شوف تشوف

الرأي

«كشف» الاكتشافات

 يونس جنوحي

خلال الأسبوع الماضي عُممت دراسة قام بها مكتب أمريكي للأبحاث، بخصوص ما أسماها «الأماكن العذراء»، أي الأماكن التي لم تكتشف بعد.
ولا يقصد التقرير هنا أماكن ليست مأهولة، وإنما الأماكن والمواقع الأثرية التي لم يشملها البحث المعمق. والمثير أن هذه الدراسة التي بدأت منذ سنة 2017 ولم تنته إلا في هذه الأيام، شملت أكثر من عشرين بلدا، ثلاثة منها عربية، وهي المغرب ومصر والأردن.
وهذه الدراسة تطرقت إلى مسألة المواقع الأثرية المغربية المهجورة، بالإضافة إلى محيط الأماكن التي صنفت تراثا عالميا.
وهذا يعني أن الحكومة المغربية مسؤولة أمام المغاربة وأمام التاريخ، عن مسألة تثمين الإرث الثقافي المغربي وحمايته، وهذا هو الأهم.
إذ إن هذا التقرير لاحظ وجود مواقع أثرية غير مهيكلة، ولم تشملها أي دراسات من قبل، رغم أنها وجهة سياحية عالمية ومحلية.
والدليل على أن المغرب، رغم الاستكشافات الأخيرة التي شدت العالم إلينا من قبيل اكتشاف أقدم أثر للوجود البشري فوق الكوكب على الإطلاق نواحي اليوسفية، لا يزال متأخرا في هذا الباب، هو حجم الآثار القديمة المنتشرة في جنوب البلاد وشرقها وشمالها، خصوصا عظام الديناصورات والصخور المنقوشة بالكتابات القديمة.
وقبل سنوات خلت، اكتشف سياح نقوشا عبرية فوق صخرة يرعى عليها الماعز نواحي مدينة تنغير، ولحسن الحظ كان هؤلاء السياح يتمتعون بحس علمي، وعرضوا النقوش على أهل الاختصاص، ليكتشفوا أن النقوش العبرية لم تكن إلا تدوينا للقبائل اليهودية التي سكنت المغرب قبل الميلاد.
ورغم حملات الترميم التي باشرتها وزارة الثقافة في فترات متفرقة، والتي أعادت من خلالها تأهيل المواقع الأثرية وجعلها مدرة للدخل وتوفير ميزانية سنوية لصيانتها، إلا أن عددا كبيرا من المواقع الأثرية الأخرى ما زالت مهمشة أو لم يتم اكتشافها بالكامل.
إذ إن المغرب لا يزال يتوفر على بقايا «الخطارات»، التي تصنف اليوم أقدم نظام للصرف الصحي في العالم، قبل حتى أن يتعرف عليه الأوروبيون.
هل يعلم المسؤولون المغاربة أن آلافا من هذه الخطارات في المناطق المغربية أتلفت، رغم أنها تعود إلى ما يفوق سبعة قرون؟
لقد تحولت الخطارات التي تعود إلى عهد الموحدين والمرينيين والسعديين نواحي مراكش وتارودانت، إلى ردم استعملت فيه أطنان الأتربة المحصلة من هدم الأحياء والمنازل القديمة. وتلك الأتربة دفنت الخطارات، رغم رمزيتها التاريخية، وتعرضت للإتلاف وبنيت فوقها أحياء سكنية في واحدة من أكبر عمليات اغتيال تاريخ المغرب بصمت ولعقود مستمرة.
اليوم، تصنف هذه الخطارات على أنها تراث عالمي يتوفر المغرب على نماذج منه عاينتها اللجنة التي أنجزت الدراسة العلمية، حيث أشارت إلى عبقرية المهندس المغربي قبل قرون، حيث إن أشكال الخطارات وأحجامها تختلف بحسب المناطق وطبيعة التربة، وهذا ما يفسر صمودها لقرون طويلة دون أن تتهدم، رغم أنها تجويفات في باطن الأرض لم تستعمل أي مواد أخرى في صناعتها.
إذا قارنا مثلا واقع هذه الآثار المغربية مع نظام الري الذي أسسه المغاربة في الأندلس، نجد أن نظام توزيع حصص المياه في أحياء الأندلس لا يزال يجذب السياح من كل أنحاء العالم إلى اليوم. بينما نظام الخطارات الذي يعود إلى الفترة نفسها لم يحظ بأي اهتمام، بل تُرك ليدفن في غفلة من الجميع على يد جيل لا يعرف أي شيء عن الآثار.
وبين الفينة والأخرى نرى أخبارا عن اكتشاف وفد من العلماء لعظام ديناصور، وسرعان ما يتم اعتمادها واحدة من أقدم آثار وجود الحياة على الأرض قبل ملايين السنين. وما زالت أغلفة المجلات العلمية المرموقة شاهدة على مقدار أهمية الاكتشافات التي سجلت في المغرب، حتى أن أشهر تلك المجلات عنونت مرة أن أصل سكان العالم جميعا مغاربة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى