كلنا عالقون..
نحن بسطاء وقلوبنا بيضاء.. نستجيب سريعا للعطب.. ونتفاوت في الفرح.. في البكاء.. في الأولويات..
نحن طيبون.. في داخلنا براءة أطفال.. وهوس مجانين.. فينا شغب وروح مغامرة.. فينا عذوبة وأخاديد للحزن.. لكننا نرتدي أقنعة كثيرة.. نتنكر لأنفسنا ولأرواحنا الطيبة.. نحن نفعل ذلك.. وننسى أن للموت ألف طريق.. بينما الخلود له طريق واحد.. ذلك الطريق الذي نكون فيه كما نحن وبدون أقنعة..
إننا نشكر السعادة بالبؤس.. وكلما حصلنا على خبر مفرح جدا حاولنا تثبيطه بمأساة أو خيانة أحد لنا أو ندم اعترانا.. نحن نحب الحزن.. والشعور به يخلصنا من القلق في تحقيق أمنياتنا.. الحزن ثابت وبطيء.. يمر مظلما كليل القطب الشمالي.. يستنزف من أجفاننا سهرا إضافيا.. ويملأ أباريقنا أرقا..
نحن نحتفل يوميا بيننا وأنفسنا بمقدار الوجع في ميزان خطواتنا في الحياة.. نعد قهوة مرة إلا من سكر طفيف يذكرنا بالوقت.. ونجلس لنقرأ رواية أعمارنا في الوحل.. لنستجلب انتقام الفراغ منا.. ونكمل اصطياد الأوجاع تلك..
نحن كلما مشينا في الحياة تنبت من أجسادنا أيد تمسك بما يذكرنا بالألم.. يد تمسك عطرا رجاليا.. يد تمسك قضبان سجن.. يد تمسك ورقة.. يد تمسك صوتا فارا من هاتف محمول.. لا أحد يمضي حرا دون أيدٍ.. كلنا عالقون..
كان يجب علينا أن نحسب خطواتنا.. فالخطوة الخاطئة تورث الانكسار.. والانكسارات المتتالية تسبب الضعف.. كان يجب علينا أن لا نتأنق كعلب الهدايا.. يفترض أن نكون كما نحن.. أشجار لوز.. أو جبال ترتدي الخضرة والبياض.. أو حتى بيوتًا حجرية سمراء تشبه لون بشرتنا الحقيقية.. كان علينا أن نثق بأغطيتنا.. وأن نكفر بكل الشعارات التي لا تمثل الواقع..
كان من المفترض أن نقتل شبح الأنانية ونسافر في فلك الحرية.. ونكتُب دون دليل يرشدنا نحو الخاتمة.. دون فكرة تقنن فوضانا.. نكتب وحسب.. حتى نسمح لكل ذاك الضجيج بأن يستكين..!
لكن.. ثمة حزنٌ لا يُكتب.. بل يُبكى..!
هذا النوع القاهر منه لا يتبدد سوى بالركض في المساحات الواسعة.. دون توقف..
فلنرهق قلوبنا.. لا بمحاولة «التذكّر» بل «بالهروب» ليبقينا على قيد الحياة.. ولنشعل نبضنا ونحن نعبر طرقات الذاكرة.. نشعله حدّ الموت كلما اقتربت ملامح من نحب ناحية الحنين.. «سلام أيها الخوف المنزوي في جنباتي، أيها المطل بخلسة من نوافذي،
أيها الصمت الأبدي الذي لا ينسى ترتيب قلقي على الرفوف.. سلام يغمض عينيك.. ويهدهد فيك الاحتضار..».