سهيلة التاور
مع حلول فصل الخريف، بعض الأشخاص ينتابهم الحزن ويميلون إلى العزلة، فتتدهور حالتهم النفسية بتقلبات مزاجهم المتكررة والسريعة ويعجزون عن القيام بأنشطتهم اليومية. كل هذه الأعراض ما هي إلا ناقوس خطر بالإصابة باكتئاب الخريف الموسمي. لأن التغاضي عنه قد يؤدي إلى التفكير في الانتحار في بعض الأحيان إذا ما وصلت هذه الأحاسيس إلى حدتها.
تعتبر نوبة اكتئاب الخريف شكلاً من أشكال الاكتئاب الموسمي الذي يرتبط بفصول السنة، وعادة ما تكون نوبة اكتئاب الخريف متكررة كل عام مع نهاية شهر غشت وحتى شهر أكتوبر تقريباً وفي معظم دول العالم، فيما قد يمتد اكتئاب الخريف عند بعض الأشخاص إلى اكتئاب الشتاء الموسمي الذي يستمر حتى حلول فصل الربيع. باعتبار فصل الخريف من أصعب أوقات السنة، حيث يبدأ بعده فصل الشتاء ويذهب الأطفال للمدارس بعد العطلة الصيفية، ويحدث تغير فى المزاج ومستوى الطاقة مع تغير فصول السنة.
وتبدأ أعراض الإصابة بالاكتئاب الموسمي، ومنها أعراض الإصابة بنوبة اكتئاب الخريف، عموماً، في سن البلوغ، وعادة ما تكون أعراض اكتئاب الخريف طفيفة تزول تدريجياً مع انقلاب الفصول، لكنها قد تصل إلى أعراض اكتئاب حادة عند بعض الأشخاص.
أعراض الاكتئاب الموسمي
تتشابه أعراض نوبات الاكتئاب باختلاف أنواعه بدرجة كبيرة، لذا فإنه يتم الاستدلال على الاكتئاب الموسمي من توقيت ظهور الأعراض المختلفة التي تصاحبه، والتي غالباً ما تصيب معظم المرضى خلال فصل الخريف وتزداد شدتها مع بداية فصل الشتاء.
وتتمثل أبرز أعراض الاكتئاب الموسمي في تنامي مشاعر الضيق والحزن دون سبب واضح، إحساس دائم بالتعب والإرهاق، فقدان الشغف والتوقف عن الأنشطة المعتادة، فقدان القدرة على التركيز، نهم الطعام وتناول حصص أكبر من الكربوهيدرات بالأخص، اضطراب النوم أو النوم لساعات طويلة ومتواصلة، والمشاعر السلبية مثل القلق والتوتر.
أسباب مناخية وبيئية
تحدث هذه الحالة لعدة أسباب خارجية، فتغيير المناخ وانخفاض درجات الحرارة لابد وأن يتبعه تغيير مزاجي. فإن «التعرض لضوء الشمس يعمل على تنظيم الساعة البيولوجية للإنسان، ومن ثم انتظام إفراز بعض الهرمونات، كالسيروتونين (هرمون السعادة) والميلاتونين (هرمون النوم)».
وفي غياب ضوء الشمس، أو تراجع كثافته خلال فصل الشتاء، تضطرب كيمياء الساعة البيولوجية، ما يؤدي إلى وجود «أعراض اكتئابية»، وقد تظهر نوبات الاكتئاب الموسمي أحياناً في الربيع.
في حالات قليلة تُصيب نوبات الاكتئاب الموسمية الأفراد خلال فصل الربيع. وبشكل عام، يعتبر الذين يقيمون في مناطق باردة طويلة الشتاء، والنساء في الفئة العمرية بين 18 و30 عاماً، الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الموسمي.
والإصابة السابقة بأكثر من نوبة اكتئاب موسمية تعزز فرصة حدوث نوبة جديدة إبان التغيرات الفصلية حتى لو في مناطق مختلفة من العالم ليس فقط في المناطق الباردة.
عوامل تاريخية
هناك بعض العوامل المختلفة الأخرى التي تزيد من نسبة الإصابة باكتئاب الخريف، كالتاريخ العائلي، حيث ينتقل مرض الاكتئاب بصورة عامة عن طريق الجينات المتوارثة في العائلة، وغالبًا ما يكون لدى الأشخاص المصابين باكتئاب الشتاء أقارب مصابون بالأعراض نفسها أو أي من أنواع الاكتئاب الأخرى.
والإصابة مسبقًا بمرض الاكتئاب الرئيس أو ثنائي القطب حيث تزداد أعراض الاكتئاب حدة في فصل الخريف عندما يكون المريض مصابا بأي من أنواع الاكتئاب المختلفة.
النساء أكثر من الرجال
يعاني حوالي 5 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة من اضطراب القلق الاجتماعي وتميل إلى البدء في سن الرشد.
ويؤثر اكتئاب تغير الفصول واكتئاب الخريف على النساء أكثر من الرجال، على الرغم من أن الباحثين غير متأكدين من السبب وحوالي 75 في المائة من الأشخاص الذين يصابون بالاضطراب العاطفي الموسمي هم من النساء في الفئة العمرية بين 18 و30 عاماً، وحوالي 10 إلى 20 في المائة من الناس في أمريكا قد يصابون بنوع أكثر اعتدالًا من كآبة الشتاء.
العلاج بالضوء
نظرا لأن الاضطراب الموسمي مرتبط بالحرمان من التعرض لأشعة الشمس الطبيعية، يُعتبر العلاج بالضوء ضمن الوسائل التي يمكن أن تُسهم في تُحسن أعراض المُصابين، وتعزز من فاعلية العلاجات الدوائية والنفسية.
و«يكون العلاج بالضوء بتعريض المُصاب لضوء كثيف يحاكي ضوء الشمس عبر مصابيح فلورية، لعدد ساعات مُحدد يومياً، وفقاً لتوجيهات المعالج»، إلا أن بعض الاختصاصيين النفسيين يعارضون اعتبار الضوء خياراً أساسياً بل يفضلون تصنيفه مجرد «إجراء بحثي».
من الممكن، أيضا، معالجة اكتئاب الخريف باستخدام مهدئات الاكتئاب بحسب توصيات الطبيب وخطورة الحالة، ويقوم بعض الأطباء بعلاج الحالة باستخدام أدوية الاكتئاب مجتمعة مع العلاج بالضوء. بالإضافة إلى العلاج النفسي الذي يشمل أوجها عديدة أبرزها العلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي يهدف إلى تمكين المريض من التحكم في أفكاره ومشاعره وجعلها أكثر إيجابية.
أغذية مساعدة
الموز
يحتوي الموز على مادة تسمى «التربتوفان»، والكربوهيدرات الطبيعية والبوتاسيوم، وكلها تساعد في تحسين صحة الدماغ، إضافة إلى احتوائه على الماغنيسيوم الذي قد يقلل حدة القلق، ويحسن جودة النوم.
الشوكولاته الداكنة
أظهرت نتائج إحدى الدراسات التي أجريت على عدد من الأشخاص الذين تم إعطاؤهم مشروبًا مكونًا من الشوكولاته الداكنة يوميًا لمدة شهر، تحسنًا ملحوظًا في الحالة المزاجية، وهو ما ربطه الباحثون بمحتواها العالي من مادة البوليفينول المضادة للأكسدة.
الأطعمة الغنية بفيتامين «د»
قد تتحسن الحالة المزاجية للشخص من خلال التعرض لأشعة الشمس لفترة تقل عن 10 دقائق، بفعل ما تحويه من فيتامين د، وهو ما يعرف باسم علاج الاضطراب العاطفي الموسمي بالضوء، كما يمكن الحصول على فيتامين د من خلال تناول بعض الأطعمة، مثل الحليب وصفار البيض، وغيرهما.
الأطعمة الغنية بالأوميجا 3
وجدت دراسة من جامعة بيتسبرج أن الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من أحماض أوميجا 3 الدهنية كانوا أقل عرضة للإصابة بأعراض متوسطة أو خفيفة للاكتئاب. وتشمل المصادر الغذائية الغنية بأحماض أوميجا 3 الدهنية السلمون، والجوز وبذور الكتان.
الأطعمة الغنية بفيتامين «ب 12»
ترتبط المستويات المنخفضة من فيتامين B-12 في الدم بالاكتئاب، وتشمل المصادر الغذائية بفيتامين بـ 12 اللحم البقري الخالي من الدهون، والسلمون، والبيض، والجبن، والزبادي والحليب.
نصائح ضرورية
إن الاكتئاب الموسمي في الخريف والشتاء سيزول بشكل تلقائي مع تغيّر الفصول، ويختلف توقيت انسحاب أعراض الاكتئاب الخريفي من شخص إلى آخر، فالبعض يستعيد نشاطه بعد استقرار الشتاء، والبعض ينتظر أيام الشتاء المشمسة ليستعيد عافيته، والبعض قد يبقى تحت وطأة الاكتئاب الموسمي حتى بداية الربيع.
وعلى الرغم من أن أسباب اكتئاب الخريف مجهولة إلى حد بعيد، إلا أن هناك تقنيات سهلة وبسيطة لعلاج اكتئاب الخريف والتقليل من أعراضه.
من الضروري التأكد من عدم معاناة الشخص من حساسية مرتبطة بالخريف. فقد تكون الحساسية الموسمية سبباً من الأسباب المباشرة لاكتئاب الخريف، مثل الحساسية من الرطوبة والغبار، لذلك فإن علاج الأعراض التحسسية التي قد تكون مرتبطة بفصل الخريف من شأنه التقليل من أعراض اكتئاب الخريف، وذلك من خلال الحصول على أدوية حساسية مناسبة مثل مضادات الهيستامين بعد استشارة الطبيب.
الاستمتاع بالطبيعة: على الرغم من أن المناظر الخريفية قد تكون مثيرة لمشاعر الحزن لدى المصابين بالاكتئاب الموسمي، إلا أن القيام بأنشطة في الهواء الطلق قد يساعد على التقليل من أعراض اكتئاب الخريف.
النشاط البدني في الخريف: التمارين الرياضية أيضاً تعتبر وسيلة فعالة لمواجهة أعراض اكتئاب الخريف، يمكن القيام ببعض التمارين الرياضية المنزلية البسيطة، أو الذهاب إلى النادي الرياضي حيث تكون فرصة جيدة أيضاً للخروج من المنزل بانتظام، كما تساعد التمارين الرياضية في الخريف والشتاء على تجنب اكتساب الوزن الزائد الذي يكتسب نتيجة الرغبة المتنامية بتناول النشويات والسكر.
تمارين التأمل والتنفس: ليس من الضروري القيام بجلسات تأمل طويلة، لكن لا بد أن قضاء بعض الوقت في الاسترخاء والتأمل، وممارسة تمارين التنفس العميق التي تساعد على وصول الأوكسجين إلى الدماغ بشكل أفضل، تساعد على مقاومة أعراض اكتئاب الخريف.
تنظيم روتين النوم: يؤثر اكتئاب الخريف بشكل كبير على عادات النوم، وعدم انتظام النوم مهما كان شكله يؤدي بدوره إلى زيادة حدة أعراض اكتئاب الخريف، لذلك يعتبر تنظيم النوم أولوية، يجب الحصول على وقت كافٍ من النوم وبشكل منتظم، عدم تأجيل النوم وعدم المبالغة في ساعات النوم، ومن الأحسن الحصول على الضوء الساطع عند الاستيقاظ محاكياً شمس الصيف.
قوة الامتنان: يطلق الباحثون اسم «التنافر المعرفي» على استحالة وجود نوعين متنافرين من المشاعر لدى الأشخاص الأسوياء، ومن هنا تأتي قوة الامتنان بمكافحة القلق، فليس من الممكن أن تجتمع مشاعر الرضا والامتنان مع مشاعر القلق والحزن، لذلك تعتبر ممارسة الامتنان بشكل يومي ممارسة مهمة لمواجهة اكتئاب الخريف.
لا بد من استبدال مشروبات الكافيين بمشروبات أكثر صحية، واستبدال السكر بتحلية أخرى مثل السكرين، والسيطرة على كمية النشويات.