شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةتقاريرخاص

كل ما تجب معرفته حول انقلاب السودان

اشتباكات بالأسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع

في تذكير بالانقلابات المتكررة، التي مرت بها البلاد خلال العقود الماضية، اشتدت الخلافات ومن ثم المواجهة بين قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان من جهة، وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي» من جهة أخرى، قبل أن تتحول يوم السبت الماضي الحروب الكلامية التي اشتعل فتيلها بين القوتين منذ سنة 2021 إلى مواجهات عسكرية داخل العاصمة والولايات.

 

سهيلة التاور

 

ارتفعت حصيلة ضحايا الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان إلى 97 قتيلا وعدد كبير من الجرحى، وفقا لما أعلنت عنه نقابة أطباء السودان صباح يوم أمس الاثنين.

وجاء في بيان للنقابة أن “ما لا يقل عن 97 شخصا قتلوا (…) منذ اندلاع الاشتباكات في البلاد”، موضحا أن الحصيلة لا تشمل كل القتلى، إذ إن الكثير منهم لم ينقلوا إلى المستشفيات بسبب صعوبات التنقل. أضاف البيان أن “365 شخصا أصيبوا” أيضا.

ويتواصل القتال في العاصمة السودانية، بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع سماع إطلاق نار ودوي انفجارات.

وكان التوتر بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” استحال مواجهات عنيفة يوم السبت الماضي، بعد تصعيد في الخلافات السياسية في الأسابيع الأخيرة.

وتبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات حول المبادرة بالقتال وشن هجمات ضد قواعد تابعة لهما صباح السبت الماضي. وأكدت تقارير، عن شهود عيان، سماع دوي انفجارات وإطلاق نار كثيف في مناطق متفرقة من الخرطوم ومدينة مروي.

وقالت قوات الدعم السريع إن الجيش السوداني شن هجوماً على إحدى قواعدها في العاصمة، فيما اتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) بمهاجمة الكثير من قواعده في الخرطوم ومناطق أخرى، بُعيد إعلان تلك القوات مهاجمة الجيش لمعسكراتها.

وقال الناطق باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله: «هاجم مقاتلون من قوات الدعم السريع عدة معسكرات للجيش في الخرطوم ومناطق متفرقة في السودان»، مضيفاً: «الاشتباكات مستمرة والجيش يؤدي واجبه في حماية البلاد».

في الوقت نفسه، أعلنت قوات الدعم في بيان السبت الماضي سيطرتها على مطار الخرطوم، رداً على هجمات للجيش على قواعد لها، على حد قولها. وجاء في بيان لها لاحقاً بعد اندلاع أولى الاشتباكات: «تم طرد المعتدين على مقر القوات بأرض المعسكرات في سوبا، والسيطرة على مطار الخرطوم».

وخلال تحذيره مما هو آت، قال الجيش السوداني الذي يقوده الجنرال عبد الفتاح البرهان، في بيانه، إنه «يقع على عاتق القوات المسلحة، دستوراً وقانوناً، حفظ وصون أمن وسلامة البلاد، تعاونها في ذلك أجهزة الدولة المختلفة»، مضيفاً: «القوانين نظمت كيفية تقديم هذا العون، وبناء على ذلك وجب علينا أن ندق ناقوس الخطر بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير، وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بحشد القوات داخل العاصمة وبعض المدن».

 

صراع البرهان و«حميدتي»

كان البرهان و«حميدتي» يشكلان جبهة واحدة عندما نفذا الانقلاب على الحكومة في 25 أكتوبر 2021، إلا أن الصراع بينهما ظهر إلى العلن خلال الشهور الأخيرة وأخذ في التصاعد.

ولا يزال البرهان ودقلو على خلاف حول من سيتقلد منصب القائد العام للجيش، خلال فترة الاندماج التي ستمتد عدة سنوات. وتقول قوات الدعم السريع إن القائد ينبغي أن يكون الرئيس المدني للدولة، وهو ما يرفضه الجيش.

وعن أوراق الضغط التي يمتلكها كل منهما، يسيطر البرهان، بصفته قائداً للقوات المسلحة السودانية، على مجمع صناعي عسكري كبير. كما يعد الرجل المُفضَّل في السودان لدى مصر، وهو من الشخصيات التي تولت السلطة في فترة الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطيح به من السلطة في عام 2019.

وفي المقابل، يسيطر «حميدتي»، الذي كان في السابق على رأس ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة في دارفور، والمعروفة حالياً بـ «قوات الدعم السريع»، على مناجم الذهب في المنطقة المضطربة، ويحظى بدعم قوي من قبل رئيس الإمارات محمد بن زايد.

وفي مارس، تصاعد التنافس، حيث دعا البرهان إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش، فرد «حميدتي» بتحد قائلاً إنه يأسف لانقلاب أكتوبر 2021، الذي ساعد فيه البرهان.

وفي غضون ذلك، أصر الوسطاء الدوليون بين الممثلين المدنيين والعسكريين على توقيع الأطراف المعنية المختلفة على اتفاق نهائي بحلول أبريل، بحيث يتضمن الاتفاق الإطاري دستوراً جديداً للسودان، وسيُشكل الأساس لحكومة مدنية جديدة.

لكن الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع أثرت على توقيع الاتفاق النهائي للعملية السياسية في السودان، والذي كان مقرراً في 5 أبريل الجاري، قبل إرجائه «إلى أجل غير مسمى»، حيث اختُتِمَت ورشة عمل بين ممثلي المدنيين والعسكريين وقوات الدعم السريع، في 30 مارس، دون التوصل إلى أي توصيات نهائية، مع اشتداد الخلافات حول دمج القوات شبه العسكرية بالجيش.

كما لا تزال هناك قضايا خلافية أخرى بين البرهان و«حميدتي»، مثل وضعية قيادة القوات والتجنيد لقوات الدعم السريع، وأيضاً إصلاح الجيش وإبعاد أنصار النظام السابق عنه.

 

محاولة دولية للتهدئة

أكد السفير الأمريكي في السودان، جون غودفري، في تغريدة إن القتال المباشر «أمر في غاية الخطورة». ودعا كبار قادة الجيش إلى وقف القتال، مضيفا في تغريدة، على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه احتمى بالسفارة مع باقي الموظفين.

وقالت وكالة الإعلام الروسية إن السفارة الروسية في السودان عبرت يوم السبت عن قلقها من «تصاعد العنف» في البلاد ودعت إلى وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات. وذكرت السفارة بأن الأجواء في العاصمة الخرطوم متوترة وأن الدبلوماسيين الروس في أمان.

كما دعت القوى المدنية السودانية التي وقعت اتفاقا مبدئيا لتقاسم السلطة مع الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية يوم السبت الماضي، الجانبين إلى وقف القتال. وقالت في بيان «ندعو قيادة القوات المسلحة السودانية والدعم السريع لوقف العدائيات فورا وتجنيب البلاد شر الانزلاق لهاوية الانهيار الشامل».

وتابعت: «نناشد الأسرة الدولية والإقليمية للمساعدة عاجلا في وقف هذه المواجهات الدموية، والامتناع عن أي فعل يؤجج الصراع ويزيد اشتعاله».

 

مسارات آمنة للمدنيين

أعلنت القوات المسلحة السودانية، أول أمس الأحد، عن موافقتها بجانب موافقة الدعم السريع، على مقترح الأمم المتحدة بشأن فتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية.

وصرح مكتب المتحدث الرسمي باسم القوات السودانية: بلادنا توافق على مقترح فتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية ولمدة 3 ساعات ابتداءً من الساعة 4 عصراً، على ألا يلغي ذلك حقها في الرد عند حدوث أي تجاوزات من قبل المليشيات المتمردة.

ومن جانبها، نشرت قوات الدعم السريع، على أحد المنصات الإلكترونية، أنها ستسمح للمسارات الآمنة والحالات الإنسانية للمواطنين وذلك من الآن وحتى المدة المحددة أعلاه.

تاريخ من الانقلابات

البداية كانت بعد نحو عام من الاستقلال وتحديدا عام 1957، عندما قاد مجموعة من ضباط الجيش بقيادة إسماعيل كبيدة، انقلابا ضد أول حكومة وطنية ديمقراطية، بقيادة رئيس الحكومة إسماعيل الأزهري، إلا أن الأزهري تمكن من إحباط محاولة الانقلاب وفشلت المحاولة لتكون أول محاولة انقلاب عسكري فاشلة بعد استقلال السودان.

فشل الانقلاب لم ينه الأزمة السياسية في البلاد وقتها واستمر الخلاف حول شكل إدارة الدولة، وفي 17 نونبر 1958، تحرك ضباط من الجيش مرة أخرى، وهذه المرة بقيادة الفريق إبراهيم عبود، الذي يعد قائد أول انقلاب عسكري ناجح في تاريخ السودان، وحصل عبود ورجاله وقتها على تأييد الطوائف الدينية، وتمكن من تشكيل حكومة عسكرية برئاسته.

وكان حكما عسكريا صريحا حيث أوقف العمل بالدستور وقضى على نشاط الأحزاب وألغى البرلمان. وبعد سبعة أعوام من حكم عبود، خرجت مظاهرات شعبية واسعة تطالبه بالرحيل عن السلطة، وتحولت المظاهرات إلى ثورة أيدتها الأحزاب السودانية، وفي أكتوبر 1964، سلم عبود السلطة لسر الختم الخليفة، وتولى البلاد إسماعيل الأزهري، وهي الفترة التي عرفت باسم «أيام الديمقراطية».

استمرت «أيام الديمقراطية» نحو أربع سنوات ثم دبت الأزمات بين الأطراف السياسية وتصاعدت الصراعات بينها على السلطة، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشاكل البلاد الاقتصادية وزيادة البطالة ونقص السلع الاستهلاكية والتمرد في جنوب البلاد، فتحرك الجيش مرة أخرى عام 1969 ونفذ مجموعة أطلقوا على أنفسهم اسم «الضباط الأحرار» بقيادة جعفر النميري انقلابا عسكريا، ونجح النميري في السيطرة على السلطة بالفعل.

وبعد نحو سنتين وتحديدا في عام 1971 قاد مجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي السوداني بقيادة الضابط هاشم العطا انقلابا عسكريا استولوا فيه جزئيا على السلطة لمدة يومين فقط، ثم تمكن النميري من القضاء على الانقلاب واستعاد السلطة وحاكم الانقلابيين وقادة الحزب الشيوعي السوداني، وبذلك انتهت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة الثانية في السودان بعد فشل انقلاب إسماعيل كبيد.

ولم تكن هذه المرة الأخيرة للمحاولات الفاشلة حيث وقع خلاف بين المؤسسة العسكرية أدى إلى محاولة انقلاب جديدة ضد النميري في عام 1973، وأعلنوا عزمهم محاربة ما اسموه «الاستعمار الجديد» وإنهاء التبعية للغرب التي اتهموا بها نظام النميري، ولم يستمر الانقلاب سوى ثلاثة أيام وتم القضاء عليه بعد تدخل قوى دولية وإقليمية تتقدمها مصر وليبيا بشراكة بريطانية، إلى جانب دعم داخلي قاده رجل الأعمال السوداني خليل عثمان، وتم بالفعل القضاء على التحرك وأعيدت السلطة للنميري.

وتكررت محاولات الانقلاب على النميري بعد ذلك عام 1975، بقيادة الضابط حسن حسين، وأُحبطت وأعدم منفذوها، وبعدها بعام واحد، وتحديدا في عام 1976 قاد العميد محمد نور سعد محاولة انقلاب على نظام النميري، لكن تم إحباط التحرك أيضا وتعامل نظام النميري مع المحاولة بعنف غير مسبوق، واستمر النميري يحكم بالحديد والنار حتى خرجت ثورة شعبية ضد نظام حكمه في 6 أبريل 1985، والتي عرفت ب «ثورة أبريل»، ولم يكن النميري في البلاد وقتها عندما أعلن قادة في الجيش بقيادة الفريق أول سوار الذهب انتهاء حكم النميري، وتشكيل مجلس عسكري أعلى لإدارة المرحلة الانتقالية برئاسته، لمدة عام واحد، وبالفعل أجرى انتخابات ديمقراطية، وسلم الحكم لسلطة مدنية منتخبة.

وأظهرت نتائج هذه الانتخابات صعودا غير مسبوق للإسلاميين، حيث نالوا 51 مقعدا، واحتلوا المرتبة الثالثة بعد كل من الحزب الاتحادي (63 مقعدا) وحزب الأمة (100 مقعد) الذي كان الصادق المهدي، يرأسه حينها، وشهدت هذه الفترة أيضا استقطابا حادا بين الأحزاب وتدهور الأحوال المعيشية للمواطنين، وحاول الجيش في أكثر من مرة التنبيه على الحكومة الالتفات لمشاكل الشعب إلا أن أحدا لم ينتبه حتى عام 1989، عندما قاد العميد عمر حسن البشير انقلابا ضد حكومة الصادق المهدي، بدعم من حزب «الجبهة الإسلامية القومية» الذي كان يتزعمه حسن الترابي، إلا أن هذا لم يشفع للترابي وكان أحد المعتقلين ضمن حملة اعتقالات واسعة شنها الانقلابيون وطالت قادة جميع الأحزاب السياسية.

وبعد نحو عام واحد، وتحديدا في عام 1990، قاد اللواءان عبد القادر الكدرو ومحمد عثمان محاولة انقلاب ضد حكم البشير، إلا أن المحاولة فشلت وأعدم نظام البشير 28 ضابطا شاركوا في المحاولة بينهم قادة الانقلاب، وفشلت محاولة انقلاب أخرى عام 1992، قادها العقيد أحمد خالد المحسوب على «حزب البعث»، وسجن البشير قادة المحاولة.

وتكررت محاولة الانقلاب على عمر البشير إلا أنها كانت جميعها تنتهي بالفشل، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد نظم السودانيون انتفاضة شعبية واسعة تزعمها تجمع المهنيين السودانيين وطلاب الجامعات وقوى إعلان الحرية والتغيير، وبالفعل أطاح الجيش السوداني عام 2019 بنظام البشير الذي حكم البلاد 30 عاما. وفي يوليوز عام 2021، أعلن الجيش إحباط محاولة انقلاب هدفت للإطاحة بالمجلس العسكري، واعتقال 12 ضابطا.

وبعد أيام قليلة، اعتقل رئيس أركان الجيش هاشم عبد المطلب أحمد، الذي وصف بأنه قائد ومخطط محاولة الانقلاب. وفي شتنبر 2021، أعلنت الحكومة إعادة السيطرة على البلاد وإحباط محاولة انقلاب اتهمت فيها ضباطا ومدنيين مرتبطين بنظام البشير، وقبضت السلطة على 22 عسكريا ومدنيا وجهت لهم تهم المشاركة وقادة المحاولة الانقلابية. ثم في 25 أكتوبر 2021، قاد رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان انقلابا عسكريا، سيطر فيه على الحكم، وأبعد المكون المدني عن الحكم بعدما اعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وأعضاء في حكومته ومسؤولين آخرين، معلنا حالة الطوارئ في البلاد، وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية، إضافة إلى حل مجلس السيادة الانتقالي، ومجلس الوزراء وإعفاء الولاة.

ومنذ أكتوبر 2021، فشلت كل الوساطات العربية والدولية في إنهاء الأزمة السياسية التي لا يبدو لها أنها ستنتهي قريبا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى