شوف تشوف

الرئيسيةبانوراماخاصمجتمع

كل ما تجب معرفته حول حرب الليثيوم

على الرغم من أن أفغانستان من أفقر بلدان العالم، إلا أنها تمتلك مخزونا من المعادن المهمة والنادرة، التي يمكن أن تقلب الموازين وتجعلها من أغنى الدول. ويعتبر الليثيوم من أهم هذه المعادن، حيث يدخل في صناعات المستقبل، وهو مطمع عدد من الدول التي تستخدمه في صناعاتها، وأهمها الصين وروسيا وأمريكا وكذلك الهند.

 

سهيلة التاور

 

مرت أفغانستان من عدت مراحل عصيبة في تاريخها، فقد تم احتلالها بداية من طرف السوفيات سنة 1979. واكتشف الخبراء الجيولوجيون السوفيات، خلال هذا الغزو، بعض مكامن الثروات، وقام الأمريكيون من بعدهم بعمليات مسح بلغت كلفتها نحو 17 مليون دولار مكنتهم من الحصول على معطيات مؤكدة عن وجود ثروة معدنية وهيدروكربونية كبيرة تتجاوز قيمتها ثلاثة تريليونات دولار، وفق تقديرات أمريكية، تشمل خصوصا عناصر معدنية نادرة شديدة الأهمية للصناعات الدقيقة.

ووفقا لبيانات أبحاث الجيولوجيين الأمريكيين التي وردت في تقارير وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون، تحوي الصحراء والجبال الأفغانية كميات ضخمة من معادن الأرض النادرة. واستنادا إلى أبحاث مكثفة للمعادن، خلصت الهيئة الأمريكية إلى أن أفغانستان قد تحتوي على 60 مليون طن متري من النحاس، و2.2 مليار طن من خام الحديد، و1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة، مثل اللانثانوم والسيريوم والنيوديميوم، إلى جانب الألومنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق.

ويعد الليثيوم من أكثر هذه المعادن أهمية، وارتفع الطلب العالمي عليه في السنوات الأخيرة بنحو 40 ضعفًا نظرا لقيمته في ما يسمى «الاقتصاد الأخضر» أو الصناعات الصديقة للبيئة.

وتشير الوكالة الأمريكية للمسح الجيولوجي إلى وجود تنوع مذهل من المعادن الدفينة وعناصر التربة النادرة في أفغانستان، وأن تركيز هذه المعادن وسهولة الوصول إليها يمكن أن يجعلا البلاد واحدة من أهم مراكز التعدين في العالم.

 

نفط المستقبل

رغم أن أفغانستان تحتوي على ثروات معدنية ضخمة إلا أن استخراجها وتعدينها يقفان عائقا أمام الاستفادة منها. لكن هذه المرة قد تدخل سوق المعادن من خلال المعدن الأكثر طلبا عالميا وهو الليثيوم.

ويمثل الليثيوم عنصرًا جوهريا رئيسيًا للبطاريات والإلكترونيات الأخرى التي تزداد شعبية هذه الأيام، ويتم إنتاجه، في الغالب، في ما يسمى «مثلث الليثيوم» في أمريكا الجنوبية (بوليفيا، الأرجنتين وتشيلي)، تليها ثلاث دول أخرى: الولايات المتحدة، أستراليا والصين. ومن بين هذه البلدان الستة التي طالما اعتُبر أنها تمتلك أكبر رواسب ليثيوم مثبتة في العالم، قد تظهر أفغانستان بشكل غير متوقع كحصان أسود. وفي الواقع، ووفقا لمذكرة داخلية للبنتاغون عام 2010، يمكن أن تصبح البلاد «السعودية لليثيوم»، حيث إن احتياطياتها المقدرة من المعدن يمكن أن تنافس أو حتى تتجاوز احتياطيات بوليفيا (حوالي 21 مليون طن).

ويتم إنتاج الليثيوم عادة إما عن طريق التبخر الشمسي لأحواض المياه المالحة الكبيرة أو من استخراج الصخور الصلبة لخام الإسبودومين، وتم اكتشافه لأول مرة في أفغانستان من قبل السوفييت بعد غزوهم للبلد عام 1979. وأكد الجيولوجيون الأمريكيون احتياطيات البلاد الغنية من الليثيوم. ومع ذلك، وبسبب الصراع الدائر، وارتفاع الاستثمار الرأسمالي اللازم، والطلب العالمي القوي بشكل غير كاف، لم يبدأ الإنتاج الصناعي من الليثيوم الأفغاني عند اكتشافه، ولكن في الوقت الحاضر قد يكون التوقيت أفضل، على الأقل من منظور الطلب العالمي.

ولمقابلة الطلب المتزايد على صناعات التكنولوجيا العالية والطاقة، من المتوقع أن ينمو إنتاج الليثيوم إلى حوالي مليوني طن فقط في العقد المقبل. وبسبب الهوس العالمي بهذا المعدن، يطلق بعض الخبراء على الليثيوم اسم «النفط الجديد».

ومع ذلك، وفي ظل الظروف الجديدة المتغيرة بسرعة، غالبا ما يُخشى أن المناجم الحالية قد لا تلبي ببساطة طلب الليثيوم المتضخم في المستقبل. وهنا يمكن أن تتحول رواسب الليثيوم في أفغانستان إلى أصل بالغ القيمة.

وفي ظل هذه الظروف، قد يعتمد مستقبل بطاريات الليثيوم أيون بشكل كبير على من يتولى السيطرة على الاحتياطيات الأفغانية، لأنه من غير المرجح أن تكون طالبان وحدها قادرة على إطلاق تعدين الليثيوم التجاري على نطاق واسع بنجاح.

 

عصب الصناعات المتقدمة

بالرغم من أن الاستخدام الصناعي لمادة الليثيوم يعود إلى عقود عدة، ازداد الطلب على هذا المعدن بشكل كبير منذ عام 2010، ويُتوقع أن يتضاعف هذا النمو في المستقبل. وقُدِّر الطلب عام 2018 بحوالي 225 ألف طن من المعادن النظيرة لليثيوم LME. هذا ومن المتوقع أن يرتفع هذا التقدير إلى حوالي 2.4 مليون طن من المعادن النظيرة لليثيوم، أي ما يوازي معدل نمو سنويا مركبا يبلغ 34.43 في المئة.

ويشكل التقدم المحرز في تكنولوجيا السيارات الكهربائية، وتخزين البرامج الخدمية، وتطبيقات نظام BTM للطاقة عوامل أساسية تدفع بنمو الطلب على الليثيوم. بالنسبة للسيارات الكهربائية، قدرت الوكالة الدولية للطاقة IEA أن عددها بلغ 3.1 ملايين سيارة عام 2017 (حيث حققت نمواً بنسبة %57 مقارنة بعام 2016)، وتتوقع الوكالة أن يصل عدد السيارات الكهربائية إلى أكثر من 220 مليون سيارة مستخدمة حول العالم، علما أن غالبيتها تعمل بتكنولوجيا بطاريات أيونات الليثيوم.

وبذل المصنّعون جهوداً حثيثة لتحسين فعالية بطاريات أيونات الليثيوم، في ظل التوقعات بحدوث ارتفاع كبير في السوق. وأدى التقدم المحرز في التكنولوجيا وتحسين الفعالية إلى انخفاض سعر الوحدة بشكل كبير من حوالي 1250 دولاراً أمريكياً للكيلوواط في 2010 إلى 175 دولاراً أمريكياً للكيلوواط عام 2017. ومن المتوقع أن ينخفض سعر الوحدة للبطاريات إلى حوالي 40 دولاراً أمريكياً للكيلوواط بحلول عام 2025.

لم يشكل الانخفاض الكبير في أسعار بطاريات أيونات الليثيوم دافعاً مهماً للطلب على مثل هذه البطاريات فحسب، بل حفز أيضا نمو سوق الليثيوم الخام والمكرر (أي كربونات الليثيوم أو هيدروكسيد الليثيوم). وبين عامي 2010 و2017، أدّت القيود على العرض إلى ارتفاع السعر المتاح لخام الليثيوم من حوالي 150 دولاراً أمريكياً إلى 950 دولاراً أمريكياً للطن الواحد (أي معدل نمو سنوي مركب يبلغ %25.95)، وعرفت الأسعار المعدلة في ضوء نسبة التضخم الخاصة بالليثيوم المكرر ارتفاعاً كبيراً من 4500 دولار إلى 16500 دولار للطن (أي معدل نمو سنوي مركب يبلغ %16.65).

 

سباق صيني وأمريكي وروسي

في الوقت الذي غيرت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها استراتيجيتها وأغلقت سفاراتها وسحبت كل قواتها العسكرية، ظلت الصين وروسيا على تمثيلها الدبلوماسي، واستقبل وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، وفدا من قادة حركة طالبان في بكين أواخر يوليوز 2021، في أعقاب سيطرة طالبان على كابل. واستقبل سفيرها وزير الخارجية المكلف في «حكومة طالبان» أمير خان متقي، كما تعهدت بكين بتقديم مساعدة إنسانية تقدر بـ15 مليون دولار للحكومة الجديدة.

وكجزء من جهودها للهيمنة على قطاع الطاقة النظيفة، أصبحت الصين أهم مشتر للمعادن، وهي تعد بالفعل الأولى على مستوى العالم في معالجة المعادن للاستفادة منها في صنع البطاريات والتقنيات الأخرى، واستثمرت في مشاريع تعدين في بلدان حول العالم مثل الكونغو.

ويرى فرانك فانون، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون موارد الطاقة في إدارة ترامب، أنها مسألة وقت فحسب قبل أن تبدأ طالبان التعاون مع الصين التي تهيمن بالفعل على سلسلة توريد المعادن الحيوية.

من جهتها، تهتم روسيا أكثر بالمسألة الأمنية في أفغانستان وكذلك بثرواتها، واستقبلت وفدا من طالبان في موسكو، وربما تكون على استعداد للتعامل مع الحركة سياسيا واقتصاديا إذا تم تبديد المخاوف الأمنية تجاه الجمهوريات الدائرة في فلكها والمحاذية لأفغانستان بخصوص ضبط الحدود وما تصفه بـ«تصدير الإرهاب»، وهي أيضا بديل محتمل للتعاون العسكري إذا فقدت حركة طالبان الأمل في واشنطن.

فالولايات المتحدة والدول الغربية تشترط تنازلات كثيرة على طالبان تتراوح بين السياسي والأمني والاجتماعي والحقوقي مقابل تطبيع العلاقات معها وإدماجها في المنظومة الدولية، في حين تحكم الحركة هواجس كثيرة تجاه المحتل السابق، لكنها تبدي، في المقابل، استعدادا للتعاون مع جميع الدول، وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، رغبة في رفع الحظر والعقوبات عنها.

وقد تدفع المخاوف الأمريكية والغربية من الدور الصيني والروسي بدرجة أقل، وإمكانية اعترافهما بحكومة طالبان ودعمها دوليا إلى مراجعة موقفها من الحركة، كما أن ضغوط الشركات الكبرى في صناعة السيارات والتكنولوجيات الحديثة قد تقنع واشنطن والعواصم الغربية بسرعة مراجعة هذه المواقف خوفا من ضياع نصيبها من الثروة المعدنية الأفغانية.

 

أهمية الليثيوم للهند

تعتبر أصول الليثيوم بالغة الأهمية ليس فقط للصين وروسيا وأمريكا، ولكن أيضا لاقتصاد رئيسي آخر هو الهند التي أنفقت ثلاثة مليارات دولار على شكل مساعدات في أفغانستان لإظهار حسن النية من بوابة المساعدات وقبول حكم طالبان.

وتستهدف الهند 450 غيغاواط من الطاقة المتجددة المركبة بحلول 2030. ففي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، أعلن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، أن بلاده ستصل إلى «صفر انبعاثات» بحلول 2070 ما يعني أنها ستوازن ذلك بما يتم امتصاصه من الليثيوم الأفغاني.

وتطمح الهند، أيضا، إلى أن تصبح ثاني أكبر مصنع للهواتف المحمولة في العالم. وبموجب سياستها للإلكترونيات التي تم الكشف عنها في 2019 تخطط لإنتاج مليار هاتف محمول، منها 600 مليون قطعة للتصدير.

ومع ذلك، فإن كل هذه الأهداف مرتبطة بتوفر الليثيوم الذي تعتمد الهند حاليا على تأمينه من الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي.

ويعتقد المراقبون أن الصناعات المتنقلة وغير التقليدية في الهند ستحصل على دعم كبير من خلال التواصل الدبلوماسي مع طالبان وتطبيع العلاقات مع باكستان للسعي للوصول بسهولة إلى الموارد المعدنية الغنية في أفغانستان.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى