شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

كلفة الفاسدين على أحزابهم

 

 

خالد فتحي

 

لو نسينا أن وظيفة الحزب هي التنشئة السياسية والتربية على قيم المواطنة وعلى أخلاق الديمقراطية، وسايرنا بعض من يتصورونه دكانا سياسيا يدار بمنطق الربح والخسارة، فإن هذه «القاعدة»، على ما قد يؤاخذ عليها، تفرض بدورها على الحزب أن يتخلص من فاسديه، قبل أن يجهزوا على مستقبله ويرموه بأفدح الخسائر.

الواضح أن التساهل مع الفاسدين داخل أحزابهم وتبويئهم أحيانا كثيرة المناصب القيادية فيها، يبعث برسائل سلبية للرأي العام، ويلحق أضرارا عدة بصورة أي حزب تورط معهم سيؤدي ثمنها عاجلا أم آجلا، سواء بأن يعجز عن تسلم السلطة، أو بأن يزاح عنها أو حتى بأن يتعرض لخطر وجودي يهدد بقاءه.

إن هذه الأضرار التي يسببها الفاسدون لأحزابهم تترتب من خلال ثلاثة ميكانيزمات: أولها عبر فقدان الحزب لمصداقيته؛ سواء أمام منتسبيه ومناضليه من الفئة الصادقة المؤمنة فعلا بمبادئه، والتي تشكل محركه الرئيسي داخل المشهد السياسي، أو أمام المتعاطفين معه ممن يدعمونه عند مختلف الاستحقاقات الانتخابية حين يتحولون لموجة دافعة به للحكم.

الفاسدون يظهرون حزبهم، إذن، في صورة من فقد المناعة الكافية التي تخوله رصد العناصر المنتمية إليه ممن تحورت نحو الفساد… والتي تعصف بكل خطاباته وشعاراته حول النزاهة وأداء الواجب والتفاني والمسؤولية في خدمة الوطن… فالمفترض في الحزب السليم أن يكون قادرا على الدوام على التخلص من فاسديه صيانة لرصيده الأخلاقي والانتخابي. والعلم الطبي يعلمنا أن الأنسجة الطبيعية تفرز دائما خلايا مارقة غير منتظمة وسرطانية، لكن يستطيع الجسد المحتفظ بمناعته محاصرتها دائما وكنسها خارجا.

وليس شاذا أن تظهر في الأحزاب عناصر فاسدة، فذلك من طبيعة الحياة العادية للأفراد والمؤسسات. ولكن غير الطبيعي والخطير هو أن تتوطن هذه الخلايا المريضة أو العناصر الفاسدة داخل الحزب، فلا يستطيع لفظها منتظرا أن تتدخل الدولة بأجهزتها لاستئصال الفساد الذي عشش بداخله.

لا معنى آخر لهذه الحالة المتقدمة غير أن هذا الحزب مخترق ومريض.

وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يعول عليه في إصلاح الأوضاع، وقد عجز عن علاج أسقامه هو داخل دواليبه؟

ثانيا: طرد المناضلين الجيدين: إذ يميل فاسدو الأحزاب إلى الاستيلاء على الأجهزة التقريرية للحزب، وهم بارعون في ذلك بشتى الوسائل غير المشروعة التي تدربوا عليها، وذلك حماية لأنفسهم من أي انقلاب للقواعد على منظومة الفساد الحزبية، وسعيا للتحكم في قرارات الحزب، وتوظيف نفوذه في الدفاع عنهم… كنوع من التمترس الاستباقي الذي يتحصنون به تحسبا لمفاجآت السياسة.

إن هذا التصدر للحزب يكون بطبيعة الحال على حساب النخبة المناضلة المستمسكة بالمبادئ الوثقى، الغيورة على صورة الحزب، والتي للأسف تعجز في أوقات السقوط المجتمعي والتراجع القيمي عن المقاومة والصمود، خصوصا لما يشرع الفاسدون الحزبيون في توزيع المصالح داخل الحزب تبعا لدرجات الولاء والخنوع والقبول بهم وبفسادهم. فالغالب هنا أن تتمكن العملة الرديئة كما في الاقتصاد من طرد العملة الجيدة.

هكذا يتفاقم الوضع الحزبي تبعا لمتوالية تكاد تتكرر في كل الأحزاب التي تعرضت لفيروس الفساد، إذ يستقدم هؤلاء الفاسدون أقرانهم من الفاسدين المتوسطين والصغار لشد عضدهم، ذلك أن الفاسد الأول الذي يتسرب للقيادة هو في الحقيقة البوابة التي تتيح دخول الجراثيم الأخرى، ثم لا يطول الوقت حتى يكتسح الحزب اكتساحا تاما، وحتى يهجره مناضلوه، أو حتى إذا بقوا لا يكادون يتعرفون عليه، سيما لما يتقمص نهائيا صورة ملاذ آمن للفاسدين.

من طبيعة الفساد كذلك أن لا يهتم بالنضال والإيديولوجيا والانشغال بهموم الوطن. وبالتالي حين يصل حزب هذه المرحلة من الإسفاف، فذلك وحده عامل تنفير كاف للعناصر المستقيمة، التي يصبح واجبا عليها أن تسير في أرض الله الواسعة إما نحو أحزاب أخرى تظن أن لن يمسسها الفساد أو إلى بيوتها.

لكن الطامة الكبرى تقع حين لا يرى اليافعون والشباب أمامهم إلا هذه الأمثلة الفاسدة نموذجا للنجاح في الحياة، فتنسخ أخلاق الحزب النضالية الرفيعة بأخرى ملؤها الانتهازية، والتفاهة، والشعبوية، والتملق، والجري وراء المصالح الخاصة، مما يحول الحزب إلى عصابة منظمة، قبل أن يذوي بعد ذلك كما يذوي الجسم الذي يجتاحه السرطان فيضمحل ويموت في النهاية.

ثالثا: التأثير السلبي على نتائج الحزب؛ إذ لا يبرح هذا الفساد قبل أن يؤدي الحزب فاتورة هذا التراخي والتهاون في مكافحته بداخله بمناسبة الانتخابات إذا حافظ المجتمع على مناعته. فمع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي لم تعد الانتخابات تخاض دائرة دائرة بل دفعة واحدة من خلال المفاضلة بين الصور التي تتبلور لكل الأحزاب السياسية في المخيال الجماهيري.

ولذلك قد يتسبب فاسد واحد في سقوط مدو للحزب بأكمله، بل وفي إفشال حتى العناصر النظيفة للحزب، لأنها بدورها ستحمل وزره أمام الناخبين.

وهكذا تكون كلفة حماية الفاسد والاستسلام لفساده غالية جدا لحزبه في نهاية المطاف، لأن هذا الحزب سيكتشف أنه قد رهن مستقبله بأحصنة خاسرة لا قيمة لها في البورصة الانتخابية. بل وأحيانا قد تنجح هذه الأحصنة بالفساد، ويؤدي غير الفاسدين ثمن فسادها.

خلاصة القول أن الحزب الذي يجثم عليه الفساد هو حزب لا ينبض بالحياة، حتى وإن حصد المقاعد حصدا، فذاك دليل حياة اصطناعية فقط. لأنه يكون حزبا مشلولا من الناحية الاقتراحية، عالة على الوطن، عقبة أمام الإصلاح، وبالخصوص حزبا منفرا للمواطنين من المشاركة السياسية بجعلها تبدو في نظرهم غير ذات جدوى، كونها تصير بالنسبة لهم مجرد لهاث وراء غنائم غير مشروعة وبوسائل غير شريفة.

وأخيرا قبل أن نلعن الواقع الاجتماعي، ونبادر لنقده، يتعين علينا أولا نقد الأداة التي نعول عليها في إصلاحه. والأحزاب بكل دول العالم هي أداة الإصلاح التي تقود المعارك على شتى الواجهات من أجل إصلاح مؤسسات الدولة ورفع فاعليتها. فإذا كانت هي نفسها في حاجة إلى إصلاح وتأهيل وكنس وتنظيف، فلا يمكن بتاتا أن ننتظر منها فائدة للمجتمع. لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى