كلب «في آي بي»
حسن البصري
كان حتى كان في تاريخ «لاكان»، طرائف وغرائب تجعل من منافسات الكرة في القارة السمراء فرصة للتعرف على الوجه الآخر لـ«ماما أفريكا».
قبل أن نقلع صوب مدينة ليبروفيل الغابونية لحضور نهائيات كأس أمم إفريقيا سنة 2012، رفقة زملائي في مهنة المتاعب، عبر رحلة جوية من مطار محمد الخامس، هناك واجهنا المشهد الأول من مسلسل ساخر.
حين كنا ننتظر دورنا في طابور تسجيل الأمتعة، استوقفنا راكب غير مرغوب فيه، فقد طلبت موظفة بالخطوط الملكية الجوية من سيدة خمسينية سمراء السحنة، ترخيصا بمغادرة التراب الوطني يخص كائنا مرافقا، كان يتابع الموقف بنباح خافت من شدة الإجهاد.
تعطل الطابور، وارتفعت حدة الجدل بين الموظفة وسيدة من غينيا الاستوائية تدعى «فنيدا»، كانت تستعد للسفر على متن نفس الرحلة الجوية، رفقة كلبها الذي يبدو أنه جاء إلى المغرب في رحلة علاج.
اشرأبت الأعناق لاستطلاع سر توقف الطابور، وبدا وأن «فنيدا» تصر على ترحيل كلبها دون ترخيص مسبق، لأنه في فترة نقاهة ولا يقبل المزيد من الجدل. بعد مكالمات هاتفية تقرر ترحيل الكلب مع أمتعة المسافرين بعد استيفاء شروط تنقل الحيوانات.
تبين لنا، من خلال دردشة قصيرة مع أقارب السيدة، أنها لم تشتر الكلب المدلل من المغرب، وأنه رفيقها في حلها وترحالها خارج غينيا، وأنها مستعدة لإلغاء السفر ووضع المملكة في ورطة ديبلوماسية إذا لم يحظ الكلب بالاحترام اللازم كمسافر عائد من رحلة علاج زاده الألم.
سافر الكلب إلى ليبروفيل ومنها إلى مالابو وجهة السيدة الغينية، فيما منع مشجع مغربي من السفر لأنه لا يملك تأشيرة لدخول التراب الغابوني، علما أن المشجع أبو حليمة كان يعتقد أن السفر إلى ليبروفيل لا يحتاج إلا لتلقيح بمعهد باستور، وهو المعهد الطبي الذي خضع فيه كلب «فنيدا» لكشف دقيق.
ما أن أقلعت الطائرة في منتصف الليل صوب الغابون، حتى سمع صوت صاحبة الكلب التي حجزت لنفسها مكانا في الدرجة الممتازة، كانت تحتج على مضيفة مغربية لا علم لها بحكاية الكلب، تدخل مسافر مغربي قال إنه ينتمي لجمعية الرفق بالحيوانات، وانخرط معها في حوار تسلل إلينا قبل أن ننخرط في نوبة نوم.
انشغل المسافرون بالسيدة «فنيدا»، وقالت إحدى المضيفات إنها زوجة شخصية نافذة في غينيا الاستوائية، استأثرت بالاهتمام أكثر من نهائيات كأس أمم إفريقيا، لذا حرص كثير من الصحافيين على توديعها حين لفظتنا الطائرة من جوفها وظلت صاحبة الكلب أسيرة مقعدها المريح وقد بسطت أمامها مجلة عليها صور كلاب، في انتظار ما تبقى من الرحلة.
تسلحت بما يكفي من الجرأة، وسألتها عن اسم الكلب المصون، قالت إنه يدعى «أمينو»، واسترسلت في الحديث عن أصوله اليونانية وفصيلته وصحيفة سوابقه، دعوت له بالشفاء ولصاحبته بالسلامة في ما تبقى من الرحلة، ثم غادرت الطائرة.
ونحن في طابور ختم الجوازات، تراقصت أمام عيوننا تقاسيم «فنيدا» الحادة، ونظرات كلبها الحزينة وهو يحال على عربة نقل الحقائب إلى جوف الطائرة. تساءلنا عن موقف طاقم الطائرة إذا حصل مكروه لكلب في حالة نقاهة، وما مدى الضمانات التي يقدمها قانون النقل الجوي المدني لحيوانات في وضعية صعبة.
كم أنت محظوظ يا «أمينو» لأنك تعالج في مصحة خصوصية وتتنقل من أجل صحتك بين غينيا الاستوائية والمغرب، وتنعم في حلك وترحالك بترحيب خاص من حسناوات شركة الطيران. تذكرت كلب حارس ملعب القرب في حينا، الذي يعاني من أورام ظاهرة حولت نباحه إلى أنين، وتذكرت المثل الشعبي «جوع كلبك يتبعك» وبدا وكأن المثل يدعونا لاستبدال كلمة «جوع» بـ«عالج».
عذرا يا «أمينو» لقد نلت خلال الرحلة تقديرا أكثر مما يناله بنو جلدتي، لا تلمني أيها الكلب إذا كان محلك من الإعراب شتيمة في قاموسي.