شوف تشوف

الرأيشوف تشوف

كلشي تا يركل ها ركل

بأسنان تكز على بعضها وحواجب مبعثرة، ذكرتني بحواجب «شرشبيل» في سلسلة «السنافر»، ظهر وزير الخارجية صلاح الدين مزوار في أحد المواقع وهو يعلن غضبه وانزعاجه باللغة الفرنسية من الانتقادات التي تم توجيهها إليه بسبب تقاعسه عن اقتراح تعيين سفراء في حوالي مائة دولة. كان قد أخبرنا الموقع الذي استضاف معالي الوزير أن المغرب غير حاضر دبلوماسيا على ترابها.

ظهر من ملامح السيد الوزير أنه مطعون بسبب كل الانتقادات التي طالته، والتي زادها موقف السويد بلة، ولذلك فقد طالب عبر محاوره بأن تكف الصحافة عن مهاجمته لأنه يمثل إحدى مؤسسات الدولة.

وبعد ذلك بيومين عاد الوزير غضبان إلى الظهور مجددا، لكن هذه المرة من طنجة حيث اختار نشرة أخبار قناة العزوزي لكي يشرح للمغاربة رياضة جديدة أصبح يتعاطاها بعدما استبدل رياضة كرة السلة بركوب الطائرات إلى جانب بوعيدة كاتبته في الخارجية، هذه الرياضة اسمها «التفعفيع» وتقوم على هز الخصم وشل حركته كلاميا فلا تطلقه إلا بعدما يتزعزع موقفه.

وهذا ما يبدو قد حدث لوزيرة الخارجية السويدية عندما فعفعها وزيرنا الغضبان، فقد سحبت كل ما قالته في السابق حول موقف بلادها من البوليساريو وطرد زميلها في الداخلية كل عناصر هذا التنظيم من بلاده، وأقلعت السويد عن محاربة منتوجاتنا الفلاحية والفوسفاطية، وأعطت تعليمات بالسماح لشركات نفطها بالدخول في رأسمال الشركات المنقبة عن البترول والغاز في المغرب.

والحال أن لا شيء من هذا حدث، فالأمور لازالت على حالها، والسويد قالت فعلا إن لا نية لها في الاعتراف بالبوليساريو الآن لكنها لم تقل إنها لن تعترف بها غدا أو بعد أسبوع أو شهر.

ببساطة لأن السويد دولة ديمقراطية والبرلمان فيها هو من يقرر وليس جهة أخرى، وعندما يقرر البرلمان شيئا ليس لوزيرة الخارجية سوى أن تقول آمين، وطبعا لن تتفعفع وهي تقولها.

فعندهم اضطرت وزيرة لتقديم استقالتها لمجرد أنها اضطرت لملء خزان سيارتها الخاصة ببنزين الدولة بقيمة ستين دولارا، وليس مثلنا نحن الذين لدينا وزير للمالية ظل يتبادل توقيع علاوات مع خازن المملكة وفي الأخير أصبح وزيرا في الخارجية وحكم على الموظف الذي فضح ذلك بالسجن.

يمكن أن يكون وزيرنا الغضبان صادقا وهو ينقل إلينا حالة الوزيرة السويدية وهو يتكلم معها حول تجاوزها للخط الأحمر، فيبدو أن الوزيرة تفعفعت بالفعل، لكن ليس بسبب اقتناعها بخطورة مواقف بلادها بشأن المغرب ولكن لأن الوزير قد يكون قوس حواجبه وكشر عن أسنانه وحرك يديه «الطويلتين» أمام وجهها أكثر من اللازم وهو يخاطبها. وبما أن الوزيرة السويدية ليست متعودة على هذه اللهجة والحركات غير الدبلوماسية، فقد تفعفعت. وهي فعفعة تلقائية وليست سياسية، إذ لو كانت الوزيرة تفعفعت سياسيا لكان ذلك ظهر مباشرة على الواقع، والحال أن لاشيء تغير على أرض الواقع.

العكس هو ما حدث، إذ مباشرة بعد استقبال البرلمان السويدي لمنيب، فتحت السويد ذراعيها للانفصالية أميناتو حيدار لكي تشارك في ندوة حول الصحراء من تنظيم الحزب الحاكم.

الظاهر أن وزيرنا في الخارجية يريد أن يفعفعنا نحن أيضا بعدما نجح في فعفعة وزيرة السويد، لذلك حكى لنا هذه الحكاية السويدية غير المسلية.

لأنه إذا كان السيد مزوار فعلا لديه كل هذه القدرات الخارقة على فعفعة وزراء إحدى أقوى الدول الأوربية، فإننا نتساءل أين كانت هذه المواهب عندما أوقفته شرطة مطار «شارل دوغول» بباريس وأهانته وأجبرته على نزع حذائه وفتشته كأي مسافر مشبوه؟

لماذا لم يفعفعهم وفضل بالمقابل الرضوخ للأمر الواقع ونزع حذاءه وربما تقيشراتو أيضا.

وبعيدا عن العنتريات والبطولات الزائفة التي يريد السيد مزوار أن يلعب فيها دور «العايل دالرواية»، يجب أن نعترف بأن دبلوماسيتنا تعاني من عطب قديم، ويكفي أن يعود مزوار إلى الخطاب الملكي ما قبل الأخير، والذي نبه فيه الملك إلى انشغال بعض القناصل بأمورهم الشخصية ومستقبلهم السياسي مكان انشغالهم بالدفاع عن القضايا الكبرى للوطن وخدمة الجالية، لكي يفهم أن مسؤوليته في ما حدث ويحدث من أخطاء دبلوماسية ثابتة.

وبعض الصحافيين استيقظوا متأخرين هذه الأيام وصاروا ينتقدون الدبلوماسية المغربية بعد صوم طويل عن الخوض في هذا الموضوع المحرم، وقد عدت إلى أرشيفي الشخصي فوجدت أنني منذ خمس عشرة سنة وأنا أقرع جرس الإنذار بخصوص هذا القطاع الحيوي والحساس، فعثرت على أعمدة موجودة في «غوغل» يمكنكم العودة إليها كـ«الخارجية ديال والو»، و«الخارجية علينا»، و«لماذا يحتقروننا»، و«عمالنا المهاجرون بالخارج»، و«الدبلوماسية النشيطة»، وغيرها من الأعمدة التي وضعت الأصبع على جرح الخارجية النازف منذ ما قبل عهد الطيب الفاسي الفهري وإلى اليوم.

إن مشكل الدبلوماسية المغربية هو أنها دبلوماسية «ديال التفعفيع»، أي دبلوماسية عاطفية تحترف تقديم الفشل بوصفه نجاحا.

وحتى القرارات التي تصدر عن الدولة بمجرد اندلاع أزمة مع دولة أجنبية، تكون ذات أسباب مرتبطة أساسا برد الفعل أكثر من كونها قرارات مبنية على تفكير عميق.

وعندما نسمع تصريحات بعض المشاركات والمشاركين في الوقفة الاحتجاجية ضد السويد بالرباط، وكيف صرحوا في ما يشبه الاعتزاز، أن المخزن هو من أتى بهم في الحافلات، نستنتج أن فكر إدريس البصري لازالت أمامه أيام زاهرة.

والذين نظموا هذه الوقفة نسوا أن المصالح الاستخباراتية السويدية وغير السويدية سترفع تقارير تقول فيها إن الاحتجاج عليهم ليس جادا.

وهذا ما قالته نبيلة منيب التي قادت وفد «48 ساعة للإقناع». فالمطلوب حسبها هو تطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان لإقناع السويد بمواقف المغرب وقضاياه العادلة.

وقد جاءها الجواب مباشرة عى هذا المطلب عندما احتج مجموعة من المواطنين أمام البرلمان على تعامل السلطات السعودية مع الضحايا المغاربة الذين قضوا في حادثة منى، فشاهد الجميع عميدا للأمن يركل ويصفع ويشتم المحتجين بأقذع النعوت. متناسيا أن المقرر الأممي حول التعذيب مانديز لا يفعل سوى انتظار مثل هذه الممارسات لتضمينها تقاريره حول المغرب.

وقد كان مانديز يعتمد في السابق على شهادات من يعتبرون أنفسهم ضحايا التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة، أما اليوم فقد وفر له هذا العميد الصوت والصورة بعدما شاهد العالم بأسره من سماه شعب الفيسبوك «الركايلي بوركابي» وهو يركل ناسا مسالمين من الخلف ويصفع سيدة لم يصدر عنها أي عنف أو تهديد للأمن العام أو الممتلكات.

إن ما يجب أن يحكم عمل أجهزة الأمن في ما يخص تفريق الوقفات الاحتجاجية، هو الالتزام بالتطبيق الصارم للقانون دون اجتهاد أو تراخٍ.

وفي جميع بلدان العالم الديمقراطي لا يتم اللجوء إلى العنف إلا عندما تهدد الاحتجاجات الأمن العام أو الممتلكات العامة والخاصة. عندما يحدث ذلك «كون حتى فميريكان عند البوليسي حق يخلي دار بوك».

وطالما أن الاحتجاج سلمي ولا يهدد أي جهة، «فالله يعملك تبقا محتج العام كامل». وهناك أمام بناية مركز الصحافة الأجنبية بقلب واشنطن محتج يخيم بلافتاته أمام المبنى منذ سنوات طويلة احتجاجا على «شي حاجة»، ولا أحد فكر في ركله.

والظاهر أن عميد الأمن أراد أن يظهر لمسؤوليه صرامة وتشددا في مكافحة الاحتجاج ضد دولة شقيقة هي السعودية، متناسيا أن سبب الاحتجاج ليس هو مقاطعة هذه الدولة أو المطالبة بإسناد تنظيم الحج للجنة مكونة من جميع الدول الإسلامية كما طالب النهج بذلك، علما أنه حزب يعتبر الدين أفيونا للشعوب. ولكن سبب الاحتجاج هو أولئك الحجاج المغاربة الذين وجدوا أنفسهم فجأة مرميين في المستشفيات ومكدسين في ثلاجات الموتى دون أن يعلم عنهم أهلهم أي شيء.

فمتى أصبح الاحتجاج من أجل المطالبة باحترام الموتى وإخبار أهل المفقودين عن مصيرهم، سببا لركل الناس وصفعهم وشتم أجدادهم؟

إذا كانت السعودية نفسها سمحت وتحملت وقفة احتجاجية للحجاج المغاربة في قلب منى احتجاجا على الإهمال، فكيف لا تسمح بذلك السلطات المغربية في الرباط؟

الظاهر أنه ليس عميد الأمن وحده من يركل في هذه البلاد، فبعد خرجة وزير الخارجية حول رياضة التفعفيع، وخرجات كل هؤلاء السياسيين الذين يهدد بعضهم بالاستقالة، فيما يستعد بعضهم الآخر للسطو على كراسٍ ليست من حقهم، فإن الوقت صار مناسبا لكي نغني جميعا مع المطرب الشعبي أغنية «كلشي تا يركل ها ركل».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى