ترجمة: سهيلة التاور
بعد إجراء، على مدى عشر سنوات، مئات الدراسات العلمية التي خصت كشف العلاقات بين التوتر وشخصية الفرد، والصحة العضوية، اتضح أن العوامل النفسية يمكنها أن تتحمل هي بدورها مسؤولية كبيرة في التمهيد للسرطان. والإشكال المطروح هو لماذا عندما يتعلق الأمر بالسرطان، تصبح العلاقة بين الأمراض والأحاسيس السلبية من الطابوهات؟ وأمام الكثير من الجدل، تم البحث عن السبب الذي جعل «التوتر» مؤثرا ضعيفا أو حتى منعدما خصوصا بالنسبة لمرض «السرطان». فماذا يظن الأطباء والإخصائيون النفسيون، والمرضى بهذا الصدد؟
الأطباء لا يقبلون الفكرة
تتأسف صوفي غورغو ـ بورغاد، مسؤولة في وحدة الإحصاء الحيوي في معهد السرطان في مونبوليي، لأنه لا توجد هناك أدلة علمية مطبقة… وتصرح بأن بعض العوامل النفسية يمكن أن يكون لها تأثير على ظهور السرطان، ولكن ليس هناك دليل على هذا ولا يمكن إثبات هذه الفكرة.
العارض الأول يتمثل في كوننا نوجد أمام مشكلة منهجية. وللتحقق من صحة إشكال علمي يجب أن نستند على مراقبة الملايين من الأشخاص لمدة قرون. وهذا النوع من الدراسات يستغرق وقتا طويلا لتنظم، كما أنه مكلف جدا. أما العارض الثاني فهو منهجي وأخلاقي في الوقت نفسه. فمبدأ «التوتر» يتضمن أكثر من تأثير. فنقع في مثل هذه التساؤلات: هل وفاة شخص عزيز أو حادث مؤلم يؤدي إلى تكون هذا التوتر؟ وبأي درجة؟ وكيف يترجم هذا التوتر في سياق العوامل الأخرى ونمط الحياة؟..
في وقتنا الحالي، لا نستطيع عزل التوتر النفسي البسيط على غرار ذلك المرتبط بتدخين السجائر مثلا، من بين التوترات النفسية الأخرى القوية.
والمشكل الثالث يفسر بفترة بداية المرض، لأن السرطان يعتبر مرضا بطيء الظهور، والذي لا يظهر إلا في ما بعد، في المتوسط، 8 سنوات من انتشاره في الجسم. لذلك لا يمكن الفصل في المسألة بشكل قاطع في الوقت الراهن.
المتخصصون في السرطان غير مهتمين
ويسارع المتخصصون في الأمراض السرطانية الزمن للتوصل إلى علاج بيولوجي للمريض الذي تم فحصه في أسرع وقت. وليس لديهم الوقت للبحث عن أي مسبب لهذا المرض في ماضي المريض. فهذا عمل الأخصائيين النفسيين الذين يهتمون بالجانب النفسي للمريض ويغضون البصر عن البعد الجسدي العضوي. فعلم النفس يعتبر الجسم البشري جزءا رئيسيا، حيث يخزن العواطف والقوى النفسية. وفي المقابل لا يمكنه أن يفحص هذه العواطف والحالات النفسية بناء على نتائج ملموسة. في حين أن الطب، باعتبار مرض السرطان عدوى موضعية في جزء محدد من الجسم ـ الشيء الذي يمنحه إمكانية العلاج في كثير من الحالات بفضل التقنيات الحديثةـ، يقصي بعد التعطل الحيوي الذي تشكله. الوحدة بين الجسم والروح لم تؤخذ يوما بعين الاعتبار، فالمريض يستقبل للفحص العضوي المركزي وليس الشامل، (بالإضافة إلى الفحص النفسي).
ففي الولايات المتحدة الأمريكية الوضعية مختلفة، حيث العلاقة بين علم النفس والسرطان تطورت بشكل فعال منذ السبعينات، بفضل أطباء رواد في العلم النفسي ـ العصبي ـ المناعي والنفسي ـ الجسدي، مثل كارل سيمونتون وبيرني سييغل. فهناك ظهر أول مراكز الطب «التكاملي» جسد ـ روح. مما يؤكد أن علم النفس له دور فعال في تقدم الطب وليس يعارضه.
الخوف من الحلول السريعة
المحللون النفسيون وأطباء النفس والأورام يظهرون بدورهم تحفظهم. فبعد الجدال الذي حدث بخصوص مرض التوحد، تردد المحللون النفسيون بشكل أكبر في طرح فرضيات من قبيل تلك التي كانوا يدعموها منذ 20 عاما. فالخوف من اتخاذ الحلول السريعة بات يكبح أطروحاتهم، بينما تكمن مهمة أطباء النفس والأورام في مرافقة المريض بمجرد إثبات وجود المرض.
فهم يرون أن التوتر والاكتئاب هما نتيجتان سلبيتان للسرطان وليسا مسببين للمرض. ويزداد الأمر تعقيدا عندما نجد مرضى يؤمنون بشكل متعصب بأن العلاج النفسي سينقذهم من مرضهم العضوي. فإمكانية ترك المريض علاجه البيولوجي ليكتفي بالعلاج النفسي ويتجاوز مرضه، تخيف جل الأطباء. باختصار، يمكن أن تأخذ التأويلات السريعة مسارا حسنا ما يتعارض والبحث المتعمق، حول المدة الموصى بها في التحليل النفسي. لكن كل الأطباء ينادون بضرورة احترام اعتقاد الفرد، فإذا كان المريض يربط مرضه بحدث ما، فيجب أن يوضح له كذلك أنه ليس هناك أي دليل على هذا في وقتنا الحاضر. أما إذا لم يقتنع وأصر على فكرته، فيجب الإصغاء إليه ليفرغ كل ما بداخله ثم البحث عن الحلول المناسبة.
الأطباء النفسيون يراعون مرضاهم
العديد من المحترفين في علم النفس يؤكدون للمريض أن إصابته بـ«السرطان» ظهرت نتيجة لحدث صادم (لأنه يتوفر على جهاز مناعاتي يقسط حدة الخطر). فعندما يقوم المريض بطرح السؤال: لماذا أنا وليس غيري؟ هناك إحساس بالذنب الذي يتولد عنده دون أن يشعر. غير أنه بالنسبة للأطباء النفسيين، فإن لهذا الإحساس بالذنب الذي يتولد «بالداخل»، قيمة جد ثمينة. فهو يفيد في التحقق والبحث في القصة الشخصية للمريض، وتحديد العملية النفسية التي يجب اتباعها في العلاج. أما إذا تم عكس هذا المبدأ ونسبناه إلى «الخارج»، أي للمحيط الخارجي، فقد يتم عكس الأمور وبدلا من أن يكون هذا الإحساس شكلا من أشكال الحلول الفعالة لتجاوز المرض، سيكون سببا رئيسيا في الزيادة من مخاطره. فبالإضافة إلى العلاج البيولوجي، هناك السعي الشخصي الذي يلعب دورا جد فعال في محاربة المرض.
المرضى يرفضون الخضوع لـ«العلاج النفسي»
هناك بعض المرضى الذين يرفضون رفضا قاطعا أن يخضعوا للعلاج النفسي.
مريضة، (28 سنة): «كنت تحت الصدمة، عندما صرح لي طبيب النساء بأنني مصابة بسرطان الثدي، ثم ومباشرة بعدها، سألني: هل تعرضت لصدمة ما في الأشهر السابقة؟ في الحقيقة، لم يكن لدي أي استعداد لأتحدث في مثل هذه المواضيع آنذاك. صحيح أنني تعرضت لصدمة عاطفية السنة الماضية، لكن سؤاله أزعجني كثيرا».
وهناك كذلك، مريضة أخرى، (45 سنة)، التي تخلصت من كل المسببات النفسية لمرضها: «خضعت لعلاج نفسي لأعوام وفي فترة من حياتي كنت سعيدة حيث تزوجت بالشخص الذي أحبه. فلم يكن أي مجال للمشاكل. صحيح أننا عندما نبحث عن أحداث مؤلمة في ماضي شخص ما، سنجدها بالتأكيد. فمثلا زوجي الأول انتحر منذ 10 سنوات. لكن ليس كل من مر بمثل هذه الصدمات أصيب بالسرطان».
ومن خلال مجموعة من الشهادات المحصل عليها عن طريق الأنترنيت أو الكتب، نلاحظ أن معظم المرضى يقومون بربط فترة الإرهاق، والتشتت العاطفي وظهور السرطان. وبالنسبة للكثير منهم فهو شيء بديهي، وقد يصل الأمر إلى قناعة عميقة. والقناعة التي يؤمن بها الكل هي الضرورة الملحة للخروج من المرض وعدم الوقوع فيه مجددا، للعناية بالسلامة النفسية والعاطفية. وذلك بالمراقبة النفسية من طرف اختصاصي في المجال، والقيام باختيارات سليمة كذلك شيء يجعلك منتجا وفعالا في الحياة.