه من قبل حكومات وشركات طيران، وسيصبح متوفرا للذين سيستخدمون رمز الاستجابة السريعة الذي توفره خطوط الطيران.
والمسافرون يستخدمون تطبيق «Common Pass» على الرحلات من نيويورك وبوسطن ولندن وهونغ كونغ، ومع خطوط طيران معينة مثل خطوط الطيران المتحدة، وجيت بلو، ولوفتهانزا، والطيران السويسري، وفيرجين أتلانتيك، بالإضافة إلى رحلات كاثي باسيفيك إلى لندن ونيويورك وهونغ كونغ وسنغافورة.
وعبر المتحدث باسم تطبيق «Common Pass»، تومبسون كرامبتون، عن عزم التطبيق حماية البيانات الشخصية للمسافرين، وأوضح أن «بنية التطبيق ستساهم في إمكانية مشاركة المسافرين شهادة حصولهم على التطعيم، ونتائج فحوصهم بشكل يحمي خصوصيتهم بعد انتشار تلقي اللقاح حول العالم». ويتم تطوير بعض التطبيقات للاستخدام اليومي، وليس للسفر، وذكرت صحيفة «يو إس أيه توداي» أنه سيتم استخدام بطاقة العبور النيويوركية للدخول إلى مختلف الفعاليات الرياضية والفنية والترفيهية، وفي المقابل، قوبلت البطاقات بالرفض من حاكم فلوريدا الذي صرح بأنه سيحظر طلب هذه البطاقات من السكان.
حرب الفريقين ..بين الانتقاد والتأييد
يرى مؤيدو الجواز اللقاحي وهم كثر في قطاعي السياحة والترفيه، أنه وسيلة «للعودة إلى الحياة ما قبل» كوفيد-19 إذ يسمح بالدخول بأمان إلى المسارح والمطاعم وملاعب كرة القدم.
ومن بين المدافعين القلائل عنه في الأوساط الطبية البروفسور داني الذي يعتبر أنه شهادة «تحترم المعايير الأخلاقية في حال تبين أن اللقاح فعال» لأنه «يسمح بالعودة إلى مزيد من الحرية وإلى الحياة الاجتماعية وحماية المسنين».
غير أن منتقدي هذه الشهادة يعتبرون أن هذه الوثيقة تشكل انتهاكا للحريات الفردية. ويرى المدير العام لمطارات باريس أوغستان دو رومانيه أن «اعتماد نظام يمنع دخول الشخص إلى خبّاز الحي بحجة أنه لم يتلق اللقاح» يفرض أجواء شبيهة بكتب جورج أورويل مع أنه يؤيد «إجراءات تحد من شلل الاقتصاد قدر الإمكان».
وقد أثار مشروع قانون كان ينص على منع الوصول إلى بعض الأماكن في حال عدم الحصول على اللقاح جدلا واسعا في فرنسا ما يظهر أن قبول إجراء كهذا يطرح مشكلة.
وتشير نتائج استطلاعات عدة للرأي إلى أن غالبية السكان تؤيد ذلك لاستقلال الطائرة أو للزيارات إلى المستشفيات أو دار العجزة. لكن الآراء منقسمة على صعيد أمور الحياة اليومية مثل النقل المشترك أو المدارس أو دور السينما أو أماكن العمل. ويحذر البعض أيضا من خطر ظهور سوق سوداء كما الحال مع شهادات فحوص «بي سي أر» سلبية النتيجة.
السوق السوداء…انتعاش وازدهار
قال خبراء في الأمن السيبراني إن تزوير ما بات يعرف بـ «جوازات سفر لقاح فيروس كورونا» يتسع بشكل متزايد عبر الإنترنت، مع وجود عمليات احتيال سريعة النمو تثير القلق.
وتعد هذه الوثائق الرهان الرئيسي للعديد من الدول حول العالم لإحياء السفر وإنعاش اقتصاداتها. وبدأت عدة دول في رفع قيود الإغلاق على الأشخاص الذين يمكنهم إثبات تلقيحهم، والسماح لهم بزيارة أماكن الترفيه أو عبور الحدود إذا أظهروا وثائق اللقاح.
ويعد «الويب المظلم» جزءا من الإنترنت، ويقع بعيدا عن متناول محركات البحث، حيث يكون المستخدمون مجهولي الهوية إلى حد كبير، ويدفعون بشكل أساسي باستخدام العملات المشفرة مثل «البيتكوين».
والأسبوع الماضي وقع 45 مدعيا عاما من الولايات المتحدة بيانا يدعو رؤساء «تويتر» و»إي باي» و»شوبيفاي» إلى اتخاذ «إجراءات فورية لمنع استخدام منصاتهم لبيع بطاقات لقاح كورونا الاحتيالية». وجاء في البيان أن «التسويق والمبيعات الكاذبة والمضللة لبطاقات لقاح كورونا المزيفة تهدد صحة مجتمعاتنا، وتبطئ التقدم في حماية سكاننا من الفيروس، وتشكل انتهاكا لقوانين العديد من الدول».
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي قد حث، في فبراير الماضي، على عدم نشر صور بطاقات التطعيم الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وقال إن المعلومات يمكن أن يستخدمها المحتالون لتزوير المستندات. وتابع: «يستخدم المحتالون بطاقات التطعيم الموضوعة على وسائل التواصل الاجتماعي لتزوير بطاقات التطعيم وبيعها من أجل الربح، وإذا كنت تشعر أنك ضحية لسرقة الهوية، فاتصل بمؤسساتك المالية على الفور وراقب تقارير الائتمان الخاصة بك».
وفي مارس أيضا، نصحت وزارة الصحة الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الجمهور بعدم شراء بطاقات لقاح مزيفة، وقال بيان: «لا تصنع بطاقات التطعيم الخاصة بك، ولا تملأ بطاقات التطعيم الفارغة بمعلومات خاطئة، لأنك تعرض نفسك والآخرين من حولك لخطر الإصابة بالفيروس». وشدد البيان على أن «الاستخدام غير المصرح به لختم وكالة حكومية رسمية «جريمة يعاقب عليها القانون».
ودعا البيان الشركات والمدارس وأماكن العبادة والوكالات الحكومية إلى اتباع إرشادات مركز السيطرة على الأمراض، والاستمرار في الحفاظ على التباعد الاجتماعي واستخدام معدات الحماية الشخصية وذلك بسبب «استخدام البعض لبطاقات لقاح مزيفة».
وفي فبراير الماضي أيضا، نصحت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية الأفراد الذين تلقوا لقاح فيروس كورونا بمقاومة رغبتهم في نشر بطاقات التطعيم الخاصة بهم على «انستغرام» أو أي منصة أخرى، خوفا من المحتالين.
وعلى الموقع الخاص بها، كتبت لجنة التجارة الفيدرالية، تقول: «يحتفل بعضكم بتلقي الجرعة الثانية لفيروس كورونا بحماس شديد مناسب لحفلات الزفاف واستقبال المواليد الجدد وغيرها من أحداث أخرى».
وأضافت: «أنت تنشر صورة بطاقة التطعيم الخاصة بك على وسائل التواصل الاجتماعي. من فضلك لا تفعل! قد يكون ذلك دعوة لسرقة الهوية».